وزارة للمغتربين في‮ ‬أول تشكيل حكومي‮ ‬عقب ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر عام‮ ‬1962م


الجميع‮ ‬يعلم جيداٍ‮ ‬أن المغتربين اليمنيين كان لهم دور قوي‮ ‬في‮ ‬قيام ثورة الــ26‮ ‬من سبتمبر والدفاع عنها بكل‮ ‬غالُ‮ ‬ونفيس استشعارا منهم بروح المسئولية الوطنية في‮ ‬القضاء على الحكم الكهنوتي‮ ‬والذي‮ ‬أدى إلى فرار الكثير من أبناء الوطن قسراٍ‮ ‬من البطش الإمامي‮ ‬الظالم منهم من ساقته الأقدار إلى بريطانيا وفرنسا وأمريكا بحثاٍ‮ ‬عن الأمن ولقمة العيش الكريمة بعد أن تجرعوا ويلات الظلم والقهر والاستبداد في‮ ‬وطنهم بسبب حكم الطاغية أحمد حميد الدين وأبيه وزمرتهم التي‮ ‬كانت تحلق بسيوفها حول رقاب أبناء اليمن‮… ‬والشواهد كثيرة في‮ ‬ميدان الشهداء بتعز وغيرها من الميادين والتي‮ ‬تروي‮ ‬اليوم لأبناء الوطن ما جرى قبل خمسين عاماٍ‮ ‬من سفك دماء الشهداء الذين خرجوا‮ ‬يطالبون بحقوق المواطنة وبحياة كريمة في‮ ‬وطن كانت تحتكره الأئمة بجبروتها الفاقد لعين‮ ‬الرحمة والمتمسك بهلاك البشر وعزلهم عن العالم ليظلوا بين جدران الظلام والجهل والمرض والفقر والتخلف ولهذا لم‮ ‬يكتف المغتربون اليمنيون بخروجهم من الوطن قسراٍ‮ ‬وتعسفاٍ‮ ‬وإنما كانت تلك الشواهد دافعاٍ‮ ‬لهم لدعم القوى الشعبية لمواجهة الإمام‮ ‬وبعد انتصار الثورة الشعبية في‮ ‬الـ26‮ ‬من سبتمبر رأى قادة الثورة ضرورة الاهتمام بشريحة المغتربين ورد الجميل لها في‮ ‬تشكيل أول حكومة بعد قيام الثورة ولم‮ ‬يكن إنشاء وزارة المغتربين في‮ ‬أول حكومة بعد الثورة مجرد سد فراغ‮ ‬ولكن كان له معان ودلالات كبيرة‮.. ‬فبعد قيام الثورة وبعد أن عرف أبناء شعبنا في‮ ‬الداخل والخارج أنه تم تشكيل وزارة للمغتربين عرف الجميع أن حكومة الثورة تهتم بمواطنيها ومنهم المغتربون ولذلك انجرف الناس وبدون شعور للالتحاق في‮ ‬الحرس الوطني‮ ‬للدفاع عن الثورة لأنهم وجدوا فيها ضالتهم فهم كانوا‮ ‬يشعرون بالذل والإهمال في‮ ‬الاغتراب أيام الحكم الإمامي‮ ‬مما دفع الكثير للتطوع في‮ ‬الحرس الوطني‮ ‬والذي‮ ‬كان‮ ‬يعتبر إحدى القوى الضاربة في‮ ‬الدفاع عن الثورة والجمهورية وكان معظم أفراده من المغتربين اندفعوا من تلقاء أنفسهم للدفاع عن الثورة وحمايتها لما عانوه من مرارة وقسوة من حكم الطاغية أحمد وزبانيته‮.. ‬طبعاٍ‮ ‬اختير لهذه الوزارة الأخ محمد سعد القباطي‮ ‬والذي‮ ‬يعتبر أول وزير للمغتربين في‮ ‬أول تشكيل حكومي‮ ‬بعد ثورة‮ ‬26‮ ‬سبتمبر‮ .‬
واعتبر‮ ‬الجميع قرار مجلس قيادة الثورة في‮ ‬صنعاء قراراٍ‮ ‬صائباٍ‮ ‬مع أن الجميع‮ ‬يعلم أنه عند قيام الثورة كانت البنية التحتية بشكل عام مفقودة ومنها وزارة المغتربين فلم‮ ‬يكن هناك مبنى للوزارة ولا موظفين ولا بيانات أو إحصاءات ولا شيء‮ ‬يذكر من معلومات العمل‮ ‬ورغم ذلك بدأ الوزير القباطي‮ ‬في‮ ‬ممارسة عمله في‮ ‬إحدى الغرف في‮ ‬قصر السعادة لأن الدولة كانت بحاجة إلى الكوادر‮ ‬وعمل الأخ الوزير حينذاك على إحالة المغتربين العائدين والراغبين في‮ ‬الانضمام إلى مؤسسات الدولة الجديدة‮ ‬كل بحسب مؤهله وتخصصه أو حتى خبرته لأن الوطن كان في‮ ‬حاجة لكل الكوادر وفعلاٍ‮ ‬تدفق الكثير من كل بلدان الاغتراب لنهضة اليمن والدفاع عن ثورة اليمن وطبعاٍ‮ ‬الوزير القباطي‮ ‬استمر‮ ‬يدير وزارة المغتربين ثلاثة أشهر فقط ومن ثم تم تعيينه وزيراٍ‮ ‬مفوضاٍ‮ ‬لبلادنا لدى الصومال وحل محله الأستاذ محمد مهيوب ثابت والذي‮ ‬كان تاجراٍ‮ ‬معروفاٍ‮ ‬في‮ ‬عدن وبعد ذلك بفترة قصيرة أرسل وفداٍ‮ ‬برئاسته لزيارة المغتربين في‮ ‬كل من بريطانيا وأمريكا وفرنسا لحشد الدعم المادي‮ ‬للثورة من المغتربين وإيقافهم عن حالة الهيجان التي‮ ‬يعيشونها واندفاعهم للانضمام في‮ ‬القوات المسلحة للدفاع عن الثورة إلا أن الوفد استطاع تقديم النصائح والتوعية بأن الثورة لديها القوات الكافية والقادرة على حمايتها وأن المطلوب منهم هو تقديم الدعم المادي‮ ‬لأن الحكومة اليمنية كانت تعاني‮ ‬عقب الثورة من نقص في‮ ‬الإمكانات المادية والتي‮ ‬كانت من ضمن الأسباب التي‮ ‬أدت إلى إلغاء الوزارة فيما بعد تحسبا للنفقات لأن الموارد المالية قليلة أو معدومة ونفقات الدفاع عن الثورة كبيرة جداٍ‮.. ‬لقد أسفرت تلك الزيارات التي‮ ‬قام بها الوفد لمناطق المغتربين والتي‮ ‬استمرت ثلاثة أشهر عن نتائج مثمرة من حيث جمع التبرعات للثورة كما ساهم المغتربون بنصيب كبير في‮ ‬إنشاء البنك اليمني‮ ‬للإنشاء والتعمير‮ ‬وعلى الرغم من إلغاء الوزارة فيما بعد إلا أنها أنشأت إدارة خاصة بالمغتربين تتبع وزارة الخارجية كما لا أغفل القول إن أبناء الجالية اليمنية في‮ ‬الصومال وجيبوتي‮ ‬وأثيوبيا وخاصة في‮ ‬السودان لعبوا دوراٍ‮ ‬كبيراٍ‮ ‬بعد قيام ثورة سبتمبر تمثل في‮ ‬إعداد مجموعة كبيرة من خيرة الشباب للالتحاق بالحرس الوطني‮ ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬اتجه فيه بعض الشباب من أصحاب المؤهلات والتخصصات للعمل في‮ ‬مجالاتهم‮ ‬وكما‮ ‬يقول الباحثون والمؤرخون للثورة أن الجالية اليمنية في‮ ‬السودان جمعت عشرات الآلاف من الجنيهات السودانية دعماٍ‮ ‬لثورة سبتمبر وكانت تسلم على دفعات للسفارة اليمنية بالسودان وكان ذلك تحديداٍ‮ ‬عام‮ ‬1963م وهو العام الذي‮ ‬بدأت فيه الهجرة المعاكسة من السودان إلى اليمن حيث لم‮ ‬يبق من المغتربين حتى بداية الثمانينات سوى نسبة ضئيلة تمثل خمسة في‮ ‬المائة فقط‮.. ‬من خلال كل هذه الحقائق عرفت قيادتنا السياسية الدور الكبير للمغتربين في‮ ‬انتصار ثورتي‮ ‬سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر ودعم ومساندة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في‮ ٢٢ ‬مايو‮ ‬90م ظلت من أولويات همومها شريحة المغتربين في‮ ‬توفير الرعاية التي‮ ‬تليق بها على مدى الخمسين عاماٍ‮ ‬من خلال التواصل المستمر والذي‮ ‬نجم عنه انعقاد ثلاثة مؤتمرات خاصة بالمغتربين والهادفة إلى تعزيز روابطهم القوية بالوطن الأم وإشراكهم في‮ ‬بناء وتطوير اليمن الحديث‮ ‬يمن سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر والـ‮٢٢ ‬من مايو ليضاهي‮ ‬الدول التي‮ ‬تحررت من أنظمة ظلامية واستعمار بغيض‮..‬

قد يعجبك ايضا