إيران والكيان الصهيوني.. نصر يُقاس بالنتائج لا بالضجيج

د. نجيب علي مناع

 

 

بحسب منطق الحروب وموازين الصراع العسكري، لا يُقاس النصر بعدد الطائرات والصواريخ والقنابل ولا بمظاهر الدمار، بل يُحسب على ضوء الأهداف المعلنة ونتائج المواجهة على أرض الواقع. من هذا المنطلق، فإن ما جرى مؤخرًا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والكيان الصهيوني، ومن خلفه حلفاؤه، يكشف لنا أن المشهد لم يكن كما أرادته تل أبيب وواشنطن.
لقد صرّح العدو أن هدف عدوانه كان القضاء على القدرات النووية الإيرانية وتدمير ترسانتها الصاروخية، في ضربة استباقية مدروسة. ورغم التحضير الطويل، وتوفر كل عوامل القوة من دعم أمريكي غير مسبوق، واختراقات أمنية داخلية، واستخدام مكثف للطائرات المسيَّرة والعملاء، فإن الحصيلة النهائية تُظهر عكس ما أُريد.
فخلال 12 يومًا من تبادل الضربات المركّزة، شملت المواجهات مواقع حساسة واستراتيجية لدى الطرفين. لكن إيران خرجت من هذه المعركة وهي ما تزال تمتلك مخزونًا هائلًا من الصواريخ بمختلف أنواعها، ولم تُفقد قدرتها الرادعة. كما أن المفاعلات النووية لم تُدمَّر بالكامل، وما زالت تحتفظ – بحسب تقديرات خبراء – بـما يقارب 400 كيلوجرام من اليورانيوم المُخصّب، بل باتت تمتلك المعرفة والخبرة التكنولوجية اللازمة لإعادة بناء قدراتها النووية في أي وقت، متى ما أرادت ذلك. والأهم من ذلك كله بقاء النظام الحاكم، بخلفياته الأيديولوجية الرافضة للمشروع الصهيو أمريكية، هذا إلى جانب وحدة الجبهة الداخلية. فقد اصطف الشعب الإيراني، بكل شرائحه ومكوناته، خلف قيادته السياسية والعسكرية، في مشهد عزز من تماسك الداخل الإيراني، وأكد أن الاستقلال والسيادة الوطنية ليسا محل مساومة.
في المقابل، لم يحقق الكيان أهدافه رغم الضربات الأولى، ووجد نفسه أمام رد قوي ومنظَّم أربك حساباته. كما أن حلفاءه لم يستطيعوا حسم المعركة بالوكالة، ما دفعهم للارتباك الدبلوماسي والتراجع عن التصعيد المباشر.
ختاما: إن الكيان الصهيوني لم يُحقق أيا من أهدافه العسكرية أو الاستراتيجية المعلنة. لم تُدمّر المفاعلات النووية، ولم تُشلّ الترسانة الصاروخية، ولم تسقط إيران من الداخل، بل ازدادت تماسكًا وتحديًا.
في المقابل، رسّخت إيران مكانتها كقوة إقليمية قادرة على الردع والرد، وكسرت الهيبة التي حاول الكيان ترسيخها عبر الضربات المفاجئة والاستباقية.
وبذلك، فإن النصر في هذه المعركة – حسب معايير الحروب – يُحتسب لإيران، لأنها أفشلت أهداف العدوان، وخرجت أقوى وأكثر صلابة من ذي قبل، بالإضافة إلى معرفة نقاط ضعفها وكشف عملاء الداخل، في حين بات الكيان يواجه واقعًا أمنيًا جديدًا محفوفًا بالقلق، وسط بيئة لم تعد تقبل به كقوة طاغية دون ردّ أو عقاب.

قد يعجبك ايضا