قطر.. بين مطرقة الوساطة التي تفقد فعاليتها وسندان الضغوط الدولية

حسن حمود شرف الدين

 

 

في تطور خطير وغير مسبوق، أقدم العدو الإسرائيلي على تنفيذ عملية استهدفت قيادات من حركة المقاومة الإسلامية «حماس» داخل أراضي الشقيقة دولة «قطر»، ما اعتُبر اختراقا صارخا لسيادة دولة قطر، وأثار تساؤلات حول أهداف العدو الإسرائيلي الحقيقية من هذا التصعيد الخطير، وموقف الدول الخليجية تجاه هذا الاعتداء، واحتمالات تكرار السيناريو في تركيا التي تحتضن أيضا قيادات من قيادات حماس.
رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين قطر وإسرائيل، فإن الدوحة لعبت دورا محوريا في الوساطة بين إسرائيل وحماس، خاصة في ملفات تبادل الأسرى والتهدئة في قطاع غزة بفلسطين المحتلة، هذه العلاقة المعقدة جعلت قطر في موقع حساس، فهي من جهة تستضيف قيادات حماس وتدعم غزة ماليا، ومن جهة أخرى تتعاون مع واشنطن، الحليف الأول للعدو الإسرائيلي، وتستضيف أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة.
هذا التوازن الهش بدأ ينهار بعد تصاعد عمليات العدو الإسرائيلي في غزة، واتهام إسرائيل لقطر بأنها توفر ملاذا آمنا لقيادات حماس، والواقع اليوم يؤكد أن العدو الإسرائيلي قرر تجاوز الأعراف الدبلوماسية والقيام بعملية مباشرة داخل العاصمة القطرية «الدوحة»، في رسالة مزدوجة مفادها إنها لن تتردد في ملاحقة خصومها أينما كانوا، وأنها لم تعد تقبل بالوساطة القطرية التي تراها منحازة.
البيان الرسمي القطري الذي أعقب الاعتداء الإسرائيلي جاء مقتضبا، واكتفى بإدانة ما أسمته بـ«الانتهاك الإسرائيلي للسيادة القطرية»، دون الإشارة إلى طبيعة العملية أو الرد عليها، هذا الضعف في اللهجة يعكس المأزق الذي تعيشه قيادة دولة قطر، فهي لا تريد التصعيد مع إسرائيل خوفا من فقدان دورها كـ«وسيط»، وفي الوقت نفسه لا تستطيع تجاهل الغضب الشعبي والضغط الداخلي الرافض لأي اختراق للسيادة الوطنية.
كما أن قطر تدرك أن أي تصعيد قد يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، التي تمارس ضغوطا متزايدة عليها لقطع علاقاتها مع حماس، خاصة بعد مطالبة أكثر من 100 عضو في الكونغرس الأمريكي بذلك.
من زاوية أخرى ردود الفعل الخليجية جاءت متفاوتة، لكن أبرزها كان من الإمارات، حيث أكد أحد الدبلوماسيين الإماراتيين أن «أمن الخليج لا يتجزأ»، وأن بلاده «تدين الهجوم الإسرائيلي الغادر على قطر». هذا التصريح يعكس تضامنا خليجيا مبدئيا، لكنه لا يرقى إلى مستوى التهديد أو الرد الجماعي، ما يطرح تساؤلات حول مدى استعداد مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ موقف موحد في حال تكررت الاعتداءات.
ماذا عن المملكة العربية السعودية؟ من جهتها، اكتفت السعودية بإدانة عامة للهجمات الإسرائيلية على غزة، دون التطرق مباشرة للاعتداء على قطر، ما يعكس حرصها على عدم التورط في صراعات جانبية قد تؤثر على مصالحها الإقليمية، خاصة في ظل تقاربها الأخير مع أمريكا وإسرائيل.
التحذيرات الإسرائيلية باستهداف قيادات حماس «في أي مكان في العالم» أثارت قلقا بالغا في تركيا، التي تستضيف عددا من مسؤولي الحركة، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رد بقوة، محذرا إسرائيل من أن «أي محاولة لاستهداف قادة حماس على الأراضي التركية ستدفع ثمنها باهظا».
لكن التهديدات لا تأتي فقط من إسرائيل، بل من واشنطن أيضا، التي حذرت سابقا تركيا من استضافة قادة حماس، هذا الضغط المزدوج يضع القيادة التركية أمام خيار صعب، إما التخلي عن علاقتها مع حماس، أو مواجهة تداعيات أمنية ودبلوماسية قد تهدد استقرارها الداخلي وعلاقاتها الدولية.
ما يريده العدو الإسرائيلي من استهداف قيادات حماس في قطر هو أكثر من مجرد اغتيال أفراد، إنها رسالة استراتيجية مفادها أن لا مكان آمن لخصومها، وأنها مستعدة لاختراق السيادة الوطنية للدول إذا رأت في ذلك مصلحة أمنية.. أما قطر، فهي تجد نفسها بين مطرقة الوساطة التي تفقد فعاليتها، وسندان الضغوط الدولية، في وقت تبدو فيه دول الخليج متضامنة شكليا، لكنها غير مستعدة للمواجهة، وإذا قرر العدو الإسرائيلي نقل المعركة إلى تركيا، فإن المنطقة ستدخل مرحلة جديدة من التصعيد، قد تكون أكثر خطورة من كل ما سبق.

قد يعجبك ايضا