صنعاء تكسر الحصار.. ورقة نقدية جديدة تُربك مخابرات الغرب وتؤكد السيادة الاقتصادية

عبدالحافظ معجب

 

 

في خطوة جديدة تعكس صمود المؤسسات الاقتصادية في صنعاء رغم العدوان والحصار الخانق منذ قرابة عقد من الزمن، أعلن البنك المركزي اليمني عن إصدار النسخة الثانية من الورقة النقدية فئة مائتي ريال، وذلك بالتزامن مع إصداره الأخير للعملة المعدنية فئة خمسين ريالاً. هذه الخطوة التي تبدو في ظاهرها شأناً مالياً داخلياً، تحمل في جوهرها رسائل سياسية واقتصادية واستراتيجية عميقة، وتؤكد نجاح السياسات النقدية لصنعاء في إدارة المنظومة المالية وسط حرب اقتصادية مركّبة ومعقدة.
إن تجديد العملة الوطنية خطوة جوهرية في معالجة النظام النقدي وترميم ما أفسدته سنوات العدوان، إذ يسهم الإصدار الجديد في الحد من تداول الأوراق التالفة، ويعزز الثقة بالعملة الوطنية، ويؤمّن السيولة النقدية لتلبية احتياجات المواطنين اليومية دون إضافة كتلة نقدية تضخمية قد تؤثر على استقرار سعر الصرف.
لكنّ الأهم من ذلك هو البُعد الخفي الذي حيّر دوائر المخابرات الغربية وأجهزة الرقابة المالية التي تتابع كل شاردة وواردة تخص الاقتصاد اليمني. فكيف تمكّن البنك المركزي في صنعاء، في ظل حصار بحري وجوي واستخباراتي محكم، من تصميم وطباعة أوراق نقدية بمواصفات أمنية عالية، وفق أحدث المعايير العالمية؟ وأين تم ذلك؟ وكيف أفلتت هذه العملية من عيون واشنطن وحلفائها الإقليميين وأدواتها المحلية؟.
إن هذه الأسئلة ليست مجرد تفاصيل فنية، بل هي شهادة حيّة على عمق التحدي الذي تواجهه القوى الكبرى أمام يمن جديد يعيد تشكيل صورته كدولة عصية على الإملاءات الخارجية. فلم يعد اليمن ذلك البلد المنهك الذي كان يُفرض عليه شكل عملته وقيمتها من عواصم القرار الأجنبي، بل صار رقماً صعباً في معادلات الإقليم، لاعباً لا يمكن تجاهله ولا استضعافه، بفضل إرادة مؤسساته ومتانة وعي شعبه.
وإذا كان أعداء وخصوم اليمن قد عجزوا عن اكتشاف خيوط هذه العملية – متى وأين وكيف تمت – فإن ذلك يكشف مدى الفشل الاستخباراتي أمام إرادة وإبداع مؤسسات محاصرة تدير عمليات معقدة بعيداً عن الرادارات الغربية. كما يعكس ذلك قدرة صنعاء على امتلاك أدوات حماية سيادتها النقدية رغم الحصار المالي، وهو ما يصعّب أي رهان خارجي على إنهاك الاقتصاد الوطني أو إخضاعه بالإملاءات.
إن ما يحدث اليوم ليس مجرد ورقة نقدية جديدة في السوق، بل هو إعلان رمزي متجدّد بأن اليمن من صنعاء يدير اقتصاده بقراره الوطني الحر، ويواصل بناء أدوات صموده رغم التحديات. ولعل تأجيل طرح الإصدار – رغم جاهزيته منذ فترة، حتى تتضح فرص السلام – يؤكد أن سياسة البنك المركزي لا تنفصل عن قراءة المشهد السياسي والإقليمي، ولا عن مراعاة احتياجات المواطنين ومصالحهم أولاً وأخيراً.
وفي المحصلة، فإن قدرة صنعاء المحاصرة على إنجاز خطوات نقدية بهذه الدقة والحساسية تُعد درساً مهماً في علم إدارة الأزمات والسيادة الاقتصادية، ودليلاً جديداً على أن القوة الحقيقية تكمن في الإرادة والإبداع والكفاءة. وبينما يبقى خصوم اليمن منشغلين بالبحث عن إجابات لا يمتلكون مفاتيحها، يمضي اليمن بخطوات ثابتة نحو تعزيز استقلاله النقدي والاقتصادي والسياسي، على حدّ سواء .

قد يعجبك ايضا