ثورة 21 سبتمبر.. قراءة استشرافية في الأهداف .. (السابعة والأخيرة)

د. حمود عبدالله الأهنومي

 

وصلنا إلى نهاية المطاف، وخاتمة الاستشراف، لنناقش ما حققته الثورة، وما لم تحققه، وضمانات بقائها فاعلة وحاضرة، والتوصيات، فنقول أولاً:
إن من سخرية القدر أن يعيب زعيم الخيانة عفاش ثورة 21 سبتمبر بأنها نصف ثورة؛ لأنها بحسب زعمه كانت ثورة موجهة ضد شريكه السابق جنرال العمالة علي محسن الأحمر فقط، وكأن القدر كان يخبئ له يوما تكتمل الثورة بالقضاء عليه هو، وهو ما حصل لاحقا عندما كشف عن وجه الخيانة المشؤوم في يوم مشهود، دعا فيه إلى الفتنة والعودة إلى أحضان المعتدين من آل سعود وآل نهيان، هذه المسألة تتعلق بغباء أو تغابٍ حال دون الفهم لحيثيات ومنطلقات وإنجازات ثورة 21 سبتمبر.
وهناك الكثير من الناس لا يعترف بإنجازات ثورة 21 سبتمبر، ولا بكونها ثورة، وكأن الثورة كان يجب أن تنصب محاكم ثورية لمحاكمة خصومها حتى يصدقوا أنها ثورة، وهنا سندع المسألة للتاريخ ليحكم على هذه الثورة بما تستحقه، ولن ننتظر منه موقفا إجماعيا حول الثورة وإنجازاتها فما من ثورة في الدنيا إلا وقد اختلف حولها الباحثون والكتاب والسياسيون، وثورة 21 سبتمبر ليست بدعا في الثورات.

ما الذي حققته الثورة وما الذي لم تحققه وما ضمانات بقاء الثورة فاعلة وحيوية؟

السؤال المهم: ما الذي أنجزته هذه الثورة من أهدافها؟ وما الذي لم تنجزه؟ ولماذا؟ وما الضمانات التي ستحمي الثورة وإنجازاتها وتسعى بالشعب إلى تحقيق ما بقي من أهداف؟
وسنبدأ في الجواب على آخر إشكال، وهو سؤال الضمانات الحافظة للثورة واستمراريتها حتى تحقيق جميع أهدافها.
وهنا أبدأ باقتباس من خطاب السيد القائد في مناسبة الثورة السابعة يقول فيه: «لأن هذه الثورة هي ثورة تحميها المبادئ، تحميها الأخلاق، يحميها الضمير الحر، يحميها الاستشعار العالي للمسؤولية، تحميها الأخلاق العظيمة والنبيلة والكريمة، ولذلك كان الثبات والصمود هو العنوان لاستمرارية شعبنا في ثورته، وهو يتصدى لهذا العدوان، بكل ما في هذا العدوان من جرائم، وجبروت، وطغيان، وحصار خانق، وظلم كبير».
لقد سبق الحديث بأن هذه الثورة تحمل ضمانات استمرارها والحفاظ على إنجازاتها داخلها من خلال المصادر والمرجعيات والأدبيات التي أعلنتها وتعلنها كلَّ يوم، ومن خلال تعميد هذه الأدبيات والأخلاق والأهداف بالتضحيات والدماء، وهذه ستشكل سلطة قوية وحافزة على المضي في مسيرة هذه الثورة حتى إنجاز جميع أهدافها.
وبدون شك فإن أكبر الضمانات هي الأدبيات المقدسة التي تعليها الثورة على كل شيء، وهي القرآن الكريم، ثم محاضرات الشهيد القائد، ومحاضرات وتوجيهات السيد القائد، وكل المعاني والقيم والمفاهيم الثورية الجهادية العادلة، وهذه أمور تعمل على مراعاتها وتنفيذ مضامينها وتحقيقها القيادة العليا للثورة ممثلة في السيد القائد الذي يعتبر أكبر الضمانات للحفاظ على الإنجازات وتحقيق ما بقي من الأهداف، ثم الكوادر القيادية التي صنعتها الثورة وتصنعها المسيرة القرآنية باستمرار وهي التي يجب أن تكون فاعليتها وأدواتها القيادية والتأثيرية قوية وفاعلة في أوساط المجتمع؛ لأن هؤلاء هم المؤتمنون على مصير هذه الثورة ومستقبلها وهم يشكلون التشكلات والتجسدات المعبرة عن الثورة سلبا أو إيجابا.
إن انطلاق المجاهدين في الجبهات على ذلك النحو من التضحية والفداء والشجاعة والإخلاص، وظهور نماذج مستمرة ومتتابعة حملت مشروع هذه الثورة والمسيرة على رؤوسها وهي تخوض المنايا، وتقتحم الأهوال، لا يعني سوى أن هذه الثورة خلاقة وولادة للكوادر التي ستمضي قدما قدما نحو تحقيق وإنجاز جميع أهداف الثورة، وهذا ما نعنيه بوجود الضمانات الواقعية لاستمرار هذه الثورة حتى إنجاز جميع أهدافها، وأي متخلف عن ركب هذه الثورة وتحقيق إنجازاتها إنما يضع نفسه مكشوفا أمام سلطة الثورة الروحية والأخلاقية وضميرها الوطني الحر.

أما أهم ما أنجزته ثورة 21 سبتمبر من أهداف فهي:
أولا: ذكر السيد القائد في خطاب الذكرى السابعة أن أول وأكبر وأهم منجز أن ثورة 21 سبتمبر أوقفت ذلك المستوى الذي كان قائماً من العبث والاستهتار، والذي كان يتجه بالبلد إلى الانهيار التام، وضعت حداً لتلك اللعبة السخيفة، التي كانت تنفذ تحت عنوان الوصاية.
ثانيا: ما ذكره السيد القائد في خطاب الذكرى الأولى للثورة من أنها أفشلت مخطَّطَ الأمريكان وعملائهم في تدمير وتفكيك البلد والوصول به إلى حالة الانهيار الشامل؛ ليتسنى لهم عندئذ احتلاله تحت مبرر إنقاذه، ويذكر السيد أنهم فعلا يأتون اليوم لاحتلال البلد ولغزوه ولكن ليس كما خططوا بأن يأتوا بصورة المنفذين لهذا البلد، بل أتوا غير مقبولين، فلم يسلم لهم الشعب البلد والمصير كما كانوا يخططون، ولم ينظر إليهم إلا كغزاة ومحتلين، ولهذا تحرك بكل شجاعة وثبات ووعي لمواجهتهم والتصدي لهم، وهو يلقنهم يوميا دروسا مهمة في الاستقلال والحرية والعزة والإباء.
ثالثا: ذكر السيد القائد أيضا من منجزات هذه الثورة استعادة شعبنا لكرامته المهدرة، وأنه بات شعبنا حرا، يعيش الحرية واقعا قائما وحالة حقيقية، بحيث لا يستطيع لا الأمريكي ولا البريطاني ولا الإسرائيلي ولا عملاؤهم أن يفرضوا على هذا الشعب ولا على حكومته في صنعاء أي نوع من الإملاءات، يقول السيد أيضا: «نحن نقول لهم: لا، بكل عزة، بكل قوة، ونستطيع أن نتصدى لسياساتهم، ونتحرك في التصدي لمؤامراتهم بكل عنفوان، كشعب عزيز وحر، يستند إلى تلك المقومات العظيمة، الأخلاقية والمبدئية، ويعتمد على الله سبحانه وتعالى، ويتوكل على الله سبحانه وتعالى.
رابعا: بناء على تحقق أهم أهداف الثورة وهي الحرية والاستقلال، فقد تحقق للشعب وحكومته المنبثقة عن إرادته الثورية استعادة قراره الحضاري، سياديا وسياسيا وفكريا وثقافيا واقتصاديا وتربويا وعسكريا واجتماعيا، وهذا يشكل أهم مصادر تحرك الأمة والشعب نحو النهوض الحضاري الشامل، ويبني الأمة بناء نفسيا وروحيا وثقافيا بالشكل الذي يهيئها للانطلاق في مسيرة الحضارة الشاملة، والتغيير يبدأ في النفوس والاستعدادات قبل أن ينطلق في الميادين، وما يحدث في الميادين هو الترجمة الفعلية للانفعالات النفسية والروحية والفكرية.
خامسا: أعادت هذه الثورة الأمل في جدوائية الثورات من أصلها، ففشلها المتراكم والذريع في اليمن وغيرها أصاب الأمة بالإحباط واليأس من إحداث أي نوع من أنواع التغيير، وباتت الشعوب ترى في الأجانب قدَرا محتوما لا يمكن الفكاك منه، فحين تنجح هذه الثورة وتحقق أهدافها على رغم التدخلات الأمريكية والأجنبية، وعلى رغم عدوانها العسكري والاقتصادي وحربها الناعمة فإن هذا سيشكل حافزا لكثير من حركات التحرر والشعوب في أن تسلك هذا السبيل، وأن تجرب حظها مرة أخرى في الكفاح والنضال؛ ولهذا نقول دائما: إن انتصار ثورتنا لا يعود بالنفع لليمن واليمنيين فقط، بل لكل العالم الحر، ولجميع الشعوب المستضعفة التي تتوق للحرية والاستقلال والنهوض.
سادسا: لقد وضعت هذه الثورة اليمن واليمنيين على طريق النهوض والصعود، والشواهد الكثيرة ماثلة للعيان، فتجربة التصنيع الحربي والعسكري معجزة هذه الثورة التي قطعت فيها شوطا كبيرا من الاستيراد لكل مستلزمات المعركة بنسبة 100% إلى التصنيع لمعظم مستلزماتها من الطلقة إلى الطيارة والصاروخ، وفي مدة قصيرة جدا وقياسية إلى حدٍّ أذهل المراقبين وجعل بعضهم لا يصدق بهذه التجربة العجيبة والبديعة والمذهلة.
إن النجاح في الجانب العسكري المادي لا يقل عنه شأنا وقوة النجاح في الجانب العسكري المعنوي، وأعظم تنمية عسكرية هي في صناعة الروحية العالية لدى العنصر البشري المقاتل الذي بات مضرب المثل عند جميع المراقبين والمحللين، في ثباته وصموده وروحيته وتضحيته وشجاعته وصبره وإخلاصه واستعداده العالي للشهادة رغم الفارق الكبير في الإمكانات والتسليح بين هذا المقاتل والمقاتل من الطرف الآخر الذي تحميه وتغطي تحركاته آخر ما توصلت إليه التقنية العسكرية في العالم من طيران وأقمار صناعيه وتجسسية، وهذا الأمر تعجز عن صناعته أكبر وأعظم الجامعات والأكاديميات العسكرية.
ثم إن النجاح في الجانب العسكري يعني أن هناك إمكانية للنجاح في الجانب الاقتصادي، والثقافي، والاجتماعي، والتصنيع المدني، والصحي، والعلمي، والتعليمي، وغيرها من المجالات، لأن مقومات النجاح واحدة، وأهمها الإرادة السياسية والثورية، وعليه فإن هذه الثورة وضعت اليمنيين على طريق العلياء والنهوض الشامل بإذن الله.
أما عَدَمُ تحقُّق الهدف الاقتصادي والمعيشي للثورة بالشكل الذي تريده الثورة فلا يعني الحكم بأثر رجعي بأن الهدف لم يكن موجودا أو أنه هدف فاشل؛ لأن المانع لم يكن من الثورة ولا من حاملها السياسي أو قيادتها أو أدبياتها، بل المانع مؤثر خارجي طرأ من خارج أطر الثورة وعلى خلاف إرادتها، ممثلا في العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي، ومع ذلك فالهدف لا يزال قائما، ويتم العمل عليه، وبمجرد أن تزول الموانع والمقتضيات تتحرك الأمة والثورة لإنجاز هذا الهدف.

هل للثورة عمر مؤجّل؟
يجدر القول بأنه ليس هناك عمر بيولوجي للثورات، بل تتفاوت الفترة الزمنية التي يتمكن فيها الثوار من إنجاز وتحقيق الأهداف من ثورة لأخرى؛ فقد حارب الشيوعيون الصينيون لمدة 22 عامًا قبل أن يتمكنوا من هزيمة حكومة الصين الوطنية عام 1949م، واستمرت الثورة الجزائرية سبع سنوات حتى استطاعت تحقيق الاستقلال لبلدها من فرنسا، ويقال بأن الثورة الفرنسية ظلت مائة عام حتى استطاعت تحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها.
إذن ستظل الثورات حية ومنجِزة ومحقِّقة لأهدافها إذا امتلكت الشروط والظروف والعوامل الموضوعية لوجودها واستمرارها، وستكون ذات عمر طويل إذا ما استمرت الروحية الثورية نابعة ومتدفقة في فكر أبنائها واتجاهاتهم وسلوكاتهم ومواقفهم، وظلت مرجعياتها الفكرية ومصادرها الثقافية وأدبياتها الأخلاقية ومحاضنها التربوية تنتج الكوادر الثورية المؤمنة بأهمية تحقق تلك الأهداف الثورية، وفي حالة ثورتنا بفضل الله كل ذلك موجود وحاصل، مع الاعتراف بوجود بعض الإعاقات التي تعمل على كبح وقتل الثورة، وتؤخر إنجاز أهدافها، ومن تلك الإعاقات الشراكة السياسية بين كوادر الثورة وبعض الأحزاب التي تحن للماضي الفاشل والفاسد، والتي لا تؤمن كوادرها بهذه الثورة وبأهميتها، وهذا ما يجعل أداءها العملي معيقا وكابحا لتحقق أهداف الثورة.

خاتمة وتوصيات
في ختام هذه الورقة يتبين أن أهداف الثورة هي حرية هذا الشعب واستقلاله وكرامته ونهضته الحضارية الشاملة، وأن الشعب ماض في ثورته حتى تحقيقها بإذن الله، وعليه أوصي كباحث ومشارك في هذه الثورة وشاهد عيان على ظروفها وانطلاقتها ونشاطاتها ومآلاتها بالتالي:
1- استخلاص أهداف ثورة 21 سبتمبر من أدبيات الثورة، من خطابات السيد القائد قبل وأثناء الثورة، ومن أدبيات المسيرة القرآنية، ومن النتاج الفكري الثوري المصاحب للأنشطة الثورية، ومن نبض الشارع الثائر الذي أنتجه في أشكال وألوان عديدة، حتى بشكل بيانات وأناشيد وزوامل وغيرها.
2- الاستمرار في الحفاظ على مصادر ومراجع الثورة الفكرية والثقافية والروحية والتربوية وتفعيلها بالشكل القوي لإنتاج ذات الروحية الفكرية والثقافية الثورية الجهادية المستمرة والضرورية، حتى تحقيق جميع أهداف هذه الثورة.
3- الاتباع الصادق للقيادة الثورية المباركة ممثلة في السيد القائد، فوالله إنه من أعظم القادة الذين ولدتهم اليمن، وينقص هذا النوع من القيادات أن يُعْطَوا حقهم من الاهتمام والاتباع والتطبيق الواعي والنوعي والفاعل والحيوي لتوجيهاته وتعليماته ومحاضراته التنموية الشاملة.
4- آن أوانُ إبعادِ وإزالةِ العناصر المتخلفة والرجعية والمصرة على فسادها والتي لا تؤمن بضرورة التغيير، وتحن إلى ماضيها الفاسد المفسد، التي تجثم على المناصب القيادية والمؤثرة في الدولة، وكذلك القيادات المحسوبة على الثورة ففسدت وأفسدت، واستبدالها بقيادات ثورية كفؤة ونزيهة وتحمل الروحية الجهادية الثورية؛ إذ لا يمكن أن يسقيم الظل والعود أعوج.
5- ترجمة توجيهات السيد القائد التنموية الشاملة في شكل خطط استراتيجية ومرحلية وتنفيذية لإحداث النهضة الشاملة الحقيقية، وتفعيل أدوات وآليات الرقابة والتقييم والتقويم الشاملة بشكل علمي ومخطط ومدروس، وتفعيل أدوات وآليات المحاسبة والحكم على الأشخاص المخلين بمسؤولياتهم، والمقصرين أو المفرطين فيها، وتقديمهم للمحاكمات الشعبية، والخضوع لسلطة القانون العادل والحكيم، فالشعب بات يتوق إلى رؤية فاسدين تحت طائلة أحكام العدالة والحساب والعقاب.
6- تحقيق التكامل النهضوي الثوري في جميع المجالات والمؤسسات؛ إذ يجب أن تستوعب الخطط النهضوية الحضارية مسألة التكامل والتعاون بين جميع الجهات، لتؤدي دورتها الكاملة في واقع الحياة، فيكون لكل شيء قيمته وأهميته في البلد، ويجب أن يحمل الجميع الروحية الثورية الجهادية وأن يشعروا أنهم في ميدان ثوري جهادي، وأن يتخلقوا بالأخلاق الثورية الجهادية، وأنهم يكمِّل بعضُهم بعضا، وأن المزارع، يكمّله التاجر، والمصنّع، ورجل الأعمال، المشتري، والأستاذ، والطبيب، والدكتور، والأكاديمي، والعالم، والعسكري، وهكذا دواليك، وأنهم جميعا في حقل جهادي واحد، وهنا يأتي الإبداع والانتصار.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين..

قد يعجبك ايضا