المال يحكم العالم

طه العامري

 

 

مرحلة حضارية جديدة يلج إليها العالم بكل شعوبه، هي مرحلة المال، الحاكم والمسيطر، الذي يحدد مكانة الشعوب والأمم وقدراتها ومواقفها، ومواقعها على خارطة العالم..
خلال العقدين الماضيين لعبت شركات التواصل الاجتماعي دوراً في تغيير أنماط وسلوكيات وثقافات شعوب العالم وعلاقاتها، ورغم التحولات الحضارية والثقافية والأخلاقية التي شكّلت قناعات شعوب العالم جراء تعاطي هذه الشعوب مع منتجات هذه الشركات، التي سيطرت بقوة تأثيرها على عقلية المتلقي وثقافته وأنماطه السلوكية، وصولاً إلى التأثير في علاقته الأسرية والاجتماعية، وأيضا علاقته مع وطنه والشعب الذي ينتمي إليه، لدرجة تعجز عن الإتيان بمثلها أعظم الثورات الثقافية والاجتماعية التي عرفتها شعوب العالم عبر تاريخها الموغل في القدم..
عالم اليوم يقف أمام مرحلة حضارية وتاريخية وثقافية واجتماعية، مرحلة تختلف في كل أنماطها عن المراحل السابقة التي عاشها العالم وأطرت قيم وسلوكيات الشعوب والأمم قبل بزوغ فجر ثورة التقنيات المعلوماتية التي تهيمن على حياة الشعوب، وأحدثت ثورة في الوعي الإنساني وحطمت جدران الانعزال والخصوصيات الوطنية والدينية والحضارية..
خطوة جريئة أقدم عليها – الملياردير الأمريكي – سيد الفضاء وامبراطور الأرض، المتصلة بإعلانه تأسيس حزب سياسي في أمريكا، التي فيها العديد من الأحزاب السياسية، لكن يحتكر قرارها وهويتها حزبان أساسيان هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي المسيطران على أمريكا ويتبادلان حكمها منذ عقود وغير مسموح لأي حزب آخر أن يصل إلى البيت الأبيض غيرهما..
معادلة أصبحت عرضة للتحول مع إيلون ماسك القادر فعلاً على تغيير النمط السياسي الأمريكي، والقادر على تهميش الحزبين المحتكرين للسلطة الأمريكية، وإعلانه تأسيس حزب جديد بزعامته، خطوة باتجاه إحداث ما يمكن اعتباره انقلاباً سياسياً في المجتمع الأمريكي الذي يعاني من هيمنة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، اللذين تمكنا على مدى عقود من تهميش أحزاب وفعاليات سياسية صغيرة، وهذه الأحزاب ستجد فرصتها في تأطير نفسها تحت راية حزب ماسك الذي سيلتحق بحزبه أيضا الكثيرون من أعضاء الحزبين الرئيسيين، الذين يتطلعون للتغيير، وفي مقدور ماسك إحداث تغيير في الوعي السياسي الأمريكي وتحطيم حاجز الاحتكار الذي شيّده الحزبان الديمقراطي والجمهوري لعقود طويلة، وإن كان ترامب الذي لم تكن له علاقة بالحزبين ولا ينتمي لترويكات الدولة العميقة، قد استطاع شراء جمهور الحزب الجمهوري، الذين أوصلوه إلى البيت الأبيض، فإن “إيلون ماسك” ومن خلال حزب يتبعه وهو مؤسسه وقائده، من السهولة أن يصل للبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة عام 2028م، ويبدو أن إعلان “ماسك” تأسيس ” حزب أمريكا” بزعامته، هو خطوة أولية في مواجهة ترامب الذي لم يتردد في وصف خطوة “ماسك” بـ “السخيفة”، في محاولة منه للتقليل من أهمية الخطوة التي من المتوقع أن تسقط صولجانه وتحطم الاحتكار السياسي للحزبين الجمهوري والديمقراطي ..
خطوة ماسك ستفتح آفاقاً لرموز المال والثروة في العديد من البلدان للاقتداء به، خاصة أولئك الأثرياء العصاميين الحالمين بأنظمة حكم مستقرة في أوطانهم، أنظمة خالية من الفساد والهيمنة والتسلط، الذين قد يجدون أنفسهم يشكلون أحزابهم الخاصة ويخوضون بها المعتركات السياسة بهدف الإصلاح ووضع أسس لأنظمة وقوانين تحقق العدالة والتنمية داخل أوطانهم، بدلاً من بقاء هذه الأوطان رهينة لقوى الهيمنة والفساد ولوبيات المصالح، التي لم تسلم من فسادها الأوطان والشعوب، ولا الرأسمالية الوطنية ورموزها، التي أنهكتها الأنظمة الفاسدة والأحزاب الفاسدة، التي أصبح كل همها أن تحظى من الحاكم بحصة من الغنائم التي تسكت بها الأنظمة الحاكمة الوجه الآخر لها المعارضة..
إن خطوة إيلون ماسك تعتبر ثورة وانقلاباً سياسياً لن يقف في نطاق الجغرافية الأمريكية، بل سيطال الكثير من دول العالم، التي سنرى فيها نسخاً من ماسك متعدد الهوية والجغرافية والأوطان وفي أكثر من قارة.
إن المال هو الحاكم الفعلي للعالم اليوم، وطالما هو كذلك، فإنه من الطبيعي أن يصبح أصحابه هم أصحاب القرار وصنَّاعه، وهم أولى بكرسي الحكم، على الأقل سيطهرون السلطة من الفاسدين، وسيحرصون على تحقيق استقرار وتنمية وطنية عجز عن الإتيان بها الآخرون، الذين يخوضون صراعاً دامياً فيما بينهم على السلطة والثروة والنفوذ، موظفين في صراعهم كل العاهات الاجتماعية، فيما لن يكون الحال كذلك إن أصبحت السلطة بيد رموز الرأسمالية الذين أعطوا أوطانهم من مقومات التنمية أكثر ربما مما أنجزته الأنظمة الحاكمة، التي وإن أنجزت، فكل إنجازاتها إما تحققت بالديون أو المساعدات والهبات من دول أخرى.
أجزم أن ” إيلون ماسك” في طريقه لإحداث انقلاب سياسي حقيقي في الوعي الجمعي الأمريكي، الذي قطعاً سيمتد تأثيره إلى كل خارطة العالم.. وفي النهاية لماذا لا تجرب الشعوب والدول حكم رموز الرأسمالية، بعد أن فشلت كل التيارات في مهامها وخاصة داخل أقطارنا العربية المنكوبة بنخب سياسية ملوثة وفاشلة، وأثبتت أنها عصية على الإصلاح وعاجزة عن تقديم أفضل مما هي عليه؟

قد يعجبك ايضا