الأمن بوتقة ينصهر فيها جميع التفاعلات السياسية

■ لقاء/ وائل شرحة –

■ الداخلية تعاني من الفساد كغيرها من مؤسسات الدولة

■ الأسماء الوهمية قضية متجذرة.. ولم يظهر منها سوى رأس جبل الجليد.

■ تحرر الداخلية والدفاع من المحاصصة يبشر بوضع جديد.

أكد أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بأكاديمية الشرطة الدكتور محمد علي الحرازي أن تحرر وزارتي الدفاع والداخلية من المحاصصات السياسية والحزبية يبشر بوضع مختلف عما سبق.. مشيراٍ إلى أن الأجهزة الأمنية تحملت أعباء ثقيلة خلال السنوات القليلة الماضية وذلك بالنظر إلى الأحداث السياسية التي مرت بها الدولة وانعكس ذلك في الانفلات الأمني الذي تفشى في معظم محافظات الجمهورية.
وقال الدكتور محمد الحرازي أن لدى وزارة الداخلية (150) ألف ضابط وفرد وهو عدد كاف, , لتحقيق الأمن والاستقرار بكافة أجزاء الوطن حد قوله.. لافتاٍ إلى أن هناك صعوبات داخلية وخارجية تواجه وزيري الداخلية والدفاع حديثي التعيين.. منوهاٍ بأن لديهم الإمكانيات الكافية لاجتياز تلك الصعوبات والمعوقات المتراكمة منذ أعوام ماضية.. المزيد في تفاصيل اللقاء:
* ما هي أسباب تدهور الجهاز الأمني حتى وصل إلى ما وصل إليه ¿
ـ الأمن هو البوتقة التي تنصهر فيها جميع التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية …إلخ وبالتالي فإن أي تطورات إيجابية أو سلبية تطرأ على هذه الجوانب منفردة أو مجتمعة تلقي بظلالها على الحالة الأمنية في أي دولة كانت.
ومن هنا يمكن القول بأن وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية تحملت أعباء ثقيلة خلال السنوات القليلة الماضية وذلك بالنظر إلى الأحداث السياسية التي مرت بها الدولة وانعكس ذلك في الانفلات الأمني الذي تفشى في معظم محافظات الجمهورية والذي دفع المواطنون ثمنه غالياٍ من سكينتهم وشعورهم بالأمن والطمأنينة.
* ما هي الحلول الناجحة حاليا لإعادة بناء وزارة الداخلية وإصلاحها حتى يكون لدينا جهاز أمني قوي ووطني الولاء..¿!
ـ للعلم أنه مضى على تأسيس جهاز الشرطة في اليمن ما يزيد على ستة عقود من الزمن وهي فترة لا شك أنها تعكس حجم الخبرة التراكمية التي يمتلكها هذا الجهاز الوطني الهام.
كما تتوافر لهذا الجهاز عوامل نجاح لم تتأت للكثير من مؤسسات الدولة وذلك بالنظر إلى ما يمتلكه من موارد رئيسة تضمن النجاح لأي إدارة أو مؤسسة تتمثل في الموارد التالية:
أولاٍ- الموارد البشرية:
وهي أهم هذه الموارد وتعني الملاك أو الكادر الإداري البشري الذي تمتلكه أي إدارة من حيث كفاءته لتنفيذ مهام ووظائف الإدارة وكفاءته وحسن تأهيله وحقوقه وتحفيزه مع خصوصية للإدارة في الجيش والشرطة ترتبط بالعمل على الحفاظ على الروح المعنوية لمنتسبيها ووقايتهم من أي اختراقات أو تأثيرات تلقي بظلالها على العقيدة التي يْستند عليها في تنفيذ مهام وظيفتهم وتْعد أهمها هنا حب الوطن وأن تكون المصلحة العامة فوق أي مصلحة أو انتماء أياٍ كان.
وبالنظر إلى حجم المورد البشري الذي يمتلكه جهاز الشرطة في اليمن فسنجد أنه يمتلك قواماٍ يزيد على مائة وخمسين ألف فرد وضابط وهو عدد كاف لقيام هذا الجهاز بمهامه في كافة محافظات ومديريات ومراكز الجمهورية.
أما فيما يتعلق بالكفاءة والتأهيلº فجهاز الشرطة في بلادنا يمتلك أقدم مؤسسة تعليمية وتدريبية عليا في الدولة تتمثل في كلية الشرطة التي تم تأسيسها في العام 1954م ولدى وزارة الداخلية حالياٍ ما يزيد على مائة ضابط يحملون درجة الدكتوراه وكذلك ما يزيد على ستمائة ضابط يحملون درجة الماجستير في الكثير من التخصصات.
يحظى منتسبو الشرطة حالياٍ بالكثير من الحقوق التي لم يتمتع بها من سبقوهم في الماضي.
ثانياٍ- الموارد المادية:
يمتلك جهاز الشرطة في الوقت الراهن إمكانيات مالية لا بأس بها تكاد تكفي لتنفيذ الواجبات والمهام الأمنية بكل جدارة وتتمثل في الآليات والأسلحة والمباني والأجهزة…إلخ وهذه الموارد حقيقة كان الكثير من قادة أجهزة الشرطة حتى قبل عقدين من الزمن يحلمون بمجرد الحصول على بعضها للارتقاء بمهام الأجهزة التي يتولونها.
ثالثاٍ- الموارد المالية:
يْرصد لجهاز الشرطة سنوياٍ في الميزانية العامة للدولة ميزانية سنوية تقدر بعشرات المليارات من الريالات التي تْقتطع من دخل الدولة ومن الحاجات الرئيسة للمواطنين ويتم زيادة هذه الميزانية كل عام تقريباٍ وهذه الميزانية تْعد قياسية مقارنة بما سبق رصده في الماضي.
إن جميع أسباب نجاح وزارة الداخلية بمهامها والارتقاء بها إلى الأفضل متوفرة وتكاد تفوق عوامل نجاح الكثير من مؤسسات وأجهزة الدولة لكن ما هو سبب أن هذا النجاح الذي نأمله لم يتحقق بالصورة المطلوبة.
الإجابة بصراحة أن وزارة الداخلية شأنها شأن الكثير من مؤسسات الدولة تعاني منذ عقود من الزمن من ممارسات الفساد الإداري بأنماطه المختلفة الذي شئنا أم أبينا هو من أهم عوامل الانتكاسات التي تعاني منها المنظومة الإدارية العامة للدولة يندرج ضمن ذلك الممارسات الحزبية والمناطقية التي جعلت من الكثير من المؤسسات الأمنية هدفاٍ لها منذ عقود من الزمن وهذا بصراحة أثر في العقيدة الأمنية لدى الكثير من منتسبي جهاز الشرطة الذين كانت مصالح الأشخاص والأحزاب والجماعات التي عملت على توظيفهم ودفعت بهم إلى المراكز القيادية مقدمة على مصلحة الوطن وحمايته وصيانة القانون ورعايته وهذا ما شهدنا نتائجه جميعاٍ في الممارسات والأحداث التي وقعت خلال السنوات القليلة الماضية.
* ما هي الآثار المترتبة على ممارسة أفراد المؤسستين الأمنية والعسكرية السياسة والانتماء الحزبي على ولائهم وواجبات وظيفتهم ¿
ـ كانت القوات المسلحة والأمن خاصة بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م محل تنافس حزبي بين أطراف سياسية متعددة وظهرت نتائج ذلك واضحة في حرب 1994م وكذلك خلال ثورة الشباب السلمية 2011م عندما بادر كل طرف إلى الاستعانة بمنتسبيه في القوات المسلحة والأمن في تحقيق مصالح في تلك الأحداث وهو أمر أظهر حجم وتفشي الحزبية والشللية والقبلية والمناطقية في هاتين المؤسستين الوطنيتين اللتين تمثلان صمام أمان للوطن.
كل ذلك يحمل في دلالاته حجم الآثار المترتبة على ممارسة منتسبي القوات المسلحة والأمن للسياسة والانتماء الحزبي في علاقة نفعية متبادلة تقوم الأحزاب ومراكز النفوذ فيها بدور يتمثل في توظيف البعض في هاتين المؤسستين أو الكليات والمعاهد العسكرية والأمنية في مقابل أن تضمن ولاءهم لها والترويج لها في مؤسساتهم وزيادة استقطاب المزيد من منتسبي هاتين المؤسستين للانتماء إليها والاستفادة منهم وقت الحاجة في أي مواجهات أو أخطار قد تتعرض لها أو حتى في أي عمليات انتخابية قد تجري.
وبعبارة مختصرة, مصلحة تلك الأحزاب ومراكز النفوذ لدى هؤلاء مقدمة على المصلحة العامة بل إن ولاء هؤلاء يتحول من الولاء للوطن إلى الولاء لتلك الأحزاب والجماعات… وهنا مكمن الخطورة التي لا يمكن تخيل نتائجها إذا تفشت هذه الظاهرة ولم تطبق المعالجات الكفيلة بالحد منها والقضاء عليها.
* برأيك هل المردود المالي الذي يحصل عليه رجال الأمن والقوات المسلحة كاف… وهل ذلك أحد أسباب ضعف ولائهم وعدم القيام بواجبات وظيفتهم بالشكل المطلوب ¿
منتسبو القوات المسلحة والأمن كغيرهم من موظفي الدولة يعانون من عدم كفاية مرتباتهم لمواجهة متطلبات الحياة الضرورية خاصة مع ارتفاع متطلبات المعيشة وأقولها صراحة أن ما يتم اعتماده لموظفي الدولة كمرتبات شهرية في الأساس لا يغطي متطلبات أسبوع واحد ويمكن تسميتها مرتبات أسبوعية لكنها تصرف بصورة شهرية.
إلا أن العمل في القوات المسلحة والأمن يجب أن يتميز في الحقوق المالية والعينية بمزايا تختلف عن بقية وظائف الدولة وذلك بالنظر إلى ما يجب أن يقوم به منتسبوها من جهود في القيام بمهام وظيفتهم وما يتعرضون له من مخاطر متعددة لا يتعرض لها بالطبع الذين يعملون في المؤسسات المدنية.
* كيف يمكن الحد من ممارسات الفساد المالي والإداري في هاتين المؤسستين خاصة قضية الأسماء الوهمية¿
يمكن ذلك بتوافر النية الصادقة والإرادة الكافية واتخاذ إجراءات حازمة تجاه كل من يثبت خوضه في ممارسات الفساد بأنماطه المختلفة وأجزم أن مجرد تطبيق القانون في هذا الجانب يمكن أن يؤدي الغرض المطلوب.
أما قضية الأسماء الوهمية فأقولها صراحة بأنه واهم من يعتقد بأنه يمكن معالجتها بسهولة وبمجرد تطبيق بعض الإجراءات الإدارية أو المالية فهذه القضية متجذرة منذ أمد بعيد ولم يظهر منها سوى رأس جبل الجليد إلا أنه يمكن وضع استراتيجية تعتمد على آليات محددة تتضمن إجراءات متدرجة وصولاٍ إلى القضاء على مسبباتها بصورة تكفل عدم تفشيها مستقبلاٍ.
والإجراءات التي تتم في هذا الجانب تبشر بأنه يتم محاصرة هذه القضية خاصة مع تعميم عملية استخدام نظام البصمة والصورة على منتسبي القوات المسلحة والأمن وكذا تحويل عملية استلام المرتبات من أمناء الصناديق إلى البريد والبنوك.
* ما هي الصعوبات التي سيواجهها وزيرا الدفاع والداخلية الجديدان وما هي الإجراءات التي ترى أنه يجب عليهما القيام بها في الوقت الراهن لإعادة لم شمل منتسبي الوزارتين¿
هناك الكثير من الصعوبات التي سيواجهنها سواءٍ كانت صعوبات داخلية تتعلق بالقطاعات والمؤسسات التابعة لوزارتيهما ناتجة عن آثار الفترة الماضية وما ترتب عليها من انشقاقات وتعدد مصادر التوجيه والقرار وانخفاض الجاهزية وكذا تدني الروح المعنوية.
وكذلك صعوبات خارجية تتعلق بالمهام والواجبات المناطة بهاتين الوزارتين وهي صعوبات ترتبط بالحالة السياسية والأمنية التي تعاني منها الدولة في مجملها.
اللواء الصبيحي واللواء الرويشان بما يحظيان به من رصيد من السمعة الجيدة والخبرة العملية والكفاءة والنزاهة التي أثبتاها في الأعمال التي تولاها سابقاٍ والأهم هو أن تعيينهما لم يكن على أساس حزبي كل ذلك يبشر بأن وزارتي الدفاع والداخلية ستشهدان وضعاٍ جديداٍ يختلف عما مضى.
* هل الفرصة متاحه حاليا لتعزيز دور الأمن والحد من الانفلات الأمني وأن تقوم وزارة الداخلية بدورها المطلوب…وما رسالتك للقيادة السياسية في هذا الجانب¿
صراحة ودون أي تزلف يْعد المشير عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية هبة من المولى تعالى للشعب اليمني في هذه المرحلة الصعبة فقد كان محل إجماع الجميع في الوقت الذي كان فيه الجميع يبحث عن تحقيق أكبر قدر من مصالحهم حتى على حساب مصالح الوطن العليا وكانت التوازنات التي سعى فخامته لتحقيقها والمحافظة عليها دقيقة وصعبة للغاية يكفي أنه جنب استخدام مؤسسات الدولة لتحقيق مصالح حزبية ضيقة وسيشهد له التاريخ أنه في عهده ضعفاٍ وتقلصاٍ دور مراكز القوى إلى أدنى حد له منذ ثورة 26 سبتمبر 1962م وأتوقع أنه في مقابل ذلك سيتم تقوية مؤسسات الدولة وسيتأتى لها القيام بمهامها وواجباتها بصورة لم تتأت لها منذ عقود.
وأعتقد بأن ما تعرض له الوطن خلال الشهور القليلة الماضية يوجه رسائل هامة لمن جعل مؤسسات الدولة هدفاٍ للأطماع الحزبية والمناطقية مضمونها أن الدولة المدنية الحديثة وسيادة القانون هي المظلة التي يجب أن نستظل بها جميعاٍ وأن أي ممارسات تتعارض مع ذلك يمكن أن تنعكس نتائجها سلباٍ على من أقدم عليها.
ومن هنا فإني أوجه دعوة صريحة لجميع القوى السياسية بأن تترك المؤسسة العسكرية والأمنية بعيداٍ عن تنافساتها وصراعاتها السياسية فهاتان المؤسستان هما اللتان تمثلان درعاٍ يحمي الجميع وهما أداة تنفيذ القانون الذي يجب أن نحتكم إليه في حل نزاعاتنا وخلافاتنا.
كما أتمنى من القيادة السياسية وجميع القوى السياسية أن تبادر إلى تنفيذ مخرجات الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة الوطنية فالالتفاف عليها سيحمل في طياته مخاطر قد تطال بآثارها الجميع دون استثناء.
وفي الختام أرجو أن يْراعى النص في الدستور الاتحادي الذي يجري صياغته حالياٍ على أن تكون الوزارات السيادية في الدولة بعيداٍ عن أي محاصصات حزبية أو مناطقية كانت.

قد يعجبك ايضا