خليل المعلمي
على مدى أكثر من ثمانين عاماً والجرائم الإسرائيلية في حق الشعب العربي الفلسطيني تتوالى وعمليات القتل والتهجير والاستيطان والتجويع تزداد في حق الفلسطينيين في كل بقاع الأراضي الفلسطينية حتى وصلت أعلى وتيرتها في خريف العام 2023م، حين اتخذ الكيان الصهيوني قراره بتدمير غزة على لسان رئيس أركان جيشه في ذلك الوقت “هيرتسي هاليفي” حيث قال بعد تلقيه أول اتصال عن هجوم السابع من أكتوبر: “فلتدمر غزة”، ومن حينها وجيش الكيان الإسرائيلي يعمل على تدمير قطاع غزة ويعمل على تحويلها من قطاع حي يعج بالحيوية والنشاط والتعمير إلى منطقة مدمرة غير قابلة للعيش فيها، ومن حينها والقصف والقتل لا يتوقف حتى المرافق الحيوية الطبية والتعليمية والسكنية والمزارع والمصانع والمعامل والأسواق، جميعها أصبحت أهدافاً للقصف المنظم والمستمر لأكثر من 32 شهراً.
لا يكتف الكيان الغاصب بعمليات القصف المستمر خلال الفترة الماضية بل سعى وبكل إمكانياته وبدعم من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، بل سعى إلى استخدام سلاح الحصار ومنع وصول المساعدات من منطقة إلى أخرى، وقام بإغلاق المعابر الحدودية لمنع دخول المساعدات الإنسانية من خارج القطاع ليتحول قطاع غزة إلى قطاع محاصر، ويدخل أهل غزة في عمليات تجويع ممنهجة، وأصبحوا يتساقطون الواحد تلو الآخر في مشاهد إنسانية مؤلمة لم تحدث على مر التاريخ.
إن كل تلك العمليات الإجرامية شاهدها العالم في لحظتها وساعتها عبر وسائل الإعلام المختلفة وتابعها بكل تفاصيلها الأليمة جميع سكان الأرض، حتى وصلت المعاناة إلى أن أعلن مرصد عالمي للجوع مؤخراً أن مدينة غزة والمناطق المحيطة بها تعاني رسيماً من مجاعة من المرجح أن يتسع نطاقها، في تقييم من شأنه أن يزيد الضغط على الكيان الإسرائيلي من أجل السماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر.
وقال “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” وهو مرصد عالمي لمراقبة الجوع أن 514 ألفاً تقريباً أي ما يقارب ربع سكان قطاع غزة يعانون من المجاعة وأن هذا العدد سيرتفع إلى 641 ألفاً بحلول نهاية سبتمبر 2025م.
وفي المقابل فقد رأت عدد من الدول العربية الإقليمية أن هذا التصريح يعتبر وصمة عار في جبين المجتمع الدولي وفي مقدمته الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن ما لم يسارع بالتدخل الفوري لإنهاء المجاعة.
فيما وصمة العار هي التي تلاحق الحكومات العربية وأصبحت لصيقة بها، لعدم قيامها بأي إجراءات عملية لوقف العدوان المستمر على غزة الذي يقترب من إتمام عامه الثاني، وهي قادرة على ذلك من خلال تفعيل عدد من الضغوطات السياسية والاقتصادية على الدول الداعمة لهذا الكيان، وتكتفي ببيانات الإدانة والاستنكار الخجولة التي لا تطعم ولا تسمن من جوع، وتذيل بياناتها بضرورة أن يتحرك المجتمع الدولي لإنهاء العدوان فيما هي ساكنة لا تتحرك دولياً ضد هذا العدوان، ودون أن تتخذ أي خطوات أو إجراءات ضد الدول العظمى التي تقف داعمة للكيان الصهيوني في عملياته المستمرة لتدمير قطاع غزة وتجويع أهلها.
لقد شهد قطاع غزة تدميراً كلياً تقريباً وأصبح غير قابل للحياة وقد تناقلت الكثير من وسائل الإعلام المختلفة مناطق القطاع المختلفة التي كانت مراكز تجارية هامة للقطاع لسنوات عديدة وافردت العديد منها إحصائيات لحجم الدمار الذي لحق بهذه المناطق.
منطقة رفح
تقع رفح أقصى جنوب قطاع غزة على الحدود بين القطاع ومصر جنوباً، وكانت مركزاً تجارياً هو الأهم لقطاع غزة لسنوات خصوصاً مع وجود معبر “رفح” المخصص للأفراد وخصص جزء منه لاحقاً لدخول البضائع، تبلغ مساحتها 63 كيلومتراً مربعاً، ويصل عدد سكانها إلى 300 ألف نسمة، تعرضت هذه المنطقة لقصف متواصل منذ السابع من أكتوبر 2023م، وبعد أن سيطرت القوات الصهيونية على هذه المنطقة تحولت إلى كومة من الركام، بالكاد يستثنى منها منزل هنا أو مبنى هناك متضرر جزئياً أو لحقت به أضرار بالغة أو أنه آيل للسقوط، حيث تقدر نسبة عمليات تدمير المنازل والمباني فيها بنحو 95 % تقريباً.
خان يونس
تقع محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، إلى الشمال من منطقة رفح، إذ تعد مساحتها 109 كيلومترات مربعة فيما يبلغ عدد سكانها ما يقارب 450 ألف نسمة موزعين على ثمانية تجمعات سكنية، وظلت لسنوات بمثابة السلة الغذائية الأساسية لسكان قطاع غزة وهي توفر مختلف أنواع الخضروات والفواكه بعد زراعة مساحات شاسعة في منطقة المواصي غرباً وفي المناطق الشرقية.
وقد نفذ الكيان الصهيوني في هذه المحافظة أربع عمليات برية، خلال الفترة الأخيرة، أدت هذه العمليات إلى تدمير أكثر من 90 % تقريباً.
بيت حانون
تعد مدينة بيت حانون الواقعة ضمن محافظة شمال القطاع بوابة قطاع غزة الشمالية، لا يتجاوز عدد سكانها الـ60 ألف نسمة، يعيشون في مساحة لا تتجاوز 3 آلاف دونم من أصل 12500 دونم، حيث يخصص أكثر من 45% من مساحتها للزراعة، وهي إلى جانب بيت لاهياً تعد من أهم الأجزاء التي تمنح سلة غزة الغذائية وفرة في الخضروات والفاكهة، وكان يتردد عليها قبل الحرب وفود من الأجانب الذين اشرفوا على عملية تطوير حقول زراعية مثل مدينة الفراولة الذهبية.
كانت المدينة من أوائل المناطق التي تعرضت لعمليات قصف جوي ومدفعي منذ لحظة الهجوم وشهدت سلسلة عمليات برية خلال الحرب، وتشير التقديرات إلى أنها دمرت بنسبة تزيد على 98%، ولم تعد صالحة للحياة بشكل كامل.
مخيم جباليا
يعد مخيم جباليا جزءًا من محافظة شمال قطاع غزّة وهو أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين وتقع على عاتق وكالة غوث وتشغل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ويعيش في هذا المخيم ما يقارب الـ 120 ألف لاجئ مسجلاً في مساحة لا تتجاوز 1.4 كيلومتر مربع، لذا يعد من أكثر المناطق اكتظاظاً بالسكان، وشهد أربع عمليات عسكرية برية نفذها جيش الكيان الصهيوني، وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 90% من المخيم دمر بالكامل، بما في ذلك المراكز الصحية والمدارس ومقرات الانروا وجميعها تحولت لمراكز إيواء للنازحين منذ بداية الحرب الحالية.
محافظة غزة
هي أكبر محافظات القطاع، وتبلغ مساحتها 74 كيلومتراً مربعاً وتمتد من الشمال إلى الجنوب، وتقع على بعد 12 كيلومتراً وبمسافة 7.5 كيلومتر من الشرق إلى الغرب وتعادل مساحتها 20% من مساحة القطاع، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 390 ألف نسمة، ويتوزعون على نحو 14 منطقة ما بين أحياء وبلدات ومخيمات، حيث تعد المحافظة مركز القطاع وعاصمته، فهي تضم مدينة غزة التي كانت منذ عهد الانتداب البريطاني وحتى الآن، مركزاً للمؤسسات الحكومية الأساسية من وزارات ومستشفيات وغير ذلك.
وتعرضت المناطق المختلفة لمحافظة غزة إلى تدمير كبير من قبل جيش الكيان الصهيوني وتراوحت نسب الدمار في هذه المناطق ما بين 40-90 % تقريباً.
يتبين من خلال الإحصائيات السابقة الحقد الدفين الذي يكنه الكيان الإسرائيلي الغاصب للأراضي العربية في فلسطين وما أحدثه من الدمار في منطقة صغيرة من العالم يصل تعدادها لأكثر من مليوني نسمة، سقط خلال هذه العمليات مئات الآلاف من المدنيين ما بين شهيد وجريح، وأصبح أغلب سكان قطاع غزة نازحين بدون مأوى ولا مأكل ولا مشرب، وانتشرت المجاعة نتيجة الحصار المفروض على هذا القطاع منذ أكثر من عامين، دون أن يمنع المجتمع الدولي أو حتى أن تتحرك الحكومات العربية أو الإسلامية لمنع حدوث ذلك.