“غدير وأطفالها”.. جراح نازفة لأمومة غزاوية مثقلة بالنزوح

الثورة نت /..

في إحدى زوايا غزة المنهكة بالحرب والنزوح، تجلس غدير الرضيع فوق بطانية بالية، تحاول أن تُخفي وجعها بابتسامة متعبة تزرعها في وجوه أطفالها الثلاثة. عيناها تشيان بليل طويل من الألم، لكن قلبها لا يزال متعلقًا بخيط أمل رفيع: أن يتوقف القصف الصهيوني، وتفتح المعابر، ويُكتب لها ولاطفالها فرصة للنجاة والعلاج.

لم تكن غدير تختلف كثيرًا عن باقي أمهات غزة. لكن في السادس عشر من مايو 2025 تغيّرت حياتها إلى الأبد. كانت حينها تبحث عن ملاذ أكثر أمانًا لأطفالها بعدما ضاقت بهم خيمة النزوح بردًا وخوفًا. حملت صغارها وانتقلت إلى منزل جيران في بيت لاهيا، علّ الجدران تمنحهم بعض الأمان. لكن فجر اليوم التالي، تحوّل البيت إلى ركام. غارة صهيونية مباغتة سرقت أنفاس النائمين. استشهد خمسة من أصحاب البيت، فيما انتُشلت غدير وأطفالها من تحت الأنقاض مثقلين بالجراح.

غدير فقدت ساقها اليسرى، وزُرع في الأخرى بلاتين لتتمكن بالكاد من الحركة. ابنها الأكبر نجا بعد علاج طويل من جراحه الخطيرة، بينما ما زالت طفلتها وطفلها الصغير يحاولان التأقلم مع الحروق التي شوهت جلديهما الطريين.

من المستشفى الإندونيسي إلى مستشفى الشفاء، عاشت غدير رحلة علاج قاسية تفتقر إلى الدواء والعمليات والمستلزمات الطبية. كل جرح لديها كان ينتظر دوره وسط طوابير من الضحايا. كانت تسمع الأطباء يعتذرون: “تنقصنا الأدوات… نؤجل العملية.” ولم يكن أمامها سوى الصبر، وهي ترى جروحها تنزف وأحلام أطفالها تتضاءل.

تقول بصوت تختنقه الغصة لـ وكالة (سند للأنباء): “المصابون يحتاجون إلى طعام صحي، إلى علاج وأدوية، إلى حياة كريمة… وكل هذا غير موجود. ما نحتاجه بسيط: أن يقف القصف، أن تفتح المعابر، وأن نُعطى فرصة للعلاج مثل أي إنسان في هذا العالم.”

رغم الألم، تحاول غدير أن تبقى صلبة امام أطفالها. تحتضنهم بقوة، تمسح على رؤوسهم، وتهمس لهم أن القادم سيكون أفضل. هي تدرك أن الحرب سلبتهم البيت والجسد والراحة، لكنها ترفض أن تسرق منهم الأمل.

لم يعد في جسدها متسع لجرح جديد، ولا في ذاكرة أطفالها مكان لصورة أخرى من الركام. كل يوم يمرّ عليهم هو معركة بين الحياة والموت، بين انتظار دواء لا يصل وغذاء لا يُوجد، وبين أبواب معابر مغلقة كأنها تُطبق على أنفاسهم. غدير وأطفالها لا يطلبون المستحيل، فقط حقهم في أن يُعالجوا مثل أي بشر، لكن العالم كله يتفرج على نزيفهم البطيء وكأن موتهم مجرد رقم جديد يُضاف إلى قوائم الحرب.

غدير اليوم ليست مجرد جريحة حرب، بل رمز لصمود أم فلسطينية ترفض أن تُهزم. قصتها تحمل جراحًا مثقلة بالنزوح، لكنها أيضًا تحكي عن أمومة معلقة بأمل ضوء يتسلل من خلف المعابر المغلقة.

بدعم أمريكي وأوروبي، يواصل جيش العدو الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، ارتكاب جرائم إبادة جماعية وحصار وتجويع في قطاع غزة أسفرت عن استشهاد 66,005 مدنيين فلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 168,162 آخرين، حتى اليوم، في حصيلة غير نهائية، حيث لا يزال الآلاف من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات لا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم.

قد يعجبك ايضا