سقوط 115 مليون شخص في براثن الفقر المدقع بحلول 2021م

2020 ركود اقتصادي غير مسبـوق فـي العــالم

عشرات الشركات العالمية تعلن إفلاسها والآلاف يفقدون وظائفهم
132 مليوناً مقدار الزيادة المتوقعة في حالات نقص التغذية عالميا
إغلاق المدارس يهدد 1.5 مليار من الأطفال والشباب بالجهل والأمية

الثورة / يحيى الربيعي
في مثل هذا الوقت من العام الماضي 2019م لم تكن تعبيرات مثل “الإغلاقات العامة” و”إلزامية ارتداء الكمامة” والتباعد الاجتماعي معروفةً لمعظم سكان العالم، لكنها اليوم صارت جزء من لغة حياتنا اليومية، إذ أن جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) مازالت تؤثر على كل مناحي حياتنا.. ومن خلال هذا التقرير حاول مجموعة من الخبراء والمهتمين بالشأن الإنساني تقديم عرض عن حال البشرية مع أزمة لم يكن لها بحقٍ مثيل:

الفقراء الجدد
على مدار الاثني عشر شهراً الماضية، ألحقت جائحة كورونا أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، وتُنذِر الآن بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر. فبعد عقود من التقدم المطرد في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، سيكون العام 2021م إيذاناً بأول انتكاسة لجهود مكافحة الفقر المدقع في جيل كامل.
كما يُطلق أحدث تحليل تحذيراً مؤداه أن الجائحة أفضت إلى سقوط 88 مليون شخص آخر في براثن الفقر المدقع بحلول العام 2021م، وأن ذلك الرقم هو مجرد قراءة أولية. وفي سيناريو أسوأ الأحوال، فإن هذا الرقم قد يرتفع إلى 115 مليوناً. وتتوقَّع مجموعة البنك الدولي أن تكون أكبر شريحة من “الفقراء الجدد” في جنوب آسيا، تليها مباشرة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. ووفقاً لأحدث نسخة من تقرير الفقر والرخاء المشترك، فإن “كثيراً من الفقراء الجدد يشتغلون على الأرجح في قطاعات الخدمات غير الرسمية، والإنشاءات، والصناعات التحويلية- وهي القطاعات التي تأثَّر فيها النشاط الاقتصادي بشدة من جراء الإغلاقات العامة والقيود الأخرى على الحركة والانتقال.”

النشاط الاقتصادي
لقد كان للقيود التي فُرِضت لكبح انتشار الفيروس، ومن ثمَّ تخفيف الضغوط على أنظمة الرعاية الصحية المُنهكة والضعيفة، تأثير هائل على النمو الاقتصادي. وبعبارة مُبسَّطة، قال إصدار شهر يونيو من تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية: “لقد أحدثت الجائحة أزمة عالمية ليس لها مثيل أفضت إلى أشد ركودٍ شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.” وتنبَّأ التقرير بانكماش الاقتصاد العالمي وكذلك متوسط نصيب الفرد من الدخل هذا العام ليدفع بملايين من الناس في هوة الفقر المدقع.

التحويلات والمهاجرون
جائحة كورونا أحدثت انتكاسة شديدة، حيث خلصت أحدث التنبؤات إلى أن التحويلات المالية ستنخفض بنسبة 14 % بنهاية عام 2021م، وهي نظرة مستقبلية أفضل قليلاً من التقديرات في وقت سابق خلال الجائحة، التي لا تناقض حقيقة أن هذه تراجعات غير مسبوقة. فمن المتوقع أن تشهد كل المناطق تراجع التحويلات المالية، وأن تُسجِّل أوروبا وآسيا الوسطى أكبر تراجع. ومع هذه التراجعات، من المرجح أن تهبط أعداد المهاجرين والمغتربين في عام 2020م – وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث – مع انحسار أعداد المهاجرين والمغتربين الجدد وزيادة أعداد العائدين منهم.
وتقطع هذه التراجعات شريان حياة لكثير من الأسر الفقيرة في البلدان النامية، إذ تحظى التحويلات المالية للمهاجرين والمغتربين بأهمية حيوية للأسر في أنحاء العالم، ومع انحسارها، يخشى الخبراء أن يزداد معدل الفقر، وأن يشتد نقص الأمن الغذائي، وقد تفقد الأسر السبل التي تُمكِّنها من تحمل تكلفة خدمات مثل الرعاية الصحية.

الأعمال والوظائف
في شتَّى أنحاء العالم، تتعرض الشركات- لاسيما المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في بلدان العالم النامية- لضغوط شديدة، إذ أن أكثر من نصفها لم تسدد ما عليها من متأخرات مستحقة الدفع أو من المرجح أن تتخلَّف قريباً عن السداد.
وزاد أكثر من ثلث الشركات استخدام مبتكرات التكنولوجيا الرقمية من أجل التكيُّف مع الأزمة.. ولكن البيانات نفسها نبَّهت إلى أن مبيعات الشركات قد هبطت بمقدار النصف بسبب الأزمة، الأمر الذي اضطر الشركات إلى تقليص ساعات العمل والأجور.
وسيظل رأس المال البشري معرضاً لخطر النقصان بسبب انخفاض مستويات دخل الأسر سواء بسبب فقدان الوظائف أو توقف تحويلات المغتربين، إضافة إلى العديد من العوامل الأخرى المرتبطة بجائحة كورونا.. ومع تراجع مستويات الدخل، ستُضطر الأسر إلى إجراء مفاضلات وتقديم تضحيات قد تضر بالنواتج الصحية والتعليمية لجيل كامل.

الرعاية الصحية
وقبل بدء الأزمة، كان الناس في البلدان النامية يدفعون أكثر من نصف تريليون دولار من مالهم الخاص ثمناً للرعاية الصحية، ويتسبب ذلك الإنفاق في مصاعب وأعباء مالية لأكثر من 900 مليون شخص، ويدفع حوالي 90 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع سنويا، وهي دينامية من المؤكد أنها تضاعفت عشرات الأضعاف بسبب الجائحة وبحسب الرعاية الصحية هي أحد السبل التي تُؤثِّر بها جائحة كورونا على رأس المال البشري للبلدان.

إغلاق المدارس
وقبيل تفشِّي الجائحة، كان العالم يعاني بالفعل أزمة تعلُّم، إذ أن 53 % من الأطفال في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل يعجزون عن قراءة جملة بسيطة عند إتمام دراستهم في المرحلة الابتدائية. وتزداد هذه المخاطر مع إغلاقات المدارس الناجمة عن الجائحة.
وفي ذروة الإغلاقات العامة الناجمة عن الجائحة، فرض أكثر من 160 بلداً شكلاً من أشكال إغلاقات المدارس يهدد ما لا يقل عن 1.5 مليار من الأطفال والشباب بالجهل والأمية.
وقد تمتد تأثيرات جائحة كورونا على التعليم لعدة عقود قادمة، حيث أن من المحتمل أن يفقد هذا الجيل من الطلاب ما يُقدَّر بنحو 10 تريليونات دولار من الدخل أو قرابة 10 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وأن تبتعد البلدان أكثر عن المسار الصحيح إلى تحقيق أهدافها المتصلة بفقر التعلّم – وهو ما قد يؤدي إلى زيادة مستوياته زيادةً كبيرة قد تصل إلى 63 %؛ أي ما يعادل 72 مليون طفل آخر في سن التعليم الابتدائي.
وللتخفيف من هذه الخسائر، وفي محاولة للحفاظ على عملية التعلّم وسط الأزمة، تدرس البلدان الخيارات المتاحة للتعلّم عن بُعد، مع تباين النتائج المترتبة على هذا المسعى. وفي كثير من الأماكن، تتمثل العقبة الرئيسية في ضعف خدمات الاتصال عريضة النطاق بأسعار معقولة.

الاتصالات والنت
إن تجربتهما ليست فريدة من نوعها، إذ أنه في مختلف أنحاء العالم، تُؤكِّد الجائحة والإغلاقات العامة المرتبطة بها أن التواصل الرقمي بات الآن ضرورة لا بد منها. وأصبحت الإنترنت بوابة الوصول إلى الكثير من الخدمات الأساسية مثل منصات الصحة الإلكترونية، والتحويلات النقدية الرقمية، وأنظمة الدفع الرقمي،
لكن، مع أنَّ الجائحة أظهرت الحاجة إلى تعزيز الربط الشبكي، فإنها قد تؤدي في الواقع إلى اتساع الفجوة الرقمية، إذ أن الاستثمارات الخاصة تواجه معوقات، ويجري توجيه التمويل العام إلى الأولويات الملحة للسياسات مثل الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية.

ملايين إضافيون
فضلاً عن التعليم، يتعرض الأطفال من الذكور والإناث أيضاً للمعاناة بسبب الزيادة العالمية في مستويات نقص الأمن الغذائي.
فقد تؤدي الجائحة إلى زيادة العدد الإجمالي لمن يعانون نقص التغذية إلى 132 مليوناً في العالم في 2020م، وذلك وفقاً للتقديرات الأولية عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).

قد يعجبك ايضا