المناهج التعليمية وحتمية التطوير

 

طيب عيدان

توصيات ومقترحات:
– هناك شبه إجماع من قبل المختصين والخبراء والمهتمين بالعملية التعليمية على سوء المناهج التعليمية الموجودة في العالم الإسلامي وقصورها في تلبية متطلبات الفرد والمجتمع، ولهذا يتوجب تطويرها.
– ما نتج من تداعيات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن ومحاولة الأعداء سلبه وحدته وحريته واستقلاله وثنيه عن أن يكون له موقعه وثقله الإقليمي يستدعي سرعة الارتقاء بالمناهج التعليمية وتطويرها بما يتناسب مع المتغيرات المحلية والإقليمية، ويأتي هذا التطوير كخطوة استباقية وصفعة في وجه العدوان الذي يسعى لشل العملية التعليمية في يمننا الحبيب.
– كشفت الحرب العدوانية على اليمن هشاشة المناهج التعليمية التي لم تستطع أن تخلق جيلاً متسلحا بالعلم والمعرفة وتمكنه من تلبية احتياجات الوطن والمواطن من العلوم والمعارف المعاصرة، وصدق الإمام علي عليه السلام -كما روي عنه- فيما معناه: “علموا أولادكم غير ما تعلمتموه، فإنهم قد خلقوا لزمان غير زمانكم”ما يعني ضرورة تقييم المناهج لتلبي واقع المتعلم والعصر الذي يعيش فيه.
– في ظل الثورة الإعلامية والمعلوماتية التي تميز بها هذا العصر وما ظهر فيه من انفتاح في القنوات الفضائية وسهولة اتصال عبر الانترنت والفضاء؛ صار لزاما على المدرسة ـ المؤسسة التقليدية للتربية ـ أن تواكب هذا كله، وأن تبحث عن سبل تواجه بها الجوانب السلبية للإعلام وتوظف الجوانب الإيجابية في تعزيز عملها التربوي.
– تشكيل فريق من المتخصصين في كل المجالات لقيادة مَسِيرة تطوير المناهج، على أن تركز جهودها على الاهتمام بشكل كبير بعلوم العصر، كالرياضيات والعلوم والتكنولوجيا منذ المرحلة الأولى إلى المرحلة النهائية.
نموذج من القصور في المناهج: الإسلامية والقرآن الكريم نموذجاً:
– مادة القرآن الكريم: لو قدمنا عملية حسابية للحصص التي يدرسها المتعلم من الصف الأول الابتدائي إلى الصف الثالث ثانوي لمادة القران فقط، لكان الرقم مهولاً، ومع ذلك نجد المخرجات: أن طالب الصف الثالث الثانوي يتخرج وهو لا يجيد قراءة سورة من السور القصيرة، وأنا لا أطالب بزيادة وتكثيف الحصص لمادة القرآن بل أطالب باستغلال الوقت وتقديم منهج عملي يجعل تركيز الجهود لتعليم المتعلم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم، وحسب اعتقادي أن من وضع خطط مناهج القرآن الكريم وضعها وفق خطة غير بريئة ومن المؤكد أنها مقصودة حيث تضمن أن تكون المخرجات على ما هي عليه؛ لأنه إذا تم استغلال هذا الوقت وكان المحتوى مناسباً وتخرج الطالب حافظاً ومجوداً للقرآن الكريم ومستوعباً لمعانيه؛ لما عاد لمدارس التحفيظ أية قيمة تذكر، والغريب لماذا كل هذه المدارس لتحفيظ القرآن وهناك المئات من الساعات التي يقضيها المتعلم طوال مراحل التعليم وهو يَدرُس مادة القرآن الكريم؟
– مادة التربية الإسلامية: لماذا يتخرج المتعلم الذي مكث المئات من الساعات طوال مراحل التعليم ثم لا يستطيع أن يلقي محاضرة ولا أن يخطب الجمعة؟ والأدهى من ذلك، أن خريجي الجامعة (دراسات الإسلامية وقرآن كريم) لا تجد منهم من يتخرج وقد تعلم كيف يلقي خطبة الجمعة، وكيف يؤم المصلين في صلاة الجماعة!! أين يذهب كل هذا الوقت، وأين تذهب كل هذه الجهود؟ لا أجد من إجابة إلا أن هناك سياسة تقف وراء كل هذا العبث بالمنهج، وتهدف إلى أن تظل الخطابة والإلقاء وإمامة الصلاة حكراً عليها دون غيرها.
– التكرار: من يطالع دروس الإيمان مثلاً، يجد أن الدروس في أغلب المراحل لا تتجاوز دروس: (الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره). والسيرة النبوية: الغزوات المعروفة (بدر، أُحد، الأحزاب…إلخ) يتم تكرارها في أغلب المراحل، حتى أن الحديث عنها في كل مرحلة لا يتغير أسلوبه إلا من زيادة بعض فقرات فقط، والاقتصار على الجوانب الرقمية لعدد الجيوش، وتواريخ الأحداث دون الغوص في العوامل والنتائج والغايات والأهداف التربوية والإيمانية الكامنة خلف كل حدث وواقعة.
– الصعوبة: هناك مواضيع أكبر من مستوى الطالب، ويتم تدريسها لطلاب المراحل الابتدائية، فمثلاً: دروس الإيمان للصف الرابع ابتدائي، يتم تدريسهم درسي (توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية والفرق بينهما) بينما هذه العناوين تدرس في الجامعة لمتخصصي الدراسات الإسلامية.
– خلوه من الفائدة: تم حشو المنهج بدروس لا طائل من دراستها، وتعتبر مضيعة للوقت، بل وهناك اختلاف كبير بين المسلمين على صحتها من عدمه، مثلاً دروس الحدود للصف الثالث الثانوي، من رجم للزاني المحصن، وقتل المرتد، وتذهب الأحكام إلى اعتبار (المُنكِر لما علم من الدين بالضرورة) كما يدعون مرتداً، يستتاب 3 أيام ومن ثم يقتل، ونحن نعلم أننا لو طبقنا هذا الحكم لاعتبَر كل مذهبٍ مخالفه مرتداً؛ لأنه منكر لما علم من الدين بالضرورة، لكن بالنسبة لمذهبه ومعتقده.
– ترك الأولويات: ترك أبرز ما يحتاجه المتعلم في حياته العملية منها: قراءة القرآن بالطريقة السليمة- وخلو المنهج من دروس للمتعلمين في تربية الأسرة، والحياة الزوجية مثلاً، حيث نجد من المتعلمين من يتحصن بالزواج بعد الثانوية، دون أن يكون لديه أي ثقافة في الحياة الزوجية وماذا تعني هذه الحياة بالنسبة له وللأجيال اللاحقة.
– تعتمد على الحفظ والتلقين: لا يوجد منهج عملي مثل تعليم الخطابة، وأسلوب الإلقاء، وغيرها من المهارات التي يحتاجها المتعلم في حياتهم العملية؛ مما تسببت في خلق عزلة بين المدرسة والحياة من خلال اهتمامها الكلي بتحفيظ وتلقين المحتوى الذي بدوره يلغي تفكير المتعلم، دون أي مراعات لحاجات المتعلمين وميولهم.
الخلاصة:
إن مواجهة المستقبل لا تتم إلاّ بعقلية معاصرة قادرة على التخطيط السليم والتنبؤ واستشراف المستقبل، واتخاذ القرار المناسب، والتعامل الذكي مع التقنيات المتطورة، واكتساب العلاقات الإنسانية القادرة على التعامل مع الغير، بغض النظر عن أي انتماءات عرقية أو مذهبية أو مهنية أو اجتماعية.
بذهنية ترتقي بصاحبها إلى العالمية، بدلا من الانغلاق وعدم القبول بالآخر، كما ينبغي أن تغرس هذه المناهج قيم التسامح والحرية والعدالة والمساواة في وجدان المتعلم من خلال بيئة مشجعة تحترم كيان المتعلم وإنسانيته، وتتيح له فرصة الانفتاح على عالم البحث والمعرفة.

قد يعجبك ايضا