–
” لقد كذبنا كثيراٍ على الناس.. أو بالأحرى كنا صادقين ولكن الناس الآن يتهموننا بالكذب.. والآن استودعك الله .. إما الحياة وإما الردى “.
سعيد حسن الذبحاني مخاطبا أحد رفقائه قبل تنفيذ محاولته لاغتيال الإمام عام 1960م .
سطرالكثير من الشهداء والمناضلين ملاحم بطولية واضطلعوا بأدوار هامة ومفصلية في مسيرة الثورة اليمنية في الشمال والجنوب ومع ذلك لم يلق أولئك المناضلون ما يستحقونه من وفاء وعرفان سواءٍ من بعض رفاقهم في الكفاح أو من الأجيال التالية التي قطفت ثمار نضالهم بل إن الكثير من أولئك المناضلين طواهم النسيان .. الشهيد سعيد حسن فارع الذبحاني هو أحد أولئك المناضلين الوطنيين الذين لم ينالوا حقهم من الوفاء بل إن المعلومات المتوفرة عنه شحيحة ولا تقدم الصورة الكاملة لهذه الشخصية الوطنية المتميزة .
لم نعرف عن الشهيد سعيد حسن الذي اشتهر بـ ” سعيد إبليس ” إلا محاولته الفاشلة لاغتيال الإمام أحمد في السخنة والتي أدت إلى استشهاده فهل كان سعيد الذبحاني مجرد شخص مغامر ومتهور أم أنه مجرد ” فتوة ” تم تجنيده بالترغيب أو الترهيب لتنفيذ مهمة اغتيال الإمام عام 1960م ¿
شحة المعلومات المتوفرة عن هذه الشخصية وعن حياته وأدواره هي التي تدفع البعض إلى التساؤلات أو الافتراضات السابقة وهي خاطئة حتما .. ولكن إذا عرفنا مقولة الشهيد قبل الشروع في تنفيذ مهمة اغتيال الإمام أحمد في السخنة فإننا سنجد أنفسنا أمام شخصية وطنية استثنائية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
إذ يروي رفيقه في النضال ” محمد عبد الواسع حميد الأصبحي ” في مذكراته عن الشهيد سعيد الذبحاني قوله : ” لقد كذبنا كثيراٍ على الناس.. أو بالأحرى كنا صادقين ولكن الناس الآن يتهموننا بالكذب.. والآن استودعك الله .. إما الحياة وإما الردى ” .. إذا مثل هذا الكلام وهذا الموقف لا يصدر عن شخص مغامر أو مجند لتنفيذ عملية انتحارية أو فدائية بل عن شخص مؤمن بقضيته الوطنية وعلى مستوى عال من الثقافة والوعي بهموم وطنه وأبناء شعبه وهو على استعداد للتضحية من أجل ذلك .. فقد كان الشهيد الذبحاني صاحب واحدة من أقدم ثلاث مكتبات في تعز وكانت تسمى مكتبة الجيل الجديد وكان اهتمامه بنشر الثقافة والمعرفة كبيرا حيث سعى عام 1958م عندما كان في القاهرة إلى الحصول على توكيل الشركة العربية القومية لتوزيع الصحف في اليمن ولم يتسن لنا معرفة نجاحه أم إخفاقه في ذلك المشروع .
ويروي محمد عبد الواسع حميد الأصبحي في مذكراته ـ بعد ذكره لمقولة سعيد الذبحاني ـ : ..كنا في تلك الليلة في بستان الكمسري بجانب الشيخ عثمان بعدن وقال لي أيضاٍ : وقد كان وجهه ” سعيد إبليس ” مربداٍ وعيناه غائرتين وكان يبدو أنه يهم بأن يفعل شيئاٍ.. ولكني لم أكن أتصور بأن يقدم على تلك المغامرة الجريئة فقد ظل غائباٍ عنا ولانعرف عنه شيئاٍ أفي تعز هو أم في صنعاء أم في الحديدة ¿.. لقد غامر ودخل الحديدة بعد اعتقال الشهيد حميد الأحمر ووالده الشهيد حسين بن ناصر الأحمر وكان سعيد إبليس يجيد تجنيد الأعوان من الرجال فمن ضمن من التقاهم وكان بينهما توعية واتفاق محمد يحيى منصر وهنا لابد من ذكر أن الإمام أحمد كان قد بدأ الشك يدب إليه من حاشد فاتخذ من قبيلة الزرانيق التي حاربها مدة عامين وقتل ما قتل منها وسجن أكثر من ثمانين منها مات أكثرهم في السجن..اتخذهم حرساٍ له وكانوا مخلصين وخاصة بقيادة الفاشق ويحيى منصر هذان الشيخان المتنافسان في قبيلة الزرانيق.
اتفق سعيد إبليس مع محمد يحيى منصر على أنه عندما يأتي دور والده في الحراسة ـ وكانت الحراسة نوعين من أسبوع أو 24 ساعة واحدة للفاشق وأخرى ليحيى منصر ـ أن يفسح له الطريق ليصل بحجة أن معه مذكرة شكوى للإمام بينما يكون هو متحزماٍ بالقنابل والمتفجرات لكي يفجر نفسه ويقتل الإمام .
ويضيف الأصبحي : ذهب الشيخ محمد بن يحيى منصر إلى والده وأخبره وكان يحيى منصر في تنافس مع الفاشق حول من يكون أكثر قرباٍ من الإمام فأخبر الإمام بالمؤامرة لكي ينال ثقته ويرتفع مقامه عنده فذهبوا إلى محمد بن يحيى منصر فأراهم أين سعيد حسن إبليس.. وهناك ألقي القبض عليه وكانت معه شنطة فيها أسماء كثيرين من الأحرار ومن المشايخ الكبار الذين لم يفروا من اليمن أي من الشمال إلى الجنوب وتسلمها علي مارش الذي قام بتسليمها إلى أحمد أمين نعمان في تعز بعد أن فر بها من السخنة وكان ضمن محتويات الشنطة استلام بخط علي محمد سعيد أنعم لسعيد حسن فارع الذي قبض عليه وجلد وضرب وعذب لكي يعترف بأسماء الذين أرسلوه ولكنه كان يقول : أرسلني الشعب .. ثم نقل إلى حجة بعد إعدام الشهيدين حسين بن ناصر الأحمر وولده حميد .
وفي كتابه ” اليمن .. من الإمامة إلى الجمهورية ” يروي الدكتور عبد الله فارع العزعزي
” عام 1960م تعهد أحد أعضاء حركة الأحرار سعيد حسن فارع الذبحاني القيام بعملية فدائية يقضي فيها على الإمام .. ولكن وصلت أخبار للإمام عن طريق نائبه في الحديدة تفيد أن توزيع المنشورات التي تحرض ضد الإمام ونظامه هو من سعيد الذبحاني وأمر بإلقاء القبض عليه حين توجه الذبحاني الملقب إبليس الى مقر إقامة الإمام لتنفيذ المهمة التي تحمل مسؤولية تنفيذها .. في الوقت نفسه كان هناك من يرصد تحرك الذبحاني فتم إلقاء القبض عليه بعد وصوله بـ 24 ساعة وتم نقله الى سجن نافع بحجة حيث تعرض للتعذيب لأنه سجل موقفاٍ شجاعاٍ في التضحية والفداء بعدم حصول سلطة الإمام على أية معلومات عن رفاقه وتم هروبه من السجن حيث تشير الروايات إلى أن الذبحاني كانت نهايته واستشهاده أثناء تبادل لأطلاق النار مع حراس السجن الذين لحقوا به وتمكنوا من قتله .. هذه الحادثة شهدت إدخال فكرة الاغتيال في قاموس النضال السياسي للأحرارء وعدوها خطوة أولى لا يمكن الاستغناء عنها نحو انقلاب ناجح يضمن الانتقال لوضع أفضل .”
كان الشهيد سعيد حسن فارع الذبحاني على علاقة بالاستاذ النعمان فقد كلفه النعمان وهو في القاهرة بتنفيذ خطة لتهريب أحمد حسين المروني الذي كان مذيعا في إذاعة صنعاء وقد حمل على الإمام أثناء إقامته في إيطاليا وقد عرضه ذلك للمخاطر وانتقام الإمام فتكفل سعيد الذبحاني بتهريب المروني من صنعاء إلى تعز ثم إلى عدن .
وفي هذا الشأن يروي الأصبحي في مذكراته :
لقد استغل المروني غياب الإمام وتفاعل مع الأحرار تفاعلاٍ كبيراٍ فكانت تعليقاته النارية التي يذيعها من إذاعة صنعاء تلهب عواطف الجماهير وبحسب الذي يستمع إليها أنه يستمع إلى إذاعة صوت العرب وقد نقل كل هذا إلى الإمام مما أوغر صدره على المروني فأدرك الأحرار أن المروني في خطر مباشر ووصل التحذير من الأستاذ أحمد محمد نعمان من القاهرة بأن على المروني أن يهرب من صنعاء بأية طريقة وفعلاٍ وصل سعيد حسن إبليس – كما قال لي المروني بالحرف الواحد – وأطلعه على جذاذة صغيرة من رسالة من النعمان يحذره فيها ويوجهه بالذهاب إلى تعز . ويشير الأصبحي إلى أن المروني قد أكد هذه الواقعة في مقابلة تلفزيونية معه.
ثم يستطرد : أبلغ سعيد إبليس المروني بأنه سيجد في تعز عند باب موسى رجلاٍ طويلاٍ اسمه علي عبدالواحد وهو لايزال يعيش يحمل النصف الثاني للوريقة التي أطلعه عليها وفي المكان المحدد وجد المروني علي عبدالواحد ورافقه عن طريق وادي الضباب ومنها إلى شرجب و طور الباحة فوصلوا متأخرين يوماٍ واحداٍ وعند وصول سعيد حسن فارع بشرني أن المروني سيصل فحمدت الله ووصل المروني في اليوم الثالث.
ويربط محمد عبد الواسع حميد بين ثورية المذيع احمد المروني وحركة القناصة في باب موسى بتعز التي أدت إلى مقتل الحاكم الشرعي للمدينة أحمد الجبري وهي الحركة التي تزعمها الضابط شرف المروني وقد حدثت خلال تلك الأيام وهو ما جعل الأحرار يستشعرون المخاطر التي قد يتعرض لها أحمد المروني .
الشهيد سعيد حسن ينتمي إلى نفس المنطقة التي ينتمي إليها النعمان وهي عزلة ذبحان ولا يستبعد أن الشهيد سعيد اكتسب ثقافته من هذه العلاقة وقد يكون أحد طلاب النعمان في مدرسة ذبحان .