رسالة من جندي سبتمبري إلى لصوص الثورة والثروة

عبدالله الأحمدي

 

أنا الجندي ( م..ع..س ) حاربت في أكثر من جبهة.
في حصار السبعين يوما في العامين ٦٧/٦٨ من القرن الماضي.
عندما التحقت بالجيش كان عمري ١٤ عاما.
كنت أتقد حماسا وثورة. تدربت على يد إخواننا المصريين مع كثير من زملائي الذين كانوا يجيدون القراءة والكتابة.
أثناء الحصار رابطنا في المطار الجنوبي، وواجهنا هجمات الملكيين على النهدين وبيت معياد، ودار سلم.
كان الملكيون أمامنا في حدة وسنع وبيت بوس وعذان وعيبان يقصفون صنعاء من بين الأشجار.
كان الحصار مُرا علينا؛ أكلنا الكدم البائتة، وشربنا الشاهي مُرا بدون سكر.
في بداية فبراير من العام ٦٨ تقدمنا على حدة مع كثير من الجنود والقبائل والمقاومة الشعبية، وطردنا الملكيين من سنع وبيت بوس.
كنا مزهوين بالانتصار خاصة بعد كسر الحصار، وفتح طريق صنعاء/ الحديدة.
في انقلاب أغسطس دخلت السجن مع كثير من الضباط والجنود بتهمة ضرب صنعاء بالمدافع، واقسم لكم بالله أننا لم نطلق طلقة واحدة على صنعاء.
خرجت من السجن مفصولا من الجيش، فذهبت للعمل مع مقاول في البناء، واشتغلت حارسا، لكن المخبرين والجواسيس ظلوا يحومون حولي، ويضايقونني.
تركت صنعاء إلى المهجر. وبعد انقلاب ١٣ يونيو فكرت في العودة. كنت قد جمعت بعض المال.
سافرت عبر البحر إلى الحديدة.
في اليوم الثالث لوصولي إلى قريتي اعتقلني الأمن اللا وطني، هذه المرة قالوا لي ( أنت مخرب ).
أمضيت سنتاين في الاعتقال نقلوني من سجن إلى آخر. شبعت قهرا وجوعا وضربا وذلا. صرفت مال الغربة في الرشاوي من أجل الإفراج.
خرجت من السجن منكسرا ذليلا، لملمت نفسي، ذهبت لاختبار الثانوية من المنازل، ونجحت، ثم ذهبت للتدريس الإلزامي.
جرت تغيرات وأحداث كنت بعيدا عنها.
في نهاية العام الدراسي ذهبت لأحد السماسرة الذي وعدني بإعطائي منحة دراسية لدولة نفطية مقابل مبلغ من المال. أثناء المعاملة أوشي بي أحد المخبرين، فاعتقلتني الشرطة العسكرية وسلمتني للأمن اللا وطني.
وكانت التهمة جاهزة: ( مخرِّب )، وأضافوا إليها ( شيوعي ).
هذه المرة بلعت سنة في سجون القهر بين تعز وصنعاء.
خرجت من السجن في العام ٧٩ بعد هزيمة عصابة صنعاء على يد جيش الجنوب.
رقدت أكثر من سنة في قريتي على أمل أن ينساني المخبرون وجهازهم.
نسيت أنني كنت أحد أبطال السبعين يوما، لأن الأمر أصبح تهمة تلاحق جنود السبعين يوما.
في أواخر العام ٧٩ ذهبت للدراسة في الجامعة. كان الخوف يطاردني في كل زاوية. غيرت لقبي أكثر من مرة عسى أن أصرف نظر المخبرين عني.
أربع سنوات قضيتها في الجامعة بين الدراسة والخوف.
كنت أنزوي بعيدا، حتى في السكن، وألبس ملابس لا تلفت النظر، وأدعي عدم المعرفة بالأمور.
تخرجت من كلية التربية وعُيِّنت مدرسا في صنعاء المدينة.
كنت أعلم أن ثورة سبتمبر قد انتهت، وأن ما يجري من بهرجات في المناسبات ما هو إلا تلميع لصورة الحاكم وأعوانه.
يوما ما شكاني أحد المنافقين إلى البحث الجنائي فذهبت وارسلوني إلى تعز مصحوبا بعسكري.
مكثت في سجن المحافظة أكثر من أسبوع، وكتبوني التزاما، ثم أطلقوا سراحي.
في تعز اتهموني بتفجير معهد ديني فاعتقلني البحث بتوجيه من الأمن اللا وطني، ثم أطلقتني النيابة بضغط من أحد زملائي الذي أصبح عضوا في مجلس الشورى، ولعدم وجود دليل ضدي.
جاءت الوحدة وصفقنا لها. قلنا يمكن أن تعيد لنا اعتبارنا وحقوقنا، وتعيد الثورة إلى مسارها. قفز اللصوص إلى المقدمة وفجروا الحرب.
الجنود الذين كانوا مفصولين ومسرحين حاولوا العودة، لكن العراقيل وضعت في طريقهم.
أعرف جنودا كانوا معنا في معركة الحصار، اليوم يتسولون المحسنين، وآخرين صفوا في السجون والمعتقلات، أو غيبوا خلف الشمس.
بعد الحرب دخلت سجن الأمن السياسي ( الاسم الجديد للأمن اللا وطني ).
هذه المرة كانت التهمة انفصالي داعم للجنوب!!
بلعت أشهرا في المعتقل مع وجبة تعذيب لازلت أعاني من آثارها.
في الذكرى ٥٩ لبقايا حسرات سبتمبر يحتفل اللصوص والمنافقون نكاية بالشعب؛ يذكرونه بآلامه.
يحتفل اللصوص في الخارج والداخل، وهم ينامون على الدولارات المسروقة من ثروات الشعب، ومن بيع الأرض والعرض والتآمر والعمالة، بينما الشعب يبحث عن اللقمة في براميل القمامة، وينتظر الصدقات من المنظمات اليهودية والصهيونية.
العصابات المرتهنة لازالت تنتج التهم، وهذه المرة يمررون تهمة التحوث على من يريدون.
أنا الجندي السبتمري، الموطف مقطوع الراتب أعيش على ما يجود به الأولاد، وأنام في زاوية أحد المساجد منتظرا فرجا من الله.
الله ..الله يا سبتمبر كم ارتفع باسمك من لصوص، وكم ذل من أحرار !!

قد يعجبك ايضا