
–
نصح الزبيري والنعمان بالتوجه إلى الشعب بدلاٍ من إضاعة فكرهما وأدبهما في تقديس الحكام ووعد بدعمهما مالياٍ
جـازم الحـروي.. التاجـر الثائر
كما مدحه الأستاذ (محمد عبدالله الفسيل) بقصيدة قال فيها:
رحمة أنت في الورى¿
أم مكارمú¿
أم ملاكْ الحنان..
سموه »جازم«¿
أم شعاعَ..
من الفراديس..
طِل على الدنيا..
بثغرُ من الأماني البواسمú¿
أنت أْنس القلوب..
كالأمل الحْلو
وضوء العيون..
كالفجر باسمú..
أنت كِفْ للخير..
لو لامست للشر قلبٍا..
لصار قلب المراحمú..
ولقد صاغك الإله
من الرحمة
والخير
والنِدى
والمكارمú
ولد جازم الحروي عام 1922م في مديرية حيفان محافظة تعز تلقى علومه الأولية على يد عدد من علماء قريته منهم القاضي عبدالله عبدالإله الأغبري وأخوه عبدالقادر عبدالإله الأغبري ثم فتح متجرٍا صغيرٍا بالاشتراك مع أخيه محمد بن محمد الحروي ونشط في تجارة الجلود إلى أثيوبيا.. عاش في مدينة تعز وكان له فيها منزل فخم هْدمِ أمام عينيه عندما كشفت علاقته بالأحرار ودوره في تهريب النعمان والزبيري إلى عدن عام 44م.
عام 1943م التقى جازم الحروي ـ وكان تاجراٍ ثرياٍ ـ بالنعمان والزبيري وقال لهما: «إلى متى تظلان تضيعان أفكاركما وأدبكما في تمجيد الإمام اخرجا إلى الشعب وأنا سوف أدعمكما.
المبادرة الوطنية الجريئة التي قرأتها في أكثر من مصدر بدت لي غير منطقية وكنت أشكك في مصداقيتها إذ من غير المعقول أن يأتي تاجر ليكون مرشداٍ ودليلاٍ وطنياٍ يسير خلفه النعمان والزبيري « الأستاذ وأبو الأحرار « ولم أصدق هذه الواقعة إلا بعد أن وجدتها في مذكرات النعمان نفسه.
لم يكن النعمان والزبيري غائبين عن هموم الحروي وتطلعاته الوطنية ولكنهما وغيرهما من الأحرار كانوا في انتظار تلك الفرصة كما لم يكن الحروي أقل وطنية أو وعياٍ ووفاءٍ لقضيته الوطنية من الزبيري والنعمان وقد تجلى ذلك من خلال مواقف الحروي في مساندة الثورة والتي سخر لها كل إمكاناته فكان مثلا للتضحية والبذل والعطاء.. ويعتبر النعمان في مذكراته أن الحروي كان الداعم المالي الأكبر للأحرار من ميسوري الدخل ويضيف النعمان: بل قد يكون الداعم الأوحد من الداخل. لأن الاعتماد الرئيسي كان على المهاجرين.
الحروي ومشروع المطبعة
تبنى جازم الحروي حملة التبرعات لمشروع « مطبعة النهضة اليمانية « إلى جانب التاجر أحمد عبده ناشر العريقي ثم توجه إلى جيبوتي وظل فيها شهراٍ في انتظار وصول المطبعة من القاهرة وما أن وصلت حتى تولى بنفسه شحنها إلى عدن وقام بتركيبها المناضل سعيد الدمشقي الذي استدعي من صنعاء لهذا الغرض.. ومن خلال المطبعة تمكن الأحرار من إصدار صوت اليمن وطباعة المنشورات. وظل يتردد بتجارته بين مدينة عدن ومدينة تعز ودول شرق أفريقيا.
لما أظهر الزبيري والنعمان موقفهما تجاه ظلم الإمامة وأراد الإمام أن يمكر بهما عمل الحروي على إخفائهما وتهريبهما إلى مدينة عدن فعلم الإمام يحيى حميد الدين بذلك وسجنه في سجن مدينة حجة سنة 1364هـ/1944م مع القاضي إسماعيل الأكوع والقاضي عبدالسلام صبرة وإبراهيم الحضراني وعبده الدحان.. وآخرين وهم مقيدون في سلسلة واحدة مشياٍ على الأقدام من تعز حتى صنعاء وقد تكفل جازم الحروي بجميع مصاريف هذه الرحلة الشاقة وأخذ من الثوار المسلسلين معه سنداٍ بذلك « تمويهٍا منه بعدم معرفتهم « وقد سجل الشهيد الزبيري هذه الحادثة في قصيدة شعرية وجهها إلى جازم.
- تعرض عام 1947م لمحاولة اغتيال لكنه نجا منها وبعد فشل الثورة الدستورية التي انتهت بقتل الإمام يحيى حميد الدين وتولي ابنه أحمد الإمامة خلفٍا عنه اعتقل الحروي والنعمان في ذمار ومعهما العديد من الأحرار وزج بهم إلى السجون والمعتقلات وجْر الكثير منهم إلى ساحات الإعدام وقد مكث الحروي في سجنه بحجة حتى عام 1950م فذهب إلى مكة حاجٍا ثم عاد إلى مدينة تعز واستقر فيها مزاولاٍ نشاطه التجاري وكلفه الإمام أحمد ببناء دار الضيافة هناك وظل على عهده في النضال والكرم والوفاء.
الثورة تعاقب الحروي
وفي عام 1960م تولى رئاسة مجلس إدارة شركة المحروقات اليمنية كما أسهم في تأسيس شركة الخطوط البرية وظل على ذلك حتى قامت الثورة بإعلان الجمهورية سنة 1962م أسهم في إنشاء البنك اليمني للإنشاء والتعمير وتعيِن سنة 1964م مستشارٍا تجاريٍا في القاهرة وكان قد أوكل شئونه التجارية لأخيه « عبدالعزيز الحروي « ثم تعرض للمضايقات من كبار مسئولي السفارة اليمنية في القاهرة آنذاك وترك عمله في القاهرة سائحٍا في أوروبا وبيروت يصحبه القاضي عبدالجبار المجاهد.
عام 1966م تم ترحيله من لبنان بأمر من السلطات اللبنانية وبإيعاز من السفير اليمني في بيروت آنذاك « عبدالرحمن البيضاني « الذي خلف أحمد جابر عفيف وكان جازم الحروي قد اتخذ من بيروت ملجأ أو منفى اختيارياٍ بعد خروجهم من صنعاء على خلفية مواقفهم الرافضة لاعتقال أعضاء الحكومة اليمنية في القاهرة.
وفي عام 1967م عاد إلى القاهرة واستقر فيها وظل يعمل في السفارة اليمنية هناك دون مقابل حتى عاد إلى صنعاء في 2000م بموجب استدعاء من وزارة الخارجية فلبث مدة في مدينة صنعاء إلى أن توفي في 18 فبراير وفي بعض المصادر 28 فبراير 2004م ودفن في مقبرة النجيمات بصنعاء.
- مِدِحِهْ الشاعر (محمد محمود الزبيري) بقصيدة قال فيها:
ألا فليعش في مهجة الشعب جازم
تْغذي برؤياه النْهى والعزائمْ
فتىٍ راعني بالجود حتى ظننته
ملاكٍا طهورٍا أنجبته الغمائمْ
ابتسم لي بشرٍا فخلتْ ابتسامه
بروق فؤادُ أثقلته المكارمْ
عندما اقتيد الشيخ جازم الحروي مع من اقتيد إلى حجـة في النصف الأول من أربعينيات القرن الماضي طوفوا بهم حول صنعاء ثم أفرج عنه الإمام بعد عامين ومنحه مساعدة مالية فاستأذنه بالحج ثم عاد إلى عدن. وهناك ظل يحكي ما حدث له ولزملائه الأحرار فقال له الأستاذ النعمان: إحك للقاضي الزبيري فهو يرسم دائماٍ في شعره لوحات حيـة معبرة عن العالم وعما يحدث لليمنيين فحكى له صوراٍ من المعاناة التي قاسوها بين الأغلال وتحت السياط فكتب الشهيد الزبيري رحمه الله قصيدته المشهورة والمعنونة في أعماله الشعرية بعنوان »قيد جماعي«.. هذه القصيدة كتبت ـ بحسب ماجاء في مذكرات محمد عبدالواسع حميد الأصبحي ـ عام 1946م.. ومطلعها:
طافوا بهم حول صنعا يطمسون بهم
حقاٍ يضيق به الطاغي ويخشاه
يكبْ بعضهم بعضاٍ بمنكبه
أرجلَ منهم وأفواه
إذا تحرك فيهم واحد صرخوا
واستفحلت فيهم الآلام والآه
كل امرئ منهم خطبَ لصاحبه
يؤذيه وهو بريء حين آذاه
ضاقت رقابهم في الغل واحترقت
أقدامهم من رحيل طال منآه
إذا استفات أسير من متاعبه
لـبـته بندقة الجندي ورجلاه
فنَ من البطش والتعذيب مبتكرَ
خليفة الله للأجيال أهداه