إيضاح وبيان في مقاطعة بضائع دول العدوان

 

عدنان الجنيد

– مناقشة أدلة المجوزين لشراء بضائع ومنتجات دول العدوان :
إن المجوزين لشراء بضائع ومنتجات دول العدوان يستدلون على صحة ادّعائهم بقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ..)[ المائدة : 5]، وشاهدهم في هذه الآية ( وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم ) ، فأمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا ، و….. هؤلاء هم أهل الكتاب ( يهود ونصارى ) ، ثم قالوا : إذاً فقد أحلّ الله لنا أكل وشرب كل ما نستورده منهم من المأكولات والمشروبات!!..
ثمّ يدعمون ادّعاءهم -أيضاً- بقولهم : إن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لم يقاطع اليهود الذين كانوا في المدينة ، فقد رهن درعه عند يهودي مقابل الطعام ، وأنه – صلى الله عليه وآله وسلم – عامل يهود خيبر على الشطر مما يخرج من زروعهم وثمارهم، وأنه – صلى الله عليه وآله وسلم – استسقى فسقاه يهودي.. وغيرها من الأحاديث التي تذكر أن رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – أكل من طعام اليهود أو استضافوه عندهم .. اه.
قلتُ : كل ما استدلّ به المجوِّزون لشراء بضائع ومنتجات دول العدوان تدحض حججهم الواهية وزيف ادّعائهم آيةُ واحدةُ في كتاب الله تعالى وهي قوله :(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[ الممتحنة 9].
فالله تعالى في هذه الآية الكريمة نهى المسلمين عن الإحسان والمعاملة بكل صورها، وعن الموالاة -قولية كانت أو فعلية ظاهرة أو باطنة- للذين قاتلوا المسلمين وحاربوهم في دينهم، وأخرجوهم من ديارهم، وساعدوا على إخراجهم، وإذا كان كذلك، أليس شراء بضائع ومنتجات دول العدوان يُعَدُّ صورة من صور الموالاة والمعاملة الحسنة ؟!..
أليس ذلك يُعَدُّ بمثابة دعمٍ ومساعدة لهم في نمو اقتصادهم ؟!..
وأليست دول العدوان من المحاربين للمسلمين ؟!..
إن مضمون الآية الكريمة يدعونا إلى عداوة دول العدوان، وإعلان نصب هذا العداء لهم، واستخدام كل الوسائل التي من شأنها أن تعود عليهم بالضرر ؛ لأنهم محاربون لنا بكل وسائلهم الخبيثة، أما الإحسان والبر لا يكون إلا للذين لم يقاتلونا في ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا، قال تعالى -قبل الآية الذكر- : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة 8].
إن مشكلة المجوِّزين (بعدم المقاطعة الاقتصادية) أنهم لم يفرقوا بين المحارب وبين المسالم، وكل ما ذكروه من الأدلة إنما تعني المسالمين من أهل الكتاب وليسوا المحاربين، فطعام أهل الكتاب (غير المحاربين لنا)، وكذلك اليهودي الذي رهن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- درعه عنده مقابل الطعام كان مسالماً ولم يكن محارباً أو عدائياً، وكذلك الذي سقاه..
بل وكل الأحاديث التي تحكي إن النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أكل عند يهودي، أو استضافه يهودي على طعام، إنما يقصد بهم المسالمون لا المحاربون له صلى الله عليه وآله وسلم ..
وكل هذا على فرض صحة الأحاديث التي استدلوا بها، مع أننا قد ناقشنا وأثبتنا -سابقاً- عدم صحتها في بحثنا الموسوم بـ ” موقف الدين من المنبطحين المطبعين ” ، ناهيك عن نقاشنا المستفيض لعلماء التطبيع عن قولهم : “إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- عامل يهود خيبر على الشطر مما يخرج من زروعهم وثمارهم…” فارجع إلى بحثنا المذكور آنفاً حيث قد فضحنا تلاعبهم، وفنّدنا حججهم، وسأكتفي -هنا- بتعليقٍ مقتضبٍ على قولهم: “إن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – لم يقاطع اليهود الذين كانوا في المدينة”..
فأقول : نعم لم يقاطعهم في بداية الأمر؛ لأنه -صلى الله عليه وآله وسلم- عند وصوله إلى المدينة عقد معهم وثيقةً على التعايش السلمي وعلى التناصر، لكنهم بعد أن نقضوا العهود والمواثيق ، ونصبوا له العداء، وحاكوا المؤامرات ضده وضد المسلمين، بل وحاولوا اغتياله وتحالفوا مع المشركين على قتاله، عند ذلك قاطعهم النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لاستطارة شرورهم ، فكان لابد للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يتخذ منهم موقفاً صارماً، لهذا حاصرهم وقاطعهم وقطع أشجار ونخيل بني النضير لضرب اقتصادهم الذي كان يشكل لهم العمود الفقري لقواهم ..
وكذلك حاصر بني قريضة وحكم فيهم حكم الله، وأجلى بني قينقاع قبل بني النضير ، ولم تأتِ نهاية السنة الخامسة إلا وقد تم إجلاؤهم جميعاً من المدينة وضواحيها .
•الخلاصة : مما سبق طرحه يتضح لكل ذي لُب تلاعب المجوِّزين بالنصوص، وأن استدلالهم كان في غير محله ..
ومن أراد المزيد فليرجع إلى بحثنا المذكور آنفاً ففيه الكفاية .
وأما قوله تعالى :(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ..)[ المائدة : 5]
فأقول : إن المراد بأهل الكتاب هنا هم المتمسكون بكتابهم والمعترفون بنبينا- صلى الله عليه وآله وسلم- وهم قلة جداً، ويجوز أن يكون المراد بهم الذين أسلموا، كما سيأتي لاحقاً..
وأما اليهود الذين كانوا في عصره -صلى الله عليه وآله وسلم- والذين حاربوه، فهؤلاء هم التيار المنحرف من أهل الكتاب، وهم امتداد لأسلافهم المنحرفين عن نهج موسى وعيسى..
وما يهود اليوم إلا امتداد لأولئك وصورة منهم في حربهم للرسول وللإسلام وللمسلمين ..
(وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)[آل عمران : 110].
فالمؤمنون -كما في الآية- هم المتمسكون بكتابيهم -التوراة والإنجيل- المستقيمون العاملون بما فيهما مما لم يحرف ..
أما الفاسقون من أهل الكتاب فهم اليهود (الخط المنحرف عن أهل الكتاب)، وهم الذين عاقبهم الله، قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ..)[آل عمران : 112]
وسبب عقاب الله لهم هو – كما في نفس، الآية – (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ)[ آل عمران : 112]
ثم بعد هذه الآية بين لنا تعالى صفة المؤمنين من أهل الكتاب، فقال 🙁 لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)[آل عمران : 113-114]
قلت : قال ابن كثير ما نصه :” المشهور عند كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام، وأسد بن عبيد، وثعلبة بن شعبة وغيرهم . أي لا يستوي من تقدّم ذكرهم بالذم من أهل الكتاب ، وهؤلاء الذين أسلموا ..”(1) اه.
قلت : من هذا اتضح أن الذين يجوِّزون أن نأكل طعامهم كما في الآية(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ )، هم المؤمنون من أهل الكتاب، سواء الذين أسلموا -فقد أسماهم الله بما كانوا عليه ، وإطلاق أهل الكتاب عليهم مجازاً باعتبار ما كان كقوله تعالى : { وآتوا اليتامى أموالهم } [ النساء : 2 ] لأنهم صاروا من المسلمين- أو هم الذين تمسكوا بكتابهم وعملوا بما فيه واعترفوا بنبينا – صلى الله عليه وعلى آله- وكانوا مسالمين، أما الذين لم يعملوا بتعاليم كتابهم فلا يحلُّ لنا أكل طعامهم..
فقد رُويَ عن جرير بسنده عن عبيدة عن علي قال : ” لا تأكلوا ذبائح بني تغلب فإنهم لم يتمسكوا بشيء من النصرانية إلا بشرب، الخمر ” ثم قال – ابن جرير -: “وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف)”(2).
وقال الطبري – أيضاً – : ” وهذه الأخبار عن عليّ رضوان الله عليه, إنما تدل على أنه كان ينهى عن ذبائح نصارى بني تغلب، من أجل أنهم ليسوا على النصرانية, لتركهم تحليل ما تحلِّل النصارى، وتحريم ما تُحَرّم، غير الخمر(3).
قلت : ذكر الطبري هذه الروايات أثناء تفسيره للآية التي نحن بصدد الكلام عنها، فالمقصود بالطعام -بنظره وبنظر بقية المفسرين- هو الذبائح، مع أن الطعام يشمل الجميع الذبائح وغيرها مما يدخل في مسمّى الطعام..
المهم أن الشاهد مما ذكرناه سابقاً هو أن النهي عن ذبائح نصارى بني تغلب هو بسبب انحرافهم عن منهج كتابهم وعدم عملهم به .
إذاً فطعام أهل الكتاب لا يحلُّ إلا للذين أسلموا منهم، أو الذين تمسكوا بكتابهم وعملوا به واعترفوا بنبينا سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ولم ينصبوا عداءهم للإسلام ولا للمسلمين.
قلت : لو سلّمنا أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى جميعهم (المؤمنون، والفاسقون، والمسالمون، والمحاربون)، وسلّمنا -أيضاً- بأن الآية (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حلُّ لكم..) إنما تعنيهم ، فإن كلمة (اليوم) في الآية هي بيت القصيد في فهم الآية، إضافة إلى الوضعية التي كان عليها المسلمون عند نزول الآية..
وإليك بيان ذلك :
إن الآية الآنفة الذكر من سورة المائدة، وسورة المائدة من أواخر ما أنزل، فهذا يعني أن سورة المائدة ما نزلت إلا بعد أن تم إجلاء اليهود من المدينة بسنوات، فآخر اليهود الذين تم جلاؤهم من المدية هم بنو قريظة في السنة الخامسة للهجرة..
ووضعية المسلمين -أثناء نزول الآية-كانوا في قوة، وكيانهم كان منيعاً، ولهم الهيمنة على غيرهم..
ناهيك عن أن الإسلام كان في أوج ظهوره، وبالمقابل أصبح أعداؤه اليهود مشردين مقهورين في ذلةٍ وانهيار، وليس لهم كيان يجمعهم..
وفي هذه الوضعية لا يمكن لليهود أن يتجرؤوا على أن يفعلوا شيئاً ضد المسلمين، ولهذا أحلَّ الله للمسلمين أن يأكلوا من طعامهم…
أما اليوم فاليهود لهم كيان كبير، وقد أصبحوا هم الذين يديرون دفَّة اقتصاد العالم، كونهم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة الهائلة التي تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد الأمريكي في أمريكا ودول الغرب في أوروبا وغيرها، فضلاً، عن سيطرتهم على مقدرات الكثير من الشعوب، وهم وراء كل حروب العالم ومشكلاته وفساده..
وأما المسلمون -وبكل أسف- فقد أصبحوا اليوم في ذيل القافلة، وأنظمتهم أغلبها منبطحة ومطبِّعة مع اليهود إما سراً أو علناً..
فكيف بعد هذا -وحالهم كما علمت- أن يأمن المسلمون اليهود بأكل أطعمتهم وأشربتهم وشراء منتجاتهم؟!..
فقد يدسُّون لنا -من خلال أدويتهم وأطعمتهم وأشربتهم الغازية…إلخ- فيها مواد تجعل المسلم يفقد نخوته وكرامته وعزته، وتجعله إنساناً مسلوب الإرادة مفقود الشعور بالمسؤولية..
نعم تلك أعمالهم وأفعالهم الخبيثة التي اعتادوا على فعلها بالكثير من الشعوب المسلمة وغيرها من شعوب العالم، فلديهم خبرات عالية وتقنيات متطورة في نشر الأمراض والأوبئة، وما (كرونا) إلا واحدة من وسائلهم الخبيثة..
إذاً كيف بعد هذا نأمنهم ونشتري سلعهم ونستورد بضائعهم ومنتجاتهم والله يحذرنا منهم قائلاً -وقوله الحق- : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ..)[ المائدة :82].
…….الهامش…..
(1) ” تفسير ابن كثير “[375/1] دار الجيل ، بيروت – لبنان
(2) ” تفسير الطبري “[125/5] قدم له خليل الميس – الطبعة الأولى
(3) ” المرجع السابق”[ الجزء 5 /125-126]

قد يعجبك ايضا