السنوار والغماري.. استشهاد على طريق القدس وتعبير عن وحدة المصير

د.نجيب علي مناع

 

يشهد التاريخ المعاصر تقاربًا غير مسبوق في الخطاب والسلوك بين قوى المقاومة في العالم العربي والإسلامي، خاصة تلك المناهضة لمشاريع الهيمنة الغربية والصهيونية. وفي هذا السياق، يبرز حدث استشهاد القائد الفلسطيني يحيى السنوار والقائد اليمني أحمد الغماري أحد أبرز المؤشرات على هذا التلاقي البنيوي في الموقف والمصير بين حركات تقاوم العدوان الصهيوني من ميدان غزة إلى صنعاء، تحت عنوان جامع “تحرير القدس وفلسطين”.

يحيى السنوار، أحد أبرز القادة الفلسطينيين، خرج من رحم المعاناة في سجون الاحتلال ليقود مرحلة مفصلية من تاريخ حركة المقاومة الإسلامية حماس . تميز برؤية استراتيجية تمسكت بخيار المقاومة كمنهج وحيد للتحرير، ورفض الدخول في أي مشاريع تصفوية تتنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. لم يكن السنوار قائدًا تقليديًا، بل مجسدًا لمفهوم القائد المقاوم، الذي يوجد في الميدان قبل أن يظهر على المنابر. وفي أصعب لحظات المواجهة، ظل داخل غزة، يعايش أهله ويقود الصفوف الأولى، متحملًا كل التهديدات الإسرائيلية المعلنة.

في المقابل، برز القائد اليمني محمد الغماري بوصفه واحدًا من أهم الشخصيات العسكرية في جبهة صنعاء خلال سنوات الحرب، وقد أسهم في بناء القدرات الدفاعية والهجومية في اليمن، وساهم في صناعة معادلة توازن ردع غير مسبوقة في مواجهة تحالف دولي واسع. الغماري كان يؤمن أن الصراع في اليمن لا ينفصل عن المشروع الصهيوني في فلسطين.

استشهاد القائدين، رغم بعد المسافة الجغرافية، يجسّد وحدة فكرية واستراتيجية حول مركزية القضية الفلسطينية في مشروع التحرر العربي والإسلامي. لقد تقاطعت مسارات السنوار والغماري في قناعة راسخة بأن الطريق إلى الكرامة لا يُعبّد إلا بالتضحيات، وأن مشروع المقاومة لا يمكن أن يتجزأ، مهما تنوعت الجبهات وتباينت الأدوات.

رحيل مثل هذه القيادات لا يُعد نهاية لدورها فقط، بل بداية لمرحلة جديدة تُبنى على تضحياتها. فالمقاومة كما أثبتت التجربة، لا تتوقف باستشهاد قائد، بل تزداد صلابة وعمقًا. وقد رأينا ذلك بعد اغتيال قادة كبار في غزة واليمن ولبنان وإيران، حيث كانت الشهادة دائمًا بداية لمسار تصعيدي يربك حسابات العدو.

إن ما يجمع بين السنوار والغماري ليس شخصيهما فقط، بل ما مثّله كلٌّ منهما من نموذج متقدم في القيادة، والثبات، والوعي بالمعركة الكبرى التي تخوضها شعوب الأمة. كلاهما كان يرى أن النصر لا يأتي عبر التسويات الهشة، بل عبر بناء القوة والإرادة وتجذير المقاومة في وعي الأجيال.

من غزة إلى صنعاء، يتكرس اليوم محور مقاومة يتجاوز الجغرافيا نحو مشروع استراتيجي واضح، عنوانه: تحرير القدس وإسقاط الهيمنة. وفي هذا السياق، فإن استشهاد السنوار والغماري – لن يكون نهاية مشوار، بل تأكيدًا على أن القدس هي وجهة الأحرار، والشهادة على دربها شرف لا يموت.

 

 

قد يعجبك ايضا