الثورة نت/
بات من المؤكد أن الفترة الرئاسية للرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي سوف تركز على القضايا الداخلية على اعتبارها من الأولويات القصوى، لا سيما مع اقتراب رفع العقوبات على إيران مع توافق اطراف الاتفاق النووي على العودة للاتفاق الذي تم تعطيله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها دونالد ترامب في 2017.
يدرك الرئيس ابراهيم رئيسي جيداً أن في انتظاره على المستوى الداخلي مهام ثقيلة وملفات كبيرة لن يكون من السهل التعامل معها، خاصة مع ارتباطها بملفات وقضايا خارجية، وقد يكون أعادة ثقة قطاع واسع من الشعب الإيراني في السلطة هو الملف الأكثر حساسية في قادم الأيام.
وبعيداً عن الجدل الدائر في عزوف قطاع واسع من الشعب الإيراني عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية بسبب اقصاء المرشحين الاصلاحيين، يُمكن القول أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه الإيرانيين جراء العقوبات الاقتصادية خلال السنوات الأربع الماضية، والذي ترك نسبة كبيرة يكافحون في سبيل توفير احتياجاتهم الأساسية، بعد أن سجلت الأسعار تصاعداً “غير مسبوق” وصل في بعض السلع والخدمات إلى نحو عشرة أضعاف، مع تراجع كبير في قيمة العملة الوطنية وصل إلى نحو 240 ألف “تومان”للدولار الأمريكي الواحد.
وأمام هكذا وضع كان العزوف عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، ولا سيما شريحة الشباب ( ثلث الناخبين في إيران من الشباب) التي لم تخفي إحباطها من الساسة سواء “الأصلاحيين أو المحافظين” خاصة مع فشل تلك النخب على مدار سنوات من وقف التراجع الاقتصادي وتأثيراته الاجتماعية المؤلمة، بل أن هناك من يعتقد أن أسلوب إدارة الأزمات من قبل الحكومات المتعاقبة قد فاقم من الأزمات وعمق من حالة السخط بين أوساط الشعب الإيراني.
ومع اقتراب تنحي الرئيس حسن روحاني من منصبة في شهر أغسطس القادم، ينتظر الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي تركه مثقلة بالأزمات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والصحية، والسؤال الأهم يتمحور حول الكيفية التي سوف يتعامل بها رئيسي مع تلك الملفات؟، ولا سيما الملف الاقتصادي الذي كان المحور الأول خلال السباق الرئاسي بين مختلف المرشحين، ومما لا شك فيه أن المهمة صعبة في إيجاد المدخل الصحيح للبدء في إصلاح الاقتصاد الإيراني الذي يواجه الأزمة الأصعب منذ قيام الجمهورية الإسلامية 1979، ولم يخفي المرشد الأعلى آية الله على خامنئي ،أن اقتصاد بلاده يعاني من مشاكل خطيرة، منها البطالة والتضخم وانخفاض سعر العملة الوطنية، وفي خطاب للمرشد قبيل الانتخابات الرئاسية، أكد على أن “القضية الرئيسية في البلاد هي الاقتصاد، فيجب متابعتها بجدية، وعلى المرشحين معالجة هذه القضية والتحدث مع الناس وإقناعهم”.
يعلم رئيسي جيداً أنه لم يعد بالإمكان غض الطرف عن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها الإيرانيين، بالإضافة إلى أن مصداقيته على المحك، خاصة أنه وعد بتحسين الاقتصاد المسيطر عليه من الدولة “إلى حد كبير” من خلال مجموعة من التدابير المباشرة مثل خلق مزيد من فرص العمل “مليون وظيفة سنوياً” وتوفير السكن وخفض الرعاية الصحية وبأسعار مقبولة “50%” إلى جانب تأكيده على تضييق الفجوة الاجتماعية القائمة، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية لمختلف شرائح الشعب الإيراني، إضافة إلى منح المواطنيين مبلغاً نقدياً شهرياً يبلغ 4.5 مليون “تومان” إيراني، وعرض قروض قيمتها 5 مليارات “تومان” للأزواج الشباب، مع التركيز على دعم الإنتاج، وزيادة الشفافية، وتقوية الإنتاج وتوجيه السيولة نحوه وتحسين التنسيق الاقتصادي الحكومي.
ولم يغفل رئيسي التأكيد على ان الضرورة توجب إصلاح المنظومة الاقتصادية في سبيل وقف ارتفاع معدلات التضخم (بلغ حوالي 50%”، في حين ارتفع معدل التضخم السنوي للمواد الغذائية إلى 65%) في المرحلة الأولى ومن ثم العمل على خفضها في المرحلة الثانية، للحيلولة دون مزيد من تدهور العملة الوطنية وفقدان القوة الشرائية للمواطن الإيراني.
وينظر عدد من المراقبين الإيرانيين إلى أن وعود رئيسي قبيل الانتخابات والذي تعهد فيها بتشكيل حكومة مثابرة وثورية تكافح الفساد وتسعى لنشر العدالة، يغلب عليها جانب التفاؤل إذا ما قورنت بالواقع وأن تطبيقها من الصعوبة بمكان، مما يجعل منها مجرد وعود انتخابية، خاصة أن العقوبات الأميركية مازالت مستمرة.
وفي هذا السياق يؤكد الخبير الاقتصادي إيرج يوسفي بقوله “إن ما يأتي من الوعود على الورق سيبقى على الورق إلا إذا نفذت، وهناك مسافة كبيرة جداً حتى يتم تنفيذها وعند التطبيق تظهر عقبات خاصة يجب أخذها بالحسبان”، ويضيف يوسفي “أن الاقتصاد الإيراني أصبح مرتبطا إلى حد كبير بقضايا السياسة الخارجية والعلاقات مع الدول الأخرى والعقوبات التي استهدفت خلال السنوات الأخيرة النظام المصرفي والمالي وقطاع النفط وبقية قطاعات التصدير”.
ويتفق الخبير الإيراني، أنه من المستبعد الوفاء بالتعهدات الاقتصادية التي لن ترى النور في حال بقيت إيرادات البنك المركزي عند مستوى 9 مليارات دولار خلال العام الحالي، وربط يوسفي تلك التعهدات بالعودة إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأمريكية حتى تتمكن طهران من بيع نفطها وتحصيل عوائدها.
وفي سياق متصل يؤكد خبراء الاقتصاد في إيران، أن مجمل العقوبات الأمريكية قد فاقم الأزمة الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة، ولكن تلك العقوبات لم تكن المشكلة الوحيدة خاصة مع تراكم المشاكل في البنية الاقتصادية دون حلول جذرية وترافق ذلك مع ضعف واضح في السياسات والأداء الاقتصادي من مختلف الحكومات المتعاقبة، وإلى جانب سوء الإدارة فإن الفساد المنتشر في مختلف الدوائر الحكومية كان مسؤول عن المشكلات الاقتصادية المتراكمة منذ عقود.
ووفقاً لعدد من الخبراء، فإن السياسات الاقتصادية غير الفعالة لحكومة الرئيس حسن روحاني مثلت سبباً رئيسياً في تراجع النمو الاقتصادي وانخفاض دخل الفرد على مدى السنوات الماضية، وتعكس المؤشرات الاقتصادية الحالة المزرية للوضع الاقتصادي الذي ينعكس بدوره على مختلف فئات الشعب الإيراني “البالغ تعداده حوالي 83 مليون نسمة”، وشهد معدلات الفقر زيادة مستمرة خلال العامين الماضين من 11% إلى 16%، لتضيف حوالي 3.7 مليون شخص تحت خط الفقر في البلد.
وهناك من يرجع تدهور الاقتصاد الإيراني إلى مجموعة السياسات المالية والنقدية التي انتهجتها الحكومات الإيرانية وأخرها حكومة حسن روحاني في زيادة المعروض النقدي، حيث اتجهت الحكومة إلى سد عجز الميزانية عن طريق طباعة الأموال، وخلال العام المالي الماضي زاد المعروض النقدي بنسبة 40%، وحسب “عدد من التقارير الاقتصادية” فإن الرقم الإجمالي الحالي يبلغ أكثر من 3 آلاف و300 ألف مليار تومان وأن حجم السيولة يزداد بمقدار ألفي مليار “تومان” في اليوم الواحد.
وفي ظل السياسات الاقتصادية السابقة كان من الطبيعي أن ينعكس ذلك التضخم على العملة الوطنية وهو ما أنعكس بدوره على الواردات التي رفعت من تكاليف المعيشة على المواطنيين الإيرانيين، يشار إلى أن الحد الأدنى للأجر الشهري يبلغ أقل من 30 مليون “تومان” (حوالي 200 دولار)، وكان خط الفقر عام 2010 يبلغ حوالي 10 ملايين “تومان”،وفي عام 2019 كان عند حاجز 25 مليون “تومان” (147 دولار)، في ما ارتفع عام 2020 إلى 45 مليون “تومان” (264 دولار)، ومن الواضح أن انخفاض القوة الشرائية للعملة الإيرانية وارتفاع معدل التضخم، إضافة إلى انخفاض دخل الفرد خلال السنوات الماضية، دفع بملايين الإيرانيين إلى ما دون خط الفقر، وحسب عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام أحمد توكلي “فإن 60% من سكان إيران يعيشون تحت خط الفقر الافتراضي.
لم تقف صعوبات الاقتصاد الإيراني عند هذا الحد ولكن جائحة كورونا فاقمت ذلك مع تسجيل أول إصابة في التاسع عشر من فبراير 2020، وخلال عام ونصف من بداية الوباء العالمي عاشت إيران صعوبات اقتصادية كبيرة خاصة مع تسجيل خسائر فادحة صنفت “حسب عدد من الاقتصاديين” بالأسواء منذ 1979، وأشارت عدد من التقارير الرسمية إلى أن أكثر من 6 ملايين إيراني انضموا إلى صفوف العاطلين خلال فترة الوباء، وأن 70% من العاطلين عن العمل ليست لديهم تغطية تأمينية تمكنهم من تدبير نفقات المعيشة، إضافة إلى تداعيات ارتفاع التضخم وتدهور العملة وارتفاع كلفة المعيشة.
يبقى القول، أن الرئيس الجديد ابراهيم رئيسي لا يملك عصى سحرية من أجل تسوية المشاكل الاقتصادية المتراكمة منذ عقود، ولكن خلفيته وانتمائه للتيار المحافظ قد تسمح له بتجاوز الكثير من العوائق التي لم يكن أن يتجاوزها غيره.
المصدر: مركز البحوث والمعلومات سبأ