منها أربع مدن تاريخية يمنية

اليونسكو حارس التراث العالمي

 

 

خليل المعلمي

لقد مضت منظمة اليونسكو وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً في تنفيذ الكثير من المشاريع لحماية التراث العالمي حول العالم بدعم من الدول الأعضاء البالغين (187 دولة)، وبالتعاون مع القطاعين العام والخاص، كما انبثق عن المنظمة عدد كبير من المؤسسات المهمة التي تستهدف الحفاظ على التراث وتعد معقلاً للتعاون الدولي، وتكاتف الجهود من أجل الحفاظ على التراث الثقافي.

طريقة الترشيح
ويتم ترشيح المعلم الثقافي أو المواقع التراثية ليدخل ضمن قائمة التراث العالمي من أية دولة وقعت على اتفاقية التراث العالمي، ويجب أن يتضمن الطلب تعيين برنامج الحفاظ على هذا الموقع التراثي.
بعد الترشيح وقبول طلب إدراج الموقع ضمن خريطة التراث العالمي، يتم تصنيفه وتحديد المواقع التي تتعرض للخطر فيه.
وإذا نظرنا إلى مجمل المواقع الثقافية الموجودة في قائمة التراث الإنساني لليونسكو فهي عبارة عن آيات معمارية، مثل قصر فرساي، وتاج محل، أو بقايا أثرية من حضارات بائدة، أو مدن تاريخية مثل مدينة صنعاء القديمة وشبام التاريخية وحاضرة زبيد التاريخية، أو نصب تذكارية مثل “نصب السلام” في مدينة هيروشيما، كما يمكن أن تكون محميات ومتنزهات طبيعية، مثل جبال الألب في سويسرا، أو أرخبيل سقطرى في بلادنا، أو جبل كلمنجارو، أو خليط بين الاثنين مثل حديقة تيكال في جواتيمالا.

إضاءات سريعة
نعلم أن الكوارث الطبيعية والبشرية لها دور بالغ الأثر في تدمير المناطق التي تمثل صفحات من ذاكرة الإنسانية وقد وضعت اليونسكو قائمة للتراث العالمي داخل المناطق المعرضة للخطر والتي بلغت 552 منطقة وأكثر.
في مدينة صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية التي تعد لؤلؤة في عقد العمارة العربية والإسلامية، قامت منظمة اليونسكو ببدء حملة دولية لإعادة إعمار المدينة وإعادة الرونق لحائط المدينة وبعض المباني تحت التنفيذ وذلك في العام 2004م، وفي جزيرة جوري بالسنغال التي استخدمت في القرن الخامس عشر كمحطة لتجارة الرقيق بدأت اليونسكو حملة دولية للحفاظ على تراث هذه الجزيرة وذلك بعد إعلانها منطقة تاريخية من قبل السنغال وضمها لقائمة التراث العالمي.
وفي النيبال حيث يغطي وادي كاتمادندو مساحة 570 ميلاً مربعاً ويتراوح ارتفاعه بين 1200 و1500متر ويتوسط دولة نيبال، اتخذت هذه المنطقة لقرون عدة مقراً للأسرة المالكة، وما زالت فيها آثار تلك الأسر من قصور ومعابد وأديرة، وقد بدأت منظمة اليونسكو حملة دولية للحفاظ على 132 أثراً في وادي كاتماندو.
أما مدينة إسطنبول بتركيا فقد بدأت اليونسكو حملة تمت على مرحلتين بتكلفة ثلاثة ملايين دولار أمريكي لحماية الأماكن التاريخية والآثار بإسطنبول وتضمنت المرحلة الأولى ترميم أسوار المدينة وأحياء المنطقة المحيطة وكذلك منطقة السليمانية التاريخية وإصلاح وصيانة قصر طوب كابيه سراي وآيا صوفيا إلى جانب أجزاء من قصر بلديز، وتضم المرحلة الثانية ترميم عدد من المناطق الأخرى.

حماية الممتلكات الثقافية
هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تعتمد عليها منظمة اليونسكو ومن خلالها تجدد نفسها، وبعد اتفاقية حماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح (اتفاقية لاهاي البروتوكول الأول 1954م، البروتوكول الثاني 1999م)، واتفاقية التدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة 1970م، واتفاقية حماية التراث الثقافي والطبيعي 1972م، تبني المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم في جلسته الختامية لدورته الحادية والثلاثين باريس 2001م اتفاقية التراث المغمور لتبادل التكنولوجيا والمعلومات حتى يتم توفير أقصى سبل الحماية لهذا النوع من التراث.

شركاء لليونسكو
بالتنسيق مع اليونسكو، هناك العديد من البرامج للحفاظ على الآثار وإدارتها في عدد من مناطق العالم، ويشارك في هذه البرامج الكثير من المعماريين وعلماء الآثار الذين يركزوا على دعم المناهج العلمية والتنظيمية للحفاظ على التراث المعماري ونشر الوعي المؤسسي لسياسات الحفاظ على التراث وإدارة الهياكل المعماري، ويساهم البنك الدولي في دعم التجارب الثقافية ومنها صناديق الحفاظ على الآثار.
وهناك العديد من المنظمات الدولية مثل المجلس الأوروبي الذي أنشئ عام 1949م وهو محور التنمية المستديمة لإنعاش وحماية البيئة والتراث الثقافي، وهناك الصندوق العالمي لحماية الآثار الذي أسسته مجموعة من المعنيين بحماية الآثار في سنة 1965م وقد ساهم كمؤسسة خيرية غير ربحية في أكثر من 165 مشروعاً في 52 دولة.
وكذلك مؤسسة “سميثسونيان” وهي أضخم مجمع للفنون والعلوم والمعارض في العالم، ومقتنياتها من روائع الفنون والعلوم والتاريخ أكثر من 137مليون قطعة ونموذج، وقد اشتركت في أحد مشاريعها مع حكومة غانا لتجديد قلاع الساحل القديمة واستخدام تلك المناطق التراثية كمتاحف، كما تدعم مؤسسة سميشونيان أيضاً المهرجانات الشعبية بتسجيل تراثها الحي وتوثيقه.
وتقوم مؤسسة الآغا خان للثقافة بدور مماثل من خلال ثلاثة برامج كبرى هي جائزتها للعمارة التي نستلهم منها البيئة المعمارية المحلية في تشييد عمارة نموذجية وبرنامج التعليم والثقافة وبرنامج دعم المدن التاريخية التي تواجه حالات من التحضر السريع المهدد لبنيتها التاريخية.

تهديدات
يقول د. إسماعيل سراج الدين في كتاب له عن إحياء المدن التاريخية أنه خلال الثلاثين عاماً القادمة سوف يزداد التعداد السكاني لهذه المناطق الحضرية في معظم أنحاء المجتمع النامي إلى ثلاثة أضعاف العدد الحالي مما سيؤدي إلى زيادة التكدس والازدحام في مدن تحوي تراثاً معماريا عريقاً كالقاهرة وكالكوتا ولاهور، وسيكون لزاما أيضاً وجود فكر واع متطور يتفاعل مع قضايا النمو الحضري المتزايد ويضع حدا له إلى جانب خلق مدن يمكن العيش بها، ولعلها صيحة أخيرة نرفع بها صوتنا لتقوم في منطقتنا العربية مؤسسات ترعى هذا الدور الذي يحتاج إلى شركاء لليونسكو للحفاظ على ذاكرتنا وتراثنا نريد مؤسسات ثقافية تستجيب لنداء هذه الذاكرة لحماية تراث الماضي والاحتفاء بثقافة الحاضر والتخطيط لمستقبل يحترم الخواص الثقافية.

حواضر يمنية
تمتلك بلادنا الكثير من الحواضر والمدن التاريخية وكذا المواقع والمعالم الثقافية التي تعبر عن تاريخنا الإنساني المتجذر في أعماق التاريخ، وكذا المواقع الطبيعية الفريدة والمحميات النادرة مثل أرخبيل سقطرى، وقد تم تسجيل أربع مدن تاريخية في قائمة التراث الطبيعي العالمي لدى اليونسكو وهي كالتالي:
مدينة شبام التاريخية وقد تسجيلها في العام 1982م، تعود مباني المدينة إلى القرن السادس عشر الميلادي وهي أحد أقدم النماذج للتنظيم المدني الدقيق المرتكز على مبدأ البناء المرتفع حيث أنها تحتوي على مبانٍ برجية شاهقة مبنية من الطين.
مدينة صنعاء القديمة وتم إدراجها في العام 1986م، وهي عبارة عن مدينة قديمة آهلة بالسكان منذ القرن الخامس ق.م على الأقل، وبها مبان بنيت قبل القرن الحادي عشر الميلادي. في القرن الأول للميلاد ولا تزال مبانيها شامخة وشاهدة على عظمة الإنسان اليمني.
حاضرة زبيد التاريخية وقد تم إدراجها في قائمة التراث العالمي في العام 1993م، وهي مدينة آهلة بالسكان بناها محمد بن زياد في القرن التاسع الميلادي واتخذها عاصمة لبلاده، تمت إعادة بنائها أكثر من مرة وظلت عاصمة لعدد من الدويلات اليمنية في العصر الإسلامي الوسيط، ويطالها التهديد منذ العام 2000م.
أرخبيل سقطرى وقد تم إدراجها في العام 2007م، وتعتبر موقعاً طبيعياً وأرخبيلاً يمنياً مكوناً من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي 350 كم جنوب شبه الجزيرة العربية، وهناك استيطان حيوي فريد ومميز على الجزيرة بسبب انعزالها.
وبالنسبة للمواقع العربية المسجلة ضمن قائمة اليونسكو لمواقع التراث العالمي فتبلغ نحو 83 موقعاً حتى العام 2019م، احتلت المغرب النصيب الأكبر من مواقع التراث برصيد 9 مواقع.

قد يعجبك ايضا