
د:أحمد عبدالرحيم أحمد العمري –
الأسرة جزء لا يتجزأ من برامج العلاج والإرشاد والتأهيل والتدخل المبكر للأطفال ذوي الاعاقة العقلية …. ولا يمكن لأية خطة أيا كانت أن تحقق أهدافها إلا إذا وضعنا في حساباتنا العوامل التي ترتبط بالأسرة « علاقاتها الاجتماعية واتجاهاتها نحو الابن ذي الاعاقة العقلية ودرجة تقبلهم لوجود طفل معاق عقليا داخل الأسرة وأثر وجود هذا الطفل المعاق عقليا على حياة الأطفال الآخرين داخل الأسرة وتأثيره في دورة حياة الأسرة وعلاقتها الاجتماعية بوجه عام « .. تلك العوامل التي قد تخلق جوا مناسبا لنمو صحي متكامل للطفل المعاق , يمكنه من تطوير وتنمية قدراته إلى أقصى إمكاناته أو تخلق جوا غير صحي نحو اتكالية وسلبية وعجز فتضيف إلى إعاقته إعاقة وإلى عجزه عجزا
ومن هنا كانت أهمية وعي الأسرة بدورها الحيوي والمهم في حياة الطفل بعامة والمعاق بخاصة . ويمكن لنا تقسيم دور الأسرة في المرحلة المبكرة من حياة الطفل المعاق عقليا إلى خمسة محاور « تقسيما تصوريا « بهدف التحليل والإيضاح مع التأكيد على كون دور الأسرة دورا متكاملا لا يمكن تجزئته واقعيا بل يجب أن يعمل في تكامل وتناغم تامين حتى يؤتى بالثمار المنشودة .
المحاور الخمسة لدور الأسرة
وتتمثل هذه المحاور الخمسة لدور الأسرة من خلال :
- أولا : اتجاهات الأسرة نحو الابن ذوي الاعاقة وأساليب معاملته .
هذه الاتجاهات التي تأخذ أحد الأشكال الاسمية ( الإنكار – الإخفاء والتبرير – التقبل ) بيد أن الإنكار والإخفاء والتبرير هما اللذان يحتلان المرتبة الأولي في بداية علاقة الأسرة بطفلها ذي الإعاقة العقلية…. ثم يأتي الاعتراف بالحالة في مرحلة لاحقة يختلف مداها الزمني من أسرة لأخرى … ومن هنا كان إنكار الحالة ومحاولة إخفائها وتبريرها أمرا مشتركا لدى غالبية الأسر لا يختص بأسرة بعينها ولا يجب أن يستدعي مشاعر اللوم فالمشكلة ليست في تأخر الأسرة بالاعتراف بحقيقة إعاقة ابنها بقدر أهمية اعترافها بهذه الحقيقة في الوقت المناسب . فمتى قبلت الأسرة بوجود درجة إعاقة لدى ابنها تكون قد كسبت نصف المعركة من سعادته وتنمية قدراته ومهاراته على أننا يجب أن نضع في الاعتبار أن سعادة ابننا المعاق عقليا لن تكون من النوع الذي قد يسعدنا نحن كآباء أو كما نود أن نرسمها له لأننا أذا نظرنا إلى مشكلته من خلال معاييرنا نحن فإننا سننجح فقط في جعله بائسا , تعيسا , غير قادر على الاستفادة من تلك القدرات التي منحها الله له
دور الأسرة في تعديل الاتجاه نحو الابن وأساليب معاملته
- فقد يستطيع الابن ذي الإعاقة عقليا الاستمتاع بالرضا معاملته الذاتي و الوصول إلى أقصى ما تمكنه قدراته إذا ما اتبعت الأسرة الآتي :
1 – إذا لم تحط من قيمة عمله البسيط بل تشجعه وتعتبره إنجازا يستحق الفخر.
2 – إذا وضعت له أهدافاٍ يمكنه تحقيقها والوصول إليها .
3 - إذا عاونته في خطوات التدريب وتعلم المهارات التي يستطيع أداءها أكثر من تلك التي يعجز عنها.
4 - إذا حرصت على تكرار وتكرار وتكرار المعلومة والخبرة التي ترغب في تعليمه إياها بأكثر من أسلوب وطريقة وباستخدام وسائل معينة تنبه أكثر من حاسة لديه وذلك بلا ملل أو ضجر .
5 - إذا أتاحت له الفرصة للمحاولة مهما تكرر الفشل فمن الأفضل أن يحاول حتى ولو فشل من ألا يحاول على الإطلاق .
6 - إذا أعطته حبا وحنانا صادقا بالرغم مما يعانيه من نواحي قصور وبصرف النظر عن مقدار ما حرم منه فإنه في المقام الأول طفل قبل أي اعتبار آخر كما انه لازال يحتفظ بالكثير من القدرات التي يمكننا صقلها وتدريبه عليها .
7 - إذا عاملته كما تحب أن يعامله أفراد المجتمع , فاتجاهاتنا وأسلوب معاملتنا لطفلنا المعاق عقليا هما اللذان يشكلان اتجاهات وأسلوب تعامل أفراد المجتمع معه .
ثانيا : تعامل الأسرة مع إخوة الطفل ذي الإعاقة
لا يقل دور إخوة وأخوات الطفل ذوي الاعاقة العقلية بحال من الأحوال عن دور الوالدين , بل يعد دورهم أساسيا وحيويا ومكملا لدور الوالدين وتبرز أهميته من كون الإخوة يميلون بصفة عامة إلى اتباع اتجاهات الوالدين نحو الابن ذي الاعاقة العقلية كما يمكن لهم إذا أحسن توظيفهم أن يكونوا خير معلم وموجه ومرشد وصديق لأخيهم ذي الاعاقة
فالأمر ليس مجرد وجود حالة طفل ذي إعاقه عقلية في الأسرة بقدر مدى المسؤولية التي تلقى على أفراد الأسرة …. وخاصة الإخوة والإناث منهم على وجه الخصوص نتيجة لوجود هذا الأخ .
- فعندما يتوقع الوالدان من الإخوة والأخوات أكثر مما تتحمل طاقتهم أثناء تعاملهم مع أخيهم المعاق ينشأ صراع نفسي عنيف وإحباط وتوتر في حياة الأسرة يحول حياتها إلى عذاب هذا وقد يؤدي الاهتمام الزائد من الوالدين بالابن المعاق إلى إهمال إخوته مما يخلق جوا من التوتر والاستياء داخل الأسرة.
دور الأسرة في تنمية العلاقة بين المعاق وإخوته
- ولذلك وجب على الأسرة ما يلي :
1 - تعين إخوة المعاق على فهم حالته والفروق الفردية بين البشر …وذلك على قدر استيعابهم .
2 - تبصير إخوة المعاق بالأساليب السوية والمناسبة لمساعدة أخيهم وفق ظروف الإعاقة.
3 - تشجعهم على عدم الخجل من أخيهم المعاق عقليا ….حيث لا يوجد ما نخجل منه فأي فرد في أية أسرة معرض أن يكون مكانه إذا شاء الخالق عز وجل .
4 - عدم المبالغة والإسراف في حماية ومساعدة الابن المعاق على حساب إخوته.
5 - تراعي البعد عن التعبير اللفظي عن استيائهم أو ضجرهم من أخيهم ذوي الاعاقة أمام الآخرين عامة والأخ ذي الإعاقة خاصة .
6 - تحرص على أن لا ينعكس وجود الأخ ذي الإعاقة عقليا سلبا على حق أخوته في الاستمتاع بحياتهم وطفولتهم .
ثالثا: تفاعل الأسرة مع المجتمع المحيط وأسر الأطفال ذوي الإعاقة عقليا
وتتمثل أهمية أفراد المجتمع المحيط وأسر الأطفال المعاقين عقليا الآخرين في كونهم المجتمع الذي يتفاعل معه الطفل المعاق والذي يعد بحق الأسرة الممتدة لهذا الطفل بما تمثله الأسرة من توجيه ورعاية وإشراف وعطف وهم من يعد الطفل المعاق عقليا لكي يستطيع التعامل و العيش معهم في حالة وفاة الوالدين والإخوة أو فقد إشرافهم ورعايتهم بأي شكل من الإشكال .
ولذلك فإنكار الطفل ذي الإعاقة العقلية وحجبه عن المجتمع يسهم في تدعيم رفض المجتمع له ويوسع الفجوة بينهم ومن الاصوب أن يخرج ابننا ذو الاعاقة إلى الشارع والمطعم والمتنزهات وأن ندمجه داخل المجتمع ونبقيه مع أقرانه (عاديين – أو ذوي إعاقة) أطول وقت ممكن , بل ومن الأصلح والأفضل أن لا نبخل بجهد أو وسيلة لإحضار الأطفال الآخرين إلى منزله وإذا استلزم الأمر تقديم بعض المدعمات و الحوافز لجذبهم وذلك حتى يتعرفوا على قدرات وإمكانات الطفل المعاق عقليا وأنه رغم ما يعانيه من بعض القصور إلا أنه قادر على أن يشاركهم الكثير من الأنشطة وأن له من الإمكانات والقدرات ما يفوق توقعاتهم …. وتأتي أهمية هذه الخطوة في كون هؤلاء الأطفال هم المجتمع المستقبلي لهذا الطفل والذي يعد للتعامل معه .
> أستاذ التربية الخاصة المساعد بكلية التربية بجامعة الملك فيصل