لا زالت تداعيات سقوط النظام السوري وتنحي بشار الأسد عن الحكم مختارا أو مرغما وتوجهه لروسيا للجوء الإنساني هو وعائلته محط اهتمام العالم .
التآكل الداخلي للنظام وانهيار معنويات الجيش السوري الذي ظل يقاتل لأكثر من ثلاثة عشر عاما ، كل تلك الأسباب مجتمعة كانت كافية ليدرك بشار الأسد أنه سيخسر المعركة القادمة أن استمر في خوضها وقتال المليشيات المسلحة المدعومة من تركيا وإسرائيل وأمريكا بل وربما يخسر حياته . أما بالنسبة لهجوم المليشيات المسلحة المنطوية تحت راية جبهة النصرة سابقا وحاليا هيئة تحرير الشام فلم تكن جماعة هيئة تحرير الشام أو ما عرفت سابقا بجبهة النصرة سوى القشة التي قصمت ظهر البعير ، لأن تلك الفصائل المسلحة تظل في النهاية مجرد ميليشيات يصعب عليها بل ويستحيل عليها أن تستولى على دولة كاملة في عشرة أيام ، كما ويظل تنظيم النصرة تنظيما إرهابيا وزعيمه أبو محمد الجولانى أو احمد الشرع عنصرا إرهابيا ، ومن المفارقات العجيبة أن أمريكا التي أعلنت دفع مكافأة مجزية قدرت بعشرة مليون دولار لمن يساعد أمريكا ويدلها على مكان الجولاني قد غيرت موقفها اليوم وتفكر ومعها بريطانيا والاتحاد الأوربي برفع اسم محمد الجولاني وجبهة النصرة من قوائم الإرهاب كمكافأة لقائد التنظيم الإرهابي على تمكين إسرائيل من تدمير مقدرات سوريا العسكرية التي قدرها العدو الصهيوني بعد تدميرها بمئات المليارات من الدولارات ، حيث اعترف الكيان الصهيوني أنه دمر اغلب منظومات الدفاع الجوي إن لم يكن كلها ، ودمر إسراب من الطائرات الحربية نوع ميغ ، ومخازن الأسلحة المختلفة بما فيها الصواريخ الباليستية بعيدة المدى ، وأيضا دمر معامل الأبحاث العسكرية ، وغيرها الكثير والكثير من المقدرات والقدرات العسكرية التي بناها النظام السوري على مدار العقود السابقة ، ولا استبعد شخصيا أن تكون إسرائيل وراء تلك الدعوة والمطالبة برفع التنظيم وقائده من قوائم الإرهاب سيما وأن إسرائيل تفكر بتوجيه دعوة رسمية لمحمد الجولاني لزيارة القدس لعقد اتفاق عسكري وسياسي يضمن لإسرائيل مزيدا من الحماية والحصانة القانونية الدولية ويمنحها العديد من الحقوق والامتيازات داخل الأراضي السورية ، لذلك سعت إسرائيل منذ الساعات الأولى لرحيل الأسد عن الحكم لاغتصاب أراضي سورية جديدة في الجنوب السوري وتمددت في الجولان المحتلة واحتلت الجولان بالكامل ، وتريد أن تشرعن اغتصابها واحتلالها للمواقع والمناطق السورية الجديدة بإرغام الجولاني على التوقيع على ذلك الاتفاق الذي ستصيغه إسرائيل بطريقتها وبما يتوافق مع أهدافها ومصالحها ، فإسرائيل كما يعلم الجميع أول الرابحين من خلو سوريا من بشار الأسد جنبا إلى جنب مع تركيا التي تمددت في الشمال السوري أبان النظام السوري السابق وقطمت أكثر من عشرين كيلومترا من الأراضي السورية مستغلة أحداث 2011 م وما يعرف بالربيع العربي ، ثم يأتي الرابح الثالث أمريكا وسرقتها للنفط السوري ، وطالما قد تطرقنا للحديث عن الرابحين من سقوط نظام الأسد فلابد من ذكر الخاسرين وهم ايران وروسيا وحزب الله .
شخصيا ارفض استخدام مصطلح سقوط النظام برحيل أو تنحي أو خلع رئيس أي دولة كائنا من يكون لأننا بذلك نحصر الدولة بكافة هيئاتها ومؤسساتها المدنية والعسكرية والأمنية وكذا مختلف سلطاتها التشريعية والقضائية في شخص رئيس الدولة ، وهذا لا يصح البتة لأن إسقاط رئيس الدولة لا يلزم معه إسقاط الدولة بمختلف سلطاتها والا كانت الجماعة المطالبة بأسقاط النظام جماعة مخربة وهدامة وحريا بالشعب أن يقف ضدها وليس معها ، كما أن ما يدعو للحيرة والاستغراب معا كيفية تعامل الغرب السياسي مع القضايا المصيرية التي تحدث في الوطن العربي على وجه الخصوص ، فمثلا ما حدث في سوريا مؤخرا وحاز على مباركة العالم بأسقاط الأسد ورحيله عن سدة الحكم على الرغم أن بشار الأسد رئيس شرعي ومنتخب انتخاب ديمقراطي ، لو حدث الأمر نفسه في دولة أخرى غير عربية وليس لدول الغرب فيها مصالح لكانت أمريكا ومعها دول الغرب أقاموا الدنيا ولم يقعدوها إلا بعد عودة الرئيس المتنحي أو المخلوع لسدة الحكم، لأن ذلك يعد انقلابا على الديمقراطية التي تزعم أمريكا أنها راعيتها بل وقد يؤدي رفض الغرب السياسي لذلك الانقلاب للتدخل العسكري ضد المنقلبين الخارجين عن النظام والشرعية القانونية الانتخابية ؟!. وما على الشعب السوري أن يعلمه علم اليقين أن وطنهم سوريا تتعرض لمخطط خبيث من قبل ثالوث الشر المتربص بسوريا أرضا وشعبا شرا وان ذلك المخطط معد منذ عقود من قبل الصهاينة والأمريكان والذي يهدف ذلك المخطط إلى تقسيم سوريا لثلاثة اقسام ، القسم الجنوبي من سوريا للصهاينة ، وأما شمال سوريا للأتراك ، والوسط للأكراد ، وربما سيتغير مخطط التقسيم وسايكس بيكو الجديدة لأكثر من ثلاثة أقسام في سوريا ويطال التقسيم اكثر من دولة عربية ، فحلم أعداء سوريا والعرب قد اصبح على مرمى حجر من تحقيقه ، كما وان مخطط التقسيم لن يتحقق إلا بعد تفتيت النسيج المجتمعي السوري الى طوائف متفرقة سنة ، وشيعة، وعلويين، ودروز ، وأكراد ، وإدخال الجميع في اتون صراعات وحروب طائفية طويلة الأمد . والأكيد أيضا أن سوريا وبقية الدول العربية باتت تلك الدول لعبة الأمم، لذا يعيثون بدولة تلو أخرى الفساد والخراب والقتل والنهب لخيرات الشعوب وكل ذلك للأسف الشديد يتم تنفيذه بأيدي بعض أبناء الشعوب العربية المضحوك عليهم تارة باسم الحريات وديكتاتورية الحكام وأخرى باسم حقوق الإنسان وحق المواطن العربي في العيش الكريم في وطنه مع أنهم من أفسدوا حكامنا وهم من يقف اليوم حائلا بيننا وبين المعيشة الكريمة، لأنهم من يسرقون تلك الخيرات ويوعزون لأذرعهم ومرتزقتهم المزروعين في كل دولة بنشر الفوضى وإقلاق السكينة العامة وغيرها من أعمالهم الشيطانية ، وهناك تخاذل بعض قادة الدول العربية وتواطؤهم مع العدو الصهيوني وما سببه من حالة التردي والفوضى والاحتراب الداخلي وعدم الاستقرار السياسي والمعيشي . فالرهان اليوم هو على يقظة الشعوب العربية وإفشال المخطط الأمريكي الصهيوني الرامي إلى تدمير الوطن العربي برمته وتحقيق الفوضى الكبرى ، وتحقيق حلم الصهاينة في إقامة دولتهم الكبرى من النيل إلى الفرات وبما يضمن لهم الهيمنة المطلقة على كل الدول العربية .