الاقتصاد الأمريكي.. هل بدأ زمن السقوط؟

 محمد عبدالمؤمن الشامي

 

الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الاقتصادية العظمى على مدى عقود، تواجه اليوم أعمق أزمة داخلية منذ عقود. إغلاق حكومي جزئي، صراع مستمر بين الديمقراطيين والجمهوريين، وعجز مؤسساتي لا مثيل له، كل ذلك يشير إلى هشاشة هيكلية تهدد أكبر اقتصاد في العالم. ما كان يُفترض أن يكون إجراءً روتينيًا للموازنة أصبح مؤشرًا صارخًا على فشل الحكومة الأمريكية في إدارة مواردها وأزماتها، تاركًا الاقتصاد والاقتصادات العالمية على حد السكين، بين القلق والارتباك. في هذا الواقع الجديد، يتكشف أثر سياسات ترامب التراكمية والانقسامات الداخلية التي دفعت الولايات المتحدة إلى حافة الانهيار، ليطرح السؤال الصادم: هل بدأ زمن السقوط الأمريكي؟

منذ الأول من أكتوبر الجاري، واجهت وتواجه الولايات المتحدة إغلاقًا حكوميًا جزئيًا نتيجة الجمود السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين حول الموازنة السنوية. ما كان يفترض أن يكون إجراءً روتينيًا لتحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق الاستقرار المالي، تحول إلى أزمة تكشف هشاشة المؤسسات الأمريكية وعجزها عن إدارة أكبر اقتصاد في العالم. ووفقًا لمجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، تصل الخسائر الأسبوعية إلى نحو 15 مليار دولار، فيما تمتد تداعيات الشلل الحكومي إلى الاقتصاد العالمي، تاركة الأسواق في حالة ترقب وقلق دائم.

ما يحدث في واشنطن اليوم ليس مجرد صراع حزبي، بل مؤشر على عمق الانقسام الداخلي في النظام السياسي الأمريكي. الحكومة عاجزة عن تمرير أبسط القرارات المالية دون تعطيل أعمالها، والاقتصاد الأمريكي يتأرجح على حافة الانهيار أمام أي صدمة داخلية أو خارجية. الولايات المتحدة، التي طالما اعتُبرت القوة الاقتصادية الأولى عالميًا، تظهر اليوم هشاشة لم يسبق لها مثيل، وهشاشة تهدد مصداقيتها وقدرتها على الهيمنة.

سياسات ترامب منذ ولايته الثانية تركت أثرًا تراكمياً أرهق الميزانية وعمّق العجز المالي. الحمائية، الرسوم الجمركية، خفض الضرائب على الأثرياء والشركات الكبرى، والنفقات العسكرية الضخمة، إلى جانب الدعم المالي والسياسي والعسكري المستمر للكيان الصهيوني المتهالك، كل ذلك استنزف موارد الدولة وجعل الاقتصاد الأمريكي هشًا أمام أي أزمة سياسية أو مالية. هذه السياسات لم تُبنَ على أسس استدامة، بل على تراكم العجز والديون، ما يجعل الولايات المتحدة اليوم على شفا أزمة غير مسبوقة.

الصراع المستمر بين الديمقراطيين والجمهوريين على الموازنة يظهر فشل النظام السياسي الأمريكي في إدارة أي أزمة حقيقية. حكومة عاجزة، اقتصاد منهك، وديون متزايدة، كلها مؤشرات على أن المنظومة التي كانت تُعد نموذجًا للهيمنة أصبحت اليوم معرضة للتصدع. أمريكا العجوز لم تعد قادرة على حماية مصالحها، والرسالة واضحة: الهيمنة الأمريكية لم تعد أمرًا مسلمًا به.

التاريخ يعلمنا أنه لا إمبراطورية تدوم إلى الأبد. الانهيارات الكبرى لم تحدث فجأة، بل نتيجة تراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. واليوم، تتكرر نفس العلامات في الولايات المتحدة: تراكم الأخطاء الداخلية، الصراعات المستمرة، السياسات الترامبية، والنفقات الهائلة على الحروب والدعم الخارجي، كلها عوامل تدفع البلاد نحو الانهيار.

الانعكاسات لن تقتصر على الداخل الأمريكي. أي اهتزاز في الاقتصاد الأمريكي يعني اضطراب الأسواق المالية العالمية، انهيار الدولار، تقلب أسعار السلع الأساسية، وإعادة تشكيل موازين القوى لصالح الدول الصاعدة مثل الصين وروسيا. الدول التي راهنت على الاستقرار الأمريكي ستجد نفسها أمام صدمة كبيرة، واضطرت إلى إعادة ترتيب أولوياتها وفق واقع جديد، لم تعد فيه الولايات المتحدة القوة المطلقة التي تتحكم في الأسواق والسياسات.

الشرق الأوسط، الذي ظل أسير سياسات ترامب والصهيونية، يقف أمام واقع جديد: الاعتماد على القوة الأمريكية لم يعد خيارًا آمنًا. الشعوب مطالبة بأن تدرك الحقيقة: لا ضمانات خارجية، ولا حماية أمريكية. الاستقلالية الوطنية، والقدرة على الصمود، وصناعة القوة الذاتية هي الخيار الوحيد للبقاء.

الولايات المتحدة العجوز على حافة الانهيار، وديونها المتزايدة، وانقساماتها السياسية، وسياساتها الفاشلة، كلها إشارات واضحة: الهيمنة الأمريكية لم تعد أبدية، والقوة التي اعتُبرت مسلّمًا بها على مدار قرون لم تعد تضمن الاستقرار لأي دولة أو اقتصاد. التاريخ لن يرحم من تراخى أو راهن على الخارج، والزمن سيكشف بكل وضوح من صمد، ومن انهارت مؤسساته تحت وطأة تراكم الأزمات.

على الشعوب، وخصوصًا في الشرق الأوسط، أن تدرك أن الاعتماد على الخارج أصبح وهمًا لا حقيقة له. زمن الهيمنة الأمريكية انتهى، وزمن الاعتماد على النفس بدأ. من ينتظر قوة خارجية سيكتشف أن العالم تغير، وأن الحساب التاريخي صار قريبًا جدًا.

 

قد يعجبك ايضا