أسس ومفاهيم واتجاهات النظرية الأدبية الحديثة

 

خليل المعلمي

صدر مؤخراً كتاب «في نظرية الأدب.. أسس ومفاهيم النظرية الأدبية المعاصرة» للدكتور أحمد العزي صغير، أستاذ اللغة العربية في جامعة الحديدة، ويتكون الكتاب من ستة مواضيع هامة حول اللغة والأدب، ونظرية الأدب، عناصر النظرية الأدبية، والأجناس الأدبية المعاصرة من مذاهب واتجاهات في نظرية الأدب، وكان الموضوع الأخير حول مصطلحات ومفاهيم في نظرية الأدب.
يشير المؤلف في مقدمة الكتاب إلى أن تطور المفاهيم الأدبية وأجهزتها المعرفية والنقدية في العصر الحديث أفرز عدداً من التيارات الفكرية والاتجاهات الفنية بكل ما تحمله من رؤى وفلسفات تموضعت في كينونة الأدب، وأحدثت تحولاً مهماً في مساراته وتطوراً في أشكاله وأدواته، ودفعت به إلى فضاءات رحبة لا سبيل إليها إلا عبر خطوط الضوء المعاصرة التي تشكلت كفنارات باسقة تقود إليه وتنظم حركة السير والتنقل في عوالمه المترامية ذات الحساسية الجمالية والظلال المدهشة بوعي وأمان، منوهاً إلى أن الأدب بأنواعه وأجناسه وأشكاله هو الرحم الذي يحتضن النفس الإنسانية بنوازعها وحالاتها، وهذا الأدب بوصفه ممارسة إبداعية له أسسه وأدواته وشروطه وخصائصه التي تنظم سيرورته وتحفظ هويته.

عناصر النظرية الأدبية
يشير المؤلف إلى أن العلاقة بين الإبداع والنظرية الأدبية قائمة على التحدي والتجاوز المستمر من قبل الإبداع، فالأدب يتجدد على الدوام والنظرية الأدبية تتجاوز نفسها باستمرار، والممارسة النقدية تتجه نحو تأكيد عجز المناهج عن صياغة قوالب قادرة على احتواء جميع أشكال الإبداع الأدبي وفك ألغاز الغموض والتعقيد الذي يلفها، وهذا العجز راجع بالأساس إلى طبيعة الأدب باعتباره كائناً زئبقياً متعدد المظاهر يختزل أبعاد الظاهرة الإنسانية في عمومها، ولما كان الأدب على هذه الدرجة من التعقيد فقد عرفت مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية أحياناً طريقها إليه، فنتج عن ذلك تعدد في طرق فهمه، وتشعب في مناهج دراسته، وعلى العموم فإن هذا التعدد لا يكاد يخرج في معظمه عن أربعة محاور تختزلها علاقة النص بمختلف عناصر الظاهرة الأدبية (المؤلف، القارئ، النص والواقع).
يحاول المؤلف رصد التحول الذي عرفته الدراسة الأدبية، وإبراز المنحى الذي تتجه إليه، وركز في الكتاب على استخلاص التصور الذي يحمله كل اتجاه نقدي عن النص الأدبي وتحديد الحيز الذي يشغله المتلقي ضمن المسار التاريخي للدراسة الأدبية.

نظريات الأدب
يتحدث المؤلف في هذا الجزء عن نظريات الأدب المتعددة ويقوم بتقسيمها إلى قسمين: نظرية الأجناس الأدبية، ونظرية نقد استجابة القارئ، عن الأولى يقول: إن هذه النظرية تشير إلى مبدأ تنظيمي يصنف الأعمال الأدبية تبعاً لأنماط أدبية خاصة من التنظيم أو البنية الداخلية لهذه الأعمال، وتستمد غالبية هذه الأنماط من الأعمال الأدبية الرفيعة التي تتحول تقنياتها وقواعدها ومبادئ تنظيمها وطرائق بنائها بفعل جملة من العوامل الاجتماعية إلى معايير يأخذها الكتّاب بالحسبان عندما ينشئون نصوصهم، ويجعل النقاد من هذه المعايير كذلك منطلقاً في تقويمهم للنصوص التي يواجهونها، كما يحدد بها القراء آفاق توقعاتهم من النصوص عند قراءتها وتقديرها.
واستعرض المؤلف المنظور التاريخي للنظرية، وسلط الضوء على عدد من النظريات الخاصة بالأجناس الأدبية مثل نظرية المحاكاة، نظريات التعبير، نظرية الخلق، نظرية الانعكاس، نظرية التلقي، وعن نظرية نقد استجابة القارئ يشير إلى أنها إحدى نظريات التلقي والتأويل التي زعزعت سلطة المؤلف ونقلتها إلى القارئ ومنها نظرية عمود الشعر والنظرية النقدية.

الأجناس الأدبية المعاصرة
إن الحديث عن الأجناس الأدبية الحديثة يقتضي الحديث بشكل موجز عن أهم الأجناس الأدبية القديمة، وهذا ما قدمه لنا المؤلف في هذا الجزء من الكتاب وذلك بهدف معرفة الأجناس الأدبية المستحدثة في العصر الحديث، فالأجناس الأدبية قديماً وحديثاً نوعان: منظومة ومنثورة فالمنظومة القديمة كانت تشمل الشعر بكل أشكاله التعبيرية المعروفة، أما الفنون النثرية القديمة فكانت تشمل كل فنون النثر العربي (الخطابة، الرسالة، المقامة، الحكاية الشعبية).
أما الأنواع الأدبية في العصر الحديث فهي: (المنظومة وتشمل كافة أشكال التعبير الشعري بأنواعه المختلفة العمودي- الحر- قصيدة النثر، والنوع الثاني المنثورة: وتشمل كل أشكال التعبير الأدبي النثري، الرواية- القصة- القصة القصيرة- الأقصوصة- السيرة- المسرحية).
ولكل جنس أو نوع أدبي خصائصه ومميزاته وحدوده على الرغم من أن بعض النقاد المعاصرين يحاولون إلغاء الحدود الفاصلة بين الأنواع الأدبية الحديثة.

مذاهب واتجاهات
يأخذنا المؤلف في هذا الجزء إلى التعريف بمصطلحات المذاهب والاتجاهات، وأعطى نبذة تاريخية عن المذاهب والاتجاهات الأدبية الحديثة في أوروبا، وبالأخص في عصر النهضة وما بعدها، مقدماً نبذة مفصلة عن هذه المذاهب والاتجاهات وهي: الكلاسيكية (الاتباعية)، الرومانسية (الإبداعية)، الواقعية (الواقعية الجديدة)، الرمزية، الوجودية، الانطباعية، التفكيكية، البنيوية، السريالية، الفانتازيا، وقد بين المؤلف خصائص هذه المذاهب والاتجاهات، وبداية ظهورها وانتشارها، واستخدام هذه المذاهب في قراءة ودراسة النصوص الأدبية، كما تطرق إلى نظرية الفن للفن ومصطلح النقد الجديد.

مصطلحات ومفاهيم
يقدم لنا المؤلف في هذا الجزء من الكتاب عدداً من التعريفات الهامة لعدد من المصطلحات والمفاهيم التي يستفيد منها الباحث والدارس للأدب، وكذا للمثقف العام المهتم بشؤون الأدب، ولا شك أن هذه التعريفات تفيد موضوع الكتاب الأساس وهو نظريات في الأدب، ومن هذه المفاهيم مفهوم الإبداع الذي يعتبر مزيجاً من القدرات والاستعدادات والخصائص الشخصية التي إذا وجدت بيئة مناسبة يمكن أن ترقى بالعمليات العقلية لتؤدي إلى نتائج أصلية ومفيدة للفرد والمجتمع.
أما الأسلوب فيعرفه بأنه طريقة الأداء أو الطريقة التي يعتمدها الأديب لنقل ما في نفسه من معان في عبارات لغوية، فهو صورة لفظية لمعنى ذهني فالأديب أول ما يتصور في ذهنه الأسلوب (المعنى) ثم يترجمه إلى الأسلوب (اللفظ).
ومن المصطلحات التي تطرق إليها المؤلف وتعمق في الحديث عنها: الإشارة، الأصالة، الأسطورة، الرمز، القناع، السرد وعلم السرد، وأوضح التمييز بين الحكاية والسرد والقصة، النص، التناص، الشعرية، الحداثة، ما بعد الحداثة، القارئ، التأويل، الخرافة وغيرها من المصطلحات.
والحقيقة أن هذا الجزء غزير بما يحتويه من مصطلحات أدبية مفيدة للقارئ وللدارس في مجال الأدب والنقد.

الأدب وجمهور القراء
وأخيراً يؤكد المؤلف أن البحث في وظيفة الأدب يعني بيان العلاقة بين الأدب وجمهور القراء أي بيان أثر الأدب في المتلقين، ولا شك بأن الأديب والعمل الأدبي وجمهور القراء، أركان أساسية لوجود الأدب، وإذا انتفى ركن من هذه الأركان انتفى وجود الأدب، لكن الاهتمام بهذه الأركان الثلاثة يدل على أن مهام نظرية الأدب تتداخل مع مهام النقد الأدبي وتاريخ الأدب كذلك، فالناقد لا بد له من الاستناد إلى نظرية في الأدب قبل تعامله المباشر مع النصوص الأدبية.

قد يعجبك ايضا