21 سبـــتـــــمبر.. ثورة الحرية والاستقلال

 

يحيي الشعب اليمني اليوم العيد السابع للثورة الشعبية التي تفجرت أحداثها في العام 2014م، حين خرج الملايين من أبناء الشعب اليمني وقواه المختلفة في ثورة هائلة أطاحت بحكم الأقطاب السياسية المحكومة بالمبادرة الخليجية وقرار الفصل السابع وسفراء الدول العشر، ووضعت حدا للانهيار الشامل الذي ضرب البلاد منذ توقيع المبادرة الخليجية في أبريل 2011م، وحالة الارتهان الرسمية التي أقيمت حفلاتها الرسمية الصاخبة في الرياض وفي صنعاء خلال تلك الفترة، وأقيم على أنقاضها حكم مستقل بقرار سياسي وأمني وعسكري مستقل لا يخضع لتوجيهات السفراء والجواسيس وأجهزة المخابرات الأجنبية.
في فبراير 2011م خرج الشباب إلى ساحات التغيير وهم يحملون طموحات وأمنيات التغيير إلى الأفضل، لكن الثغرات العميقة في بنية الثورة الشبابية فتحت أبواب الوصاية الدولية التي استحكمت بشدة وانعكست في أشكال من الانهيارات والفوضى الشاملة والأزمات العاصفة، انهيارات عرضت الحياة لخطر يومي يواجهه كافة اليمنيين.
تفشى الإرهاب، وانهار الأمن، تفكك الجيش وانهارت قواه، تلاشت المؤسسات الرسمية واستشرى الفساد وطحنتها الصراعات الحزبية، زادت وتائر الصراعات السياسية والحزبية وتعقدت الخلافات بشكل لم تعد مفهومة آنذاك، الكل ينفذون توجيهات السفير الأمريكي، والكل متصارعون في الوقت نفسه، الوضع المعيشي كان يزداد سوءاً بلا سبب، وصل الحال إلى أن يُصرّح رئيس الحكومة وقتها محمد سالم باسندوة بأن الدولة ستكون عاجزة عن تأمين المرتبات، في وقت كانت موارد النفط والغاز والضرائب والدعم الدولي الهائل والمساعدات والقروض والهبات، وفيما البلاد كانت تعيش ظروفا طبيعية شكلا، لكنها واقعا كانت تشهد حالة مضطربة وغير مستقرة، كان كل ذلك انعكاساً لحالة الارتهان واستلاب القرار، والوصاية المعلنة من قبل أمريكا والدول العشر.
لا ننسى في هذا اليوم، الحالة السياسية التي سادت قبل تفجر أحداث الثورة، وانهيار الأمن، وهوان الجيش وتفككه إلى حد عجزه عن حماية منشآته ومعسكراته ومركز قراره وزارة الدفاع، أما الاغتيالات والتفجيرات والعمليات الانتحارية فقد تزايدت بشكل مروع..

إذ بلغ عدد الضحايا خلال الأعوام 2011- 2014م أكثر من 10 آلاف قتيل، أما الإرهاب فقد ضرب المدن بما فيها صنعاء وانتشر حتى بات تهديدا يوميا، تخريب الخدمات واستهداف أبراج الكهرباء وخطوط النفط، التقطعات والثأرات وتفشي الحروب الصغيرة، كل ذلك كان انعكاسا لحالة الاستلاب التي تعيشها البلاد.
هذا غيض من فيض سنوات الوصاية السوداء، – فحتى مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد خلال عامي 2013-2014م، لم يخل من مؤامرة خارجية تمثلت بجعله منصة لتفكيك اليمن وبعثرة الجغرافيا وتفتيت كيان الدولة، وتحويله إلى تسويق دعائي للتدخلات الخارجية وقرارات الوصاية الدولية، وقد استخدمته السفارة الأمريكية لمزيد من التفكيك وبعثرة القضايا ورسمنة الأزمات وإحكام السيطرة على القرار، لقد وصلت الأمور إلى طريق مسدود ولم تكن أمام اليمنيين أي خيارات حتى شبت فتائل الثورة المباركة، وكانت المخرج الوحيد من كل تلك الأزمات والوضع البائس في انتزاع القرار من أوكار الوصاية الأجنبية والسفارات وإسقاط منظومة الارتهان الحاكمة والعميلة، وتغيير المشهد الكلي ووضع حد لحالة الانهيار الشامل.
والخلاصة..لم تكن ثورة 21 سبتمبر – التي امتدت كفعل ثوري 51 يوما، بدأت من 3 أغسطس حتى 21 سبتمبر 2014م، وتواصلت كاستراتيجيا وخيار إلى اليوم – انقلابا عسكريا أو سياسيا، أو انقضاضا على عاصمة اليمن ولا اجتياحا لمدنها، ولا هي ثورة فئة معينة من الشعب تضررت، ولا عملا عسكريا من الجيش أو الأمن، بل كانت ثورة شعبية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، شارك فيها كل الشعب بالمظاهرات والاعتصامات والإضرابات، الشباب الكبار القبائل والموظفون والعسكريون ورجال الأمن والمدنيون وكل فئات الشعب، وعلى خصوم الثورة الذين وصموها بالانقلاب حينا وبالاجتياح أحيانا أخرى أن يعودوا لمشاهدة أحداث الثورة ومواكبها التي وثقت بالفيديو والصور وبالكتابة وبكل الوسائل.
على مدى سبعة أعوام، شهدت اليمن أحداثا عاصفة، وتعرضت لحرب تحالفية انخرطت فيها كل الدول المعادية من أمريكا إلى بريطانيا والصهيونية والسعودية والإمارات ومرتزقة البلاك ووتر والجنجويد وأحلاف وجيوش عديدة، حاولت دفن الثورة في مهدها، مع ذلك لم يعد الشعب اليمني يواجه الحرب التي تشن عليه فحسب بل ويلعب دورا في الأحداث العاصفة التي اجتاحت المنطقة، وانتقلت الثورة إلى الفعل والتأثير خارج حدود اليمن، حاول خصوم الثورة إجهاضها دون كلل وبشتى أنواع وأشكال الحروب، فماذا كان حصاد الأعوام التي مضت على الثورة المباركة والشعب اليمني والمنطقة؟أين تقدمت وأين أخفقت بحساب الإنجازات الاستراتيجية ؟ يصعب الحديث هنا إذا اعتبرنا الإنجاز بالمقاربات التي يقدمها الخصوم، لكن ميزان الثورة الشعبية 21 سبتمبر يفيض في كفتيه، على دعاوى ومزايدات خصومها المهجرين قسرا.
ولعل النصيحة الأهم التي يمكن توجيهها لخصوم الثورة اليوم تتمثل في دعوتهم إلى الاستفادة من الأحداث التي شهدناها منذ فجر الثورة إلى اليوم، ومقايسة وضعهم البائس جداً والمتردي يوما بعد آخر وهم يفقدون حتى حرياتهم الشخصية في فنادق المهجر، والحال الذي يدعو للتضامن في المناطق المحتلة أيضا، وماذا لو قرروا الانتصار لليمن وانخرطوا جميعا بين جموع هذا الشعب الأصيل وانتصروا لثورته ولم يكونوا مرتزقة ولا عملاء ولا أدوات رخيصة بيد الخارج المعادي.
كفة إنجازات الثورة وافرة، نفوذ الثورة وحضورها السياسي والاستراتيجي بات يمتد إلى خارج اليمن ويؤثر في مسارات القضايا الكبرى وأولها القضية الفلسطينية. خلال فترة العدوان الأمريكي المتواصل على اليمن واجهت الثورة جيوشا ومليشيات وأحزاب وتحالفات دولية وإقليمية تدور في فلك أمريكا والصهيونية، وحققت الثورة انتصارات استراتيجية، لقد تمرست الثورة في خوض الصراعات الكبرى وتمكنت من مواجهة الحروب الكبرى والطويلة على طول الجغرافيا اليمنية الحرة، وهي ماضية اليوم في تحرير ما تبقى من مناطق يمنية محتلة، وستثبت أقدامها أيضاً في كل شبر يمني بقي محتلا حتى اليوم، وستسعيد الجزر والموانئ والثروات والمياه البحرية للشعب اليمني.
كفة العثرات والتحديات والمخاطر الاستراتيجية وافرة في ميزان ثورة 21 سبتمبر اليمانية، فهي منذ عامها الأول واجهت حربا تحالفت فيها الدول والجيوش والمرتزقة والأموال الطائلة والأسلحة الفتاكة، ولا نجهل أن العدوان على اليمن منذ 26 مارس 2015م، يشن بمشاركة رسمية معلنة من 17 دولة على رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا والسعودية والإمارات وإسرائيل وغيرها، علاوة على غيرها ممن تشارك بشكل غير معلن، وصحيح أن الأزمات والتحديات التي تواجهها الثورة هائلة لكن أكلافها أهون مما لو لم تكن الثورة، ومما لو لم ينتزع الشعب اليمني قراره السياسي من أوكار الوصاية الأمريكية.
وفي المدى المنظور الكثير من الإنجازات والكثير منها وتحرر الشعوب عبور طويل يقاس بالسنوات لا بالأشهر والأيام والأحداث، وهي منازلة بالنقاط لا بالضربة القاضية، وثورة الشعب اليمني منتصرة بتأييد الله وعونه.

بقلم /   رئيس التحرير – عبدالرحمن الأهنومي

قد يعجبك ايضا