سامي الشاطبي –
أقدم رواية:
موجز القصة المتداولة في رواية “رسالة حي بن يقظان” بأنها صدرت من دون غلاف ملون ومزركش كما أغلفة الحاضر..ومرد ذلك لأنها كانت نقيضاٍ لروايات عصرنا الحالي والتي تتشدق بالشكل وتتجاهل المضمون!
طبعات متعددة لحي واحد:
في الشكل اختلفت أغلفتها من طبعة ورقية عن أخرى الكترونية وفي الصفحات اختلفت عن تلك المطبوعة في تلك الدار عن تلك المطبوعة في الأخرى.. في النسخة الورقية تجدها بـ100 صفحة وفي الالكترونية 50 صفحة..في أخرى ورقية تجدها بـ120 صفحة وفي ذات النسخة الورقية التي سْربت نسختها الورقية إلى عوالم النت 110 صفحة!
وبرغم كل ذلك التفاوت من طبعة إلى أخرى إلا أنها لم تتعرض لأي شكل من اشكال الاختصارات أو الحذف أو البتر ..اذ ثمة نص لا يمكن اختصاره ولو تم ورقياٍ ولا حذف بعض أسطره ولو تم الكترونيا لأن القضية المطروحة فيه واضحة ..في كل سطر وفقرة وجملة ..!
ابن الطفيل:
لهذا النص الأدبي والذي أؤكد على أنه رواية سبق مفهوم أوروبا للرواية الحديثة بمئات الأعوام عدة مؤلفين لكن (ابن الطفيل) أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي (1100م -1185م), وعنوانها ( رسالة حي بن يقظان) هو المؤلف الحقيقي..
أحداث الرواية:
تدور أحداث هذه الرواية الفلسفية في جزيرة من جزائر الهند..كانت موطن الإنسان الأول ومسكنه حيث لم يكن للإنسان وجود في أي أرض أخرى..كان يحكمها ملك له أخت تزوجت سراٍ من دون رغبة أخيها الملك من (يقظان) “وعندما وضعت المرأة طفلها خشيت من نقمة شقيقها الملك فوضعت الطفل في تابوت وألقته في البحر. حملت الأمواج التابوت حتى ألقته على ساحل جزيرة مجاورة هي جزيرة الواقواق.صـ12”
وتبدأ احداث الرواية بالتسلسل معززة بالانبهار والدهشة ..يصل الرضيع إلى شاطئ جزيرة وبطريقة أكثر من سحرية يغدو الرضيع بعيداٍ عن الموت غرقا..قريبا من الشاطئ.
” فلما اشتد الجوع بذلك الطفل بكى واستغاث وعالج الحركة فوقع صوته في أذن ظبية فقدت طلاها خرج من كناسه فحمله العقاب فلما سمعت الصوت ظنته ولدها.. فحنت الظبية وحنت عليه ورأفت به وألقمه حلمتها وأروته لبناٍ سائغاٍ صـ17″
وكابن لها منحته الظبية الحليب..كبر وترعرع وبدأ في تحسس الخطوات الأولى لاكتشاف العوالم من حوله..
يكبر الرضيع نتيجة عناية الظبية له ..ولكن تلك العناية لم تدم إذ تموت الظبية وهو في السابعة .. يدرك معنى الحزن حينها..ولكن هذا الحزن لم يقده للانتحار لأن لغة الموت كانت خارج سياق تفكيره البدائي..
لغة الاكتفاء بقدرته على مجابهة الخطوب كانت نتيجة ذلك الحزن ..تعلم كيفية الحصول على طعامه..تغطية عريه بما تيسير من أوراق الشجر ..هذه المؤشرات الأولى للاعتماد على نفسه دفعت به إلى الارتحال والتعرف على العالم من حوله …في البداية عن طريق الحواس ..مرورا بالتجربة ..تحسس النار مثلا..الاستفادة من تجربة قدرة النار على منحه الدفء والضوء..حماية نفسه من الوحوش المفترسة..التفكر في العلاقات المنظورة بين الحيوانات “يرى الحيوانات من حوله مكسوة وهو بلا كساء..يرى للحيوانات أتراباٍ وهو وحيد.. ولم ير لنفسه شيئاٍ من ذلك فكان يفكر في ذلك ولا يدري ما سببه.وكان ينظر إلى ذوي العاهات والخلق الناقص فلا يجد لنفسه شبيهاٍ فيهم. صـ25”
يفكر في المطر..الريح..وأخيرا يتطور تفكيره ليصل إلى اكتشاف الفضاء..النجوم..الشمس ..الخ..فمثلاٍ يتوصل إلى سر علاقة الكائنات بالشمس “تبين فيها أيضاٍ إن الأجسام التي تقبل الإضاءة أتم القبول هي الأجسام الصقيلة غير الشفافة ويليها في قبول ذلك الأجسام الكثيفة غير الصقيلة فأما الأجسام الشفافة التي لاشيء فيها من الكثافة فلا تقبل الضوء بوجه صـ23”.
الاستنتاج:
يكتسب عند مشارفته على بلوغ الاربعون عاما من عمره معنى الاستنتاج بعد الاستغراق في التفكير والذي استغرق عمره الماضي ..يتوصل الى نتائج مبهرة ..علاقة الجسد بالواجد والموجود ..فنائها ..السعادة ..وفي نهاية عمره يكتشف أن ثمة علاقة تربط بين كل ما يراه بالواجد..
الفلسفة والنظرية:
طرح ابن الطفيل نظرياته المتعددة حول الخلق والكون والله والحياة بكل امتدادتها وتفرعاتها في الرواية ..ما يصنف هذا العمل الأدبي كرواية فلسفية سارت على نهج مذاهب الافلاطونيين الحديث وهو الموضوع الذي شغل فلاسفة الإسلام آنذاك.
الفلسفة والعقل والدين:
صب ابن طفيل في هذه الرواية آراءه القائلة بعدم التعارض بين العقل والشريعة أو بين الفلسفة والدين في قالب سردي..مؤكداٍ بطرائق منطقية بان لا تعارض بين الدين والعلم..العقل والشريعة..قيمة الإنسان وخبرته تكمن في تجربته الذاتية..والتي بواسطتها يصل إلى حقائق الكون..ولو بطرق بدائية..
رواية ..فلسفية عميقة المعاني..حكيمة في كل اسطرها..أنها بحق أفضل عمل سردي عرفته البشرية.!
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا