درس ايرلندي للعرب

محمد عبدالمؤمن الشامي

في الوقت الذي يشهد فيه الشعب الفلسطيني أبشع المجازر في غزة، ظهر الرئيس الأيرلندي بموقف صارم وواضح، يطالب فيه بطرد الكيان الصهيوني والدول التي تزوده بالأسلحة من الأمم المتحدة، بوصفها شريكًا مباشرًا في العدوان الوحشي. هذا الموقف يعكس شجاعة سياسية والتزامًا بالقيم الإنسانية، ويضع العالم أمام حقيقة لا تقبل التأويل: هناك من يتحمل المسؤولية، وهناك من يختبئ خلف صمتٍ مخادع وبيانات جوفاء.

إن الصمت العربي أمام المجازر اليومية في غزة يكشف ازدواجية صارخة في المعايير السياسية. بينما تُستنزف الكلمات في بيانات مكررة لا تأثير لها على الأرض، تُسفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ بلا أي محاسبة أو ردع. كل بيان عربي يبدو وكأنه رسالة للاستهلاك الإعلامي فقط، بعيدًا عن الواقع المأساوي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني لحظة بلحظة. الصمت العربي لم يعد مجرد تقصير سياسي، بل أصبح خيانة رمزية للأمة وللشعب الفلسطيني الذي كان ينتظر موقفًا واضحًا وحقيقيًا من أشقائه العرب.

الموقف الأيرلندي يظهر نموذجًا للقيادة الشجاعة التي تضع العدالة الإنسانية فوق أي اعتبارات سياسية أو اقتصادية ضيقة. هذا الموقف يؤكد أن الالتزام بالقيم والمبادئ ليس خيارًا، بل واجب أخلاقي يفرضه التاريخ على القادة. وفي المقابل، يظهر الصمت العربي هشاشة موقف بعض القيادات التي تبدو أكثر انشغالًا بالمصالح الضيقة أو بالديبلوماسية الشكلية، متجاهلة أن التاريخ لن يرحم من يختبئ وراء الكلمات الفارغة بينما تُزهق الأرواح.

الأمر لا يقتصر على مجرد مواقف سياسية، بل له انعكاسات استراتيجية على مستوى العالم. فالعالم اليوم يراقب، ومن يتخذ موقفًا حقيقيًا يضع نفسه في قلب التاريخ، ومن يتجنب اتخاذ أي خطوة يصبح شاهد زور على المجازر التي تحدث أمام أعين الجميع. بينما يرفع الرئيس الأيرلندي صوته بلا خوف، يكتفي بعض الرؤساء العرب بالتصريحات التي لا تتجاوز المكاتب الباردة، دون أي أثر على الواقع، وكأن دماء الأطفال مجرد أرقام في جدول أعمالهم.

المعادلة واضحة: الفعل هو معيار الصدق والشجاعة، والكلمات وحدها لا تكفي. التاريخ سيكتب عن من وقف مع العدالة، وعن من اختبأ وراء صمت قاتل وبيانات جوفاء. الشعب الفلسطيني، الذي يشهد المجازر لحظة بلحظة، يستحق من أشقائه العرب أكثر من مجرد بيانات، بل خطوات عملية وحقيقية تدعم حقه في الحياة والكرامة.

الدرس الأهم من الموقف الأيرلندي هو أن القيادة الحقيقية تتجلى في الشجاعة على اتخاذ القرار الصحيح حتى وإن كان مكلفًا سياسيًا أو اقتصاديًا. بينما بعض الدول العربية تبدو عاجزة عن التحرك، يثبت التاريخ أن الشجاعة لا تُشترى، وأن المواقف الحقيقية تصنع الفرق وتترك بصمة دائمة في وجدان الشعوب والأجيال.

الخلاصة: على القيادات العربية أن تتعلم درسًا واضحًا، أن الكلمات الفارغة لم تعد مقبولة، وأن العالم يتابع كل خطوة. العدالة الإنسانية تتطلب مواقف عملية، والمبادئ لا تُختزل في بيانات جوفاء. على العرب أن يختاروا بين الشجاعة والمسؤولية، أو استمرار الصمت الذي يفضح ضعف الموقف وازدواجية المعايير. أما من يتجرأ على الوقوف مع الحق، كما فعل الرئيس الأيرلندي، فسيترك إرثًا يذكره التاريخ ويحتذي به الجميع.

 

قد يعجبك ايضا