علاجية ووقائية بالمجان في جميع المديريات المستهدفة


لا تتقطع السْبل ولا تنقضي الحلول متى شحت المياه العذبة النظيفة ولم يجد البعض بْداٍ من اللجوء إلى مياهُ غير آمنة للاستخدامات المنزلية كمياه البرك أو السدود أو الحواجز المائية أو الجداول ولكن بحذرُ منوطُ بوقايةُ متكاملةُ تلافياٍ للإصابة بالأمراض الخطيرة وعلى رأسها مرض البلهارسيا الطفيلي بنوعيه البولي والمعوي.
إذ لا قيمة لأي إجراء صحي واسع كالمعالجة الجماعية لمعظم فئات المجتمع والتي تتبع في الحملات الوطنية لمكافحة البلهارسيا بمعزلُ عن الالتزام بالوقاية وإجراءاتها من أجل تقويض انتشار مرض البلهارسيا بما يْمهد السبيل للقضاء عليه.

إن من الواجب على الجميع أن يحسنوا التصرف لدى تعاملهم مع أي مياهُ راكدةُ أو بطيئة الجريان- مهما بلغت من العذوبة والنقاء أو حتى بدت أقل صفاءٍ وعذوبةٍ- من خلال تجنب السباحة أو الاغتسال أو الوضوء أو حتى الخوض فيها ولو بجزء من الجسد أو حتى بقدمُ واحد وعند استخدامها في المنزل للأغراض المنزلية فلابد أن يكون بحذرُº شريطة غليها أولاٍ قبل أي استعمال لمدة نصف ساعة على الأقل فهذا الإجراء الاحترازي كفيل بالقضاء على الطور المائي المعدي لمرض البلهارسيا المسبب للمرض بل ويكفل- أيضاٍ- القضاء على غيره من الأوبئة والأمراض التي تنتقل بواسطة المياه.
كما لابد أن يستوعب المجتمع حقيقة البلهارسيا وما تشكله من خطرُ مهدد فالمعرفة ونيل قدرُ كافُ من الوعي حول هذا المرض وكيفية الوقاية منه وما يشكله من تهديد للإنسان يعد بمثابة القاعدة المتينة التي ترسي وتعزز السلوكيات السليمة لدى الانتفاع بمصادر المياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريانº بما يكفل قطع كافة السبل التي تعزز بقاء وانتشار مرض البلهارسيا وذلك من خلال منع العابثين من التبرز أو التبول في مصادر المياه أو بالقرب منها ليس فقط لأنها سلوكيات مخلة بالآداب والأخلاق ومبادئ وقيم ديننا الحنيف – باعتبارها تلوث مصادر المياه العذبة الراكدة والبطيئة الجريان- وإنما لكونها – أيضاٍ – تترك المجال على أوسعه لمرض البلهارسيا ليلوث مياهناº مْهدداٍ بالإصابة مئات الآلاف من المواطنينº بما يقوض أو يعيق كثيراٍ كافة الجهود الحالية الرامية لاجتثاث هذا المرض والقضاء عليه.
فالنظافة الشخصية وتشجيع الاهتمام بها مع اتخاذ المراحيض دون غيرها لقضاء الحاجة هي بمثابة قضية الحسم لأبرز ما يمنع انتشار مرض البلهارسيا.
إن داء طفيلي ليس عادياٍ- كمرض البلهارسيا- والذي يوجد منه في اليمن نوعين فقط (نوعَ بولي وآخر معوي) يفرض التحلي بمعرفة كافية حاليه ذلك لأنه أحد الأمراض المستوطنة في كثيرُ من المناطق اليمنية وقد يسبب الوفاة بفعل الآثار التدميرية التي يلحقها بصحة الإنسان في المرحلة المزمنة مع تقادم الإصابة بالمرض والتي تظهر بعد سنوات متعددة من وقوع الإصابة.
وعالمياٍ يستوطن هذا المرض أكثر من سبعين دولة من بلدان العالم الناميº في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية بحسب منظمة الصحة العالمية وفق تقريرُ صادرُ عنها.
ويشير التقرير إلى أن المرض على المستوى الإقليمي يستوطن دولاٍ كثيرة في إقليم شرق البحر المتوسط الذي ننتمي إليه مثل(السودان اليمن جنوب السعودية مصر أفغانستان العراق إيران باكستان) إلى جانب دول عربية أخرى كالمغرب والصومال.
كما تجسد البلهارسيا أحد أهم مشكلات الصحة في اليمن حتى أنها سميت ” المشكلة الصامتة” باعتبار أنها لا تظهر بشكلُ وبائي واضح بمعنى أنك قد لا تجد فجأة ألف شخص يشكون من هذا المرض في يوم ُواحد مثلاٍ وإن من الممكن أنهم أصيبوا بنفس العدوى في نفس اليوم ولكن لا تظهر عليهم أعراضاٍ تجعلهم يقلقون.
في حين قدرت منظمة الصحة العالمية عدد المصابين بالبلهارسيا سلفاٍ على المستوى المحلي بنحو(3 ملايين) شخص وهو عدد مرتفع جداٍ للإصابة وأكثر المحافظات والمديريات وبائية هي تلك التي تنتشر فيها المصادر المائية العذبة الراكدة والبطيئة الجريان والتي يعتمد الناس عليها في استخداماتهم اليومية للمياه.
ومن المهم أن ْنميز بين عدوى البلهارسيا وعدوى أي مرض آخر ففي مرض البلهارسيا تأتي العدوى عن طريق دخول الطفيلي(الطور المعدي)عبر الجلد باختراقه له وذلك من أجل اتخاذ تدابير الوقاية المطلوبة الكفيلة بمنع عدوى البلهارسيا كعدم السباحة في المياه غير المأمونة مثل البرك وحواجز المياه وما شابه وعدم المشي والخوض في المياه إذا أردنا عبور (غيل) أو (سائلة) أو أي مصدر للماء غير مأمون.. فهذه السلوكيات محفوفة بالخطر ومن الممكن أن تؤدي إلى دخول الطفيلي للجسم عبر اختراق الجلد ولو تجنبها الإنسان لاستطاع حماية جسمه ووقايته من المرض.
ويسهم في هذه المشكلة بدرجةُ أساسية ويزيد الهوة اتساعاٍ وقوع الكثيرين- لاسيما في الأرياف- في أخطاء وممارسات سلبية لدى تعاملهم واستعمالهم للمياه الراكدة والبطيئة الجريان التي تمثل لأغلب المناطق الريفية عصب الحياة في ظل غياب أو ضعف مشاريع المياه النقية الصالحة للشرب وتضافر عوامل وعراقيل كثيرة تقف حجر عثرة أمام هذه المشاريع الحيويةº أهمها صعوبة التضاريس الجبلية وتناثر القرى على قمم ومنحدرات وسفوح الجبال وبطون الأودية ما مهد لانتشار البلهارسيا في هذه المناطق.
أضف إلى ذلك شيوع الجهل الكبير بالداء الذي تلوح أثاره في جنوح البعض إلى اللامبالاة بأهمية طلب المعالجة والاستشفاء بينما لا علم لهم بأن المرض- لإهمالهم- قد يتطور مع الوقت ليصير مزمناٍ صعب العلاج مفضياٍ إلى مضاعفات بالغة الخطورة وهذا- بالطبع- مع مرور الوقت وتحديداٍ في المراحل المتأخرة للمرض.
فيما يؤكد الأطباء المختصين على أهمية عدم إهمال المعالجة للمرض من البداية تلافياٍ للمضاعفات غير المحمودة العواقب والتي تنشأ نتيجة الإصابة المزمنة ذلك لأن البلهارسيا المعوية- تسبب أضراراٍ بالغة بالكبد- مع تقادم الإصابة في المراحل المتقدمة للمرض- فتحدث فيه التهابات وتليفات تقود إلى تلفه ودماره وبالتالي فشله تماماٍ في أداء وظائفه الحيوية.
وللمضاعفات الأخرى للبلهارسيا المعوية طابعها الخاص مثل(التقيؤ الدموي دوالي المريء البواسير تضخم الطحال سرطان القولون والمستقيم).
أما مضاعفات البلهارسيا البولية فإنها وفقاٍ للمصادر الطبية تشمل(قرحة المثانة حصوات المثانة تضيق الحالب الفشل الكلوي العقم عند الرجال والنساء سرطان المثانة) وأي ُمن هذه المضاعفات تشكل خطراٍ على الإنسان وقد تحتاج إلى تدخلات جراحية كبيرة يصعب كثيراٍ التنبؤ بنجاحها كذلك حال العلاج بالأدوية في ظروف مرضية متردية كهذه.
الأمر الذي يجسد أهمية تنفيذ حملات مكافحة وطنية موسعة من أجل معالجة المصابين بالبلهارسيا وفي ذات الوقت لتكون وقائية لغير المصابين في عموم المديريات ذات الوبائية الكبيرة بالمرض وبانقضاء المرحلة الأولى من الحملة الوطنية لمكافحة البلهارسيا والديدان قبل أسابيع والتي شملت عدداٍ كبيراٍ من المديريات الموبوءة بالبلهارسيا سنكون على موعدُ خلال الأيام القليلة القادمة مع المرحلة الثانية لهذه الحملة الوطنية في الفترة من(5-8 يناير 2015م) والتي ستشمل (143)مديرية موزعة على (19)محافظة في كلُ من(حجة لحج إب المحويت صنعاء الضالع تعز عمران صعدة شبوة حضرموت الساحل حضرموت الوادي والصحراء ذمار الحديدة البيضاء مأرب الجوف ريمة أبين) حيث تستهدف معالجة المصابين بالمـرض وفي الوقت ذاته وقاية غير المصـابين من الأطفال والمراهقين مـن عمـر(6 -18 سنة) عبر إعطائهم جميعاٍ العلاج المضاد لداء البلهارسيا والديدان المنقولة بواسطة التربة في أيُ من المرافق الصحية أو المدارس.
حيث أن المعالجة خلالها ستكون بالمجان سواءٍ ضد البلهارسيا أو الديدان المنقولة بالتربة فمن المهم جداٍ أن يتدارك الجميع هذه الفرصة الثمينة طيلة فترة تنفيذ هذه الحملة التي تمتد لأربعة أيامُ كاملة دون تلكؤُ أو إبطاء.
كلنا أمل في أن يكون النجاح المأمول حليف هذه الحملة الوطنية لثقتنا بهمة وحرص المجتمع وأخص بالذكر الآباء والأمهات المحبين لأبنائهم..الحريصين على نمائهم الطبيعي وديمومة صحتهم بمعزلُ عن تهديد تلك الأمراض الطفيلية التي تتربص بهم.

* المركز الوطني للتثقيف والإعلام الصحي والسكاني
بوزارة الصحة العامة والسكان

قد يعجبك ايضا