
تحقيق/ أحمد الطيار –
قبل الثورة عمل أمينا لصندوق الإمام بصنعاء لكنه لم يكن مختصا بتسليم رواتب أو أجور الموظفين بل كان مسؤولا عن تسليم اجور وتكاليف بناء قصور ملكية ومشرفا ايضا عليها بوظيفة تسمى حينها (الانشاءات) ولهذا كانت عهدة خزينته عامرة بالألاف من الريالات الفضية (الفرانصي) و(الجنيهات الذهبية ) اللازمة لاستكمال تلك الإنشاءات حيث يعمل تحت إشرافه المئات من العمال من كل فئة.
بعد قيام الثورة في 26سبتمبر 1962م وهروب البدر وجد نفسه مطلوبا بسرعة من قيادة الثورة لتسليم العهدة المالية التي بيده ولكونه لم يكن متأكدا من نجاح الثورة وخوفا من عقوبة الامام إن عاد في يوم ما فضل دفن تلك العهدة بداخل بيته الصغير في بستان كبير يتبع العائلة المالكة والهرب بنفسه على دراجة هوائية (سيكل) متنقلا بين البساتين حتى اختفى عن القوة المرسلة من الرئيس السلال لإحضاره وهكذا اختفى واختفت الفلوس معه عن أيدى الثوار وبعد عدة شهور فقط وعلى خلفية القيام بتحديث البستان الذي أصبح ملكية عامة للدولة تم إزالة البيت الصغير بالشيول ولكن المفاجأة أن الذهب والفضة المختفية خرجت من باطن الأرض ليظهر سر ذلك الإنشائي (أ ي ن) وهو من أهالي بلاد الاهنوم ولتكن الفلوس غنيمة تقاتل عليها الناس ذلك اليوم المشؤوم دون هوادة وهاهي قصة الكنز.
مشرف الإنشاءات
كان من سياسة الإمام قبل الثورة التوسع في امتلاك البساتين الزراعية عالية الانتاج والتي غالبا ماتكون بجوار قصور له ولأفراد أسرته خصوصا في العاصمة صنعاء وكان يعين لمهمة الإشراف والمتابعة على أعمال تلك البساتين والقصور رجال يثق في امانتهم واخلاصهم ومن هؤلاء بالطبع اناس من بلاد الأهنوم المشهورين بالحنكة والطيبة والأمانة إضافة إلى أنهم كانوا من المقربين للإمام في سلكه العسكري والحراسة الخاصة له ولأفراد أسرته من الأمراء والقادة.
وكان من بين هؤلاء الحاج( أ ي ن) والذي عين مشرف انشاءات لعدة قصور ملكية إضافة إلى إشرافه على بستان واسع المساحة بمنطقة باب شعوب ينتج المئات من الاطنان من الفواكه والحبوب والأعلاف فكانت عهدة خزينته المالية عامرة على الدوام إذ تقدر بنحو 50 ألف ريال فرانصي و10000 جنيه ذهب في أقل تقدير وهكذا واصل عمله بنجاح.
الخزينة
كانت قيادة الثورة تعلم أن ذلك الإنشائي في خزنته أموال باهظة فهم يدركون تماما أنه مقرب من الامام وامواله ونظرا للظروف المالية الصعبة التي مرت بها الثورة من اول يوم تفجرت فيه فقد وضعت تلك الخزينة على قائمة أهم الخزائن الواجب الحصول على موجوداتها وهكذا تم الامر بالقبض عليه وتسليم ما بعهدته إلى قيادة الثورة حينها كان الإنشائي في حيرة من أمره اذ تبادرت إلى مخيلته العديد من الأفكار أبرزها ماذا سيكون مصيره لوعاد الإمام ولم يجد الخزينة فقد كان غير واثق من انتصار الثورة خصوصا وان البدر لم يقتل بل فر وربما يعود كما عاد والده احمد إلى صنعاء بجيش جرار في ثورة 1948م وهو شعور ذكره بأن مصيره سيكون الإعدام وهكذا اضمر في قلبه أن الطريقة الصائبة تكمن في إخفاء الأموال التي بعهدته في مكان ما حتى تنجلي الامور وحينها يكون لكل حادث حديث.
قلق
قبل الإشارة إلى الطريقة التي اخفى بها الإنشائي تلك الأموال نشير إلى نقطة هامة تكمن في العلاقة المتوترة أصلا بينه وبين الضباط الاحرار وعلى رأسهم الرئيس السلال والذي كان في حينها قبل الثورة قائدا للحرس الملكي ومساعدا للأمير البدر فقد كانت علاقة الإنشائي المذكور بالضباط الاحرار غير متينة فهو من جهة لم يكن يقوم بتسهيل بعض مهامهم قبل الثورة وأبرزها دعمهم بالمال المتوفر لديه حيث طلب منه حسب ما يذكر مد يد العون لهم ولكنه كان يتغاضى تذرعا بأن المال ملك لمولانا الامام وليس حقه الشخصي ولم يكن يعرف في يوم ثورة 26 سبتمبر 1962م انها ستنجح ويكتب لها عمر مديد سيفقده عمله ويقضي على مستقبله ايضا .
إخفاء
كانت فكرة إخفاء الأموال من جهة وإخفاء نفسه من جهة اخرى هي الرائجة لدى ذلك الإنشائي ولم ترشده بصيرته للتعاون مع الثورة والالتحاق بها ليكون بصحبة الثوار الأحرار وهكذا قرر دون هوادة اخفاء الأموال بسرعة ولكن المشكلة الأصعب برزت إليه أين يخفي كمية كبيرة من المال وماهي الطريقة المناسبة لذلك فمن جهة لايوجد لديه متسع من الوقت لأن الثوار يبحثون عنه ومن جهة أخرى لاتوجد فرص لنقل الاموال عبر سيارات نقل فالنقاط العسكرية في كل مكان وهكذا لم يجد امامه مفراٍ سوى دفنها في منزله الصغير وهو منزل شعبي يقع بجوار البستان الكبير الذي يشرف عليه فكان ذلك.
تمويه
لم يكن يثق تماما في نجاح خطته بإخفاء الاموال في المنزل فقد ادرك انهم سيقومون دون شك بتفتيشه شبرا شبرا ولذلك فكر مليا ووجد حيلة تكمن في اخفاء المال ببان المنزل فقام بعمل حفرة كبيرة بباب المنزل من الخارج ووضع الاموال التي هي عبارة عن خيش من الفرانصي والذهب حيث كان يتم صرف الاموال بطريقة الكمية وكل خيشة بها 1000ريال فرانصي وقام بعمل درج من فوقها للمنزل على اعتبار أنه درج فقط ولا يمكن الشك فيه.
الأمر بالقبض عليه
بعد مضي حوالي أسبوع من قيام الثورة أمر الرئيس السلال شخصيا بالقبض على الإنشائي فورا وكان غرض المشير السلال الحصول على الأموال على ما يبدو وعندما توجهت القوة العسكرية لإحضاره تفاجأ بها وهو في ذلك البستان الكبير يتفقد المحاصيل الزراعية خصوصا وأن الموسم كان في بدايته وكان معه دراجة هوائية ركبها واتجه مسرعا للهرب وهكذا استمر في المسير حسب ما يقول حتى وصل إلى قريته بعد سفر شاق ويؤكد انه لم يحمل معه قرشا واحدا من تلك الأموال ولم يفش السر لأحد فقد كان يخشى على حياته جراء ذلك وهكذا خرج من صنعاء خالي الوفاض ولم يعد إليها إلا بعد ثلاثين سنة لتذكر تلك الحقبة من حياته.
ظهور الكنز
حسب روايات متعددة ممن عملوا مع الإنشائي من أهالي صنعاء أفادوا بأن المنزل الذي كانت ترقد تحته الريالات الفرانصي والجنيهات الذهبية يقع في بستان كبير بمنطقة شعوب الزراعية وأنه تحول فيما بعد إلى مركز زراعي تابع لوزارة الزراعة وغيرها من الجهات وبعد مضي عدة شهور تم الإعداد لهدم المنزل وتوسيع منافس البستان وتم إحضار الشيولات لعملية الهدم وفي وقت الصباح وقبيل الظهيرة كان موعد الهدم قد حان وعندما جرفت الشيولات المنزل خرجت الجنيهات الذهبية تلعلع في أشعة الشمس وبريق الريالات الفرانصي يتوهج وهكذا تدافع الناس من كل حدب وصوب باتجاه الكنز وحصل هرج ومرج وشجار وضرب بالعصي والفوؤس كل يريد الغنيمة لنفسه.
—