التطبيع مع الكيان الصهيوني وخطره على الأمة الإسلامية

 

فضل الشرفي
التطبيع ببساطة هو جعل ما هو غير طبيعي طبيعياً، ومن هنا دخل هذا المعنى إلى عالم السياسة فصار يقصد به إعادة العلاقات بين دولة وأخرى بعد فترة من قطعها، لأي سبب كان.
لكن المغالطة السياسية في الإعلام الخليجي تسميته “اتفاقية سلام”.
ولنا أن نتساءل متى كانت بين الإمارات وإسرائيل حرب حتى يسمى التطبيع بهذا الاسم؟! وهل للإمارات أو غيرها الحق في التحدث باسم العالم الإسلامي والعربي أو باسم فلسطين؟! وهل يحق لها مسالمة العدو أصالةً أو نيابة عن الآخرين؟!.
أما الصهاينة فيطلقون على هذا الاتفاق اسم “إبراهام” في إشارة منهم إلى نبي الله إبراهيم (ع) أبوالأنبياء من بينهم موسى وعيسى ومحمد (صلوات الله عليهم) وهذا عين التضليل، فلا الإمارات تمثل محمداً وأتباعه ولا إسرائيل تمثل موسى واليهود ولا أمريكا تمثل عيسى والمسيحيين.
وفي الحقيقة فإن العلاقات بين دولة الإمارات والكيان الصهيوني قائمة من قبل هذا الإعلان، وما حدث هو فقط لجعله علنياً وبشكل رسمي وأوسع مما كان وفي كل مجال من بينها التجارة والأمن، كما جاء صريحاً في نص الاتفاق الثلاثي بين الإمارات وأمريكا وإسرائيل.
إن ما فعلته الإمارات جريء جداً وتعدٍ واضح على مبادئ الإسلام وثوابت العروبة؛ لذا فقد عمدت إلى شراء بعض الذمم كمفتي الإمارات الذي صرح في مؤتمر صحفي بأن هذا الاتفاق شرعي، وأورد نفس التبرير الذي أورده أنور قرقاش: إن هذا التطبيع أدى إلى وقف تمدد السيادة الإسرائيلية على مناطق من الأراضي الفلسطينية، وقد فضحهما نتنياهو بقوله: إن خطة ضم الأراضي لن تتوقف على الرغم من التطبيع! بل ادعى مفتي الإمارات أن له تأصيلاً في التراث الإسلامي، مما جعل العلماء من مختلف أصقاع العالم الإسلامي وعلى اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم يفتون بحرمة التطبيع مع الكيان الغاصب، فقد أصدرت رابطة علماء اليمن ممثلة برئيسها العلامة شمس الدين شرف الدين مفتي الديار اليمنية بياناً يحرّم ويجرّم فيه التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأفتى السيد العلامة عدنان الجنيد رئيس ملتقى التصوف الإسلامي بحرمة التطبيع بجميع أشكاله وصوره.
وأصدرت رابطة علماء فلسطين فتوى شرعية بعنوان “حكم الإسلام في التطبيع مع العدو الصهيوني المحتل لأرض فلسطين” وصفت فيها التطبيعَ بأنه “تمكين لليهود من أرض المسلمين وعلى رقاب شعب مسلم وأنه استسلام ونكوص عن الشريعة وتخل عن بعض أحكامها وجريمة في حق الأمة وأجيالها لأن الأرض العربية محتلة والمقدسات مغتصبة والشعب الفلسطيني لم ينل حريته واستقلاله”.
والحق يقال فإن مسألة إبرام أي اتفاقيات مع الكيان الصهيوني قد صدرت فيه فتاوى كثيرة بتحريمه وعقدت مؤتمرات عديدة من كبار علماء الأمة الإسلامية منها: فتوى علماء فلسطين الصادرة عن مؤتمر علماء فلسطين الأول المنعقد في يناير 1935.
وكذلك فتوى الجامع الأزهر في اجتماع لجنته المنعقد عام 1956.
ثم انعقد مؤتمر إسلامي دولي عام 1989، وهكذا توالت ولا زالت تتوالى تلك المؤتمرات والفتاوى التي تحرم بشكل قاطع أي تعامل بشكل إيجابي مع العدو إلى يومنا هذا.
والشارع العربي والإسلامي لم يكن بعيداً عن الحدث سواء كانوا أفراداً أو منظمات أم أحزابا أم قادة حركات مقاومة.
أما على مستوى الحكومات فالسعودية لم تجرؤ على التأييد الرسمي لهذا الإعلان لما يمكن أن تتحمله من تبعات على المستوى الشعبي عربياً وإسلامياً، وخصوصاً في ظل الانهيار العسكري والاقتصادي بسبب تورطها في الحروب المباشرة وغير المباشرة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية التي من أبرزها عدوانها على اليمن من ست سنوات، وإن كان هناك تأييد تحت الطاولة بدليل أن المملكة بنفسها تمارس التطبيع غير المباشر.
وبدليل سماحها لاجتياز طائرة إسرائيلية لأجواء المملكة في رحلتها إلى الإمارات، ونشرت صحيفة “يدوعوت أحرونوت” صحة ما نقله موقع “ميدل إيست آي” قبل أيام عن لقاء مفترض بين ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء للكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وأن ابن سلمان مندفع باتجاه إقامة علاقات علنية ورسمية مع الإسرائيلين وكشفت الصحيفة العبرية أن هناك خلافاً بين الأسرة الحاكمة في هذا الخصوص يضاف إلى سلسلة لا متناهية من الخلافات القائمة بين عدد كبير من الأمراء مع محمد بن سلمان. وليس بخاف على أحد زيارة ضابط المخابرات السابق مستشار الملك سلمان أنور عشقي لإسرائيل قبل سنوات قليلة والتحدث من هناك مصرحاً “التحالف مع إسرائيل ضروري”! علاوة على ذلك فإن الرياض لم تنف تصريحات جاريد كوشنير، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره، التي أكد فيها أن “التطبيع بين إسرائيل والسعودية أمر مفروغ منه”.
ومن الواقفين في طابور التطبيع حكومة السودان الحالية إلا أنها آثرت إعلان الحياد على استحياء حذراً من ردود أفعال الشارع السوداني حيث أعلن حمدوك إثر محادثات مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي وصل الخرطوم في رحلة مباشرة قادمة من إسرائيل: أن حكومته “لا تملك تفويضا” لاتخاذ قرار بشأن التطبيع مع إسرائيل، وأن مهمتها “محددة” باستكمال العملية الانتقالية وصولاً إلى إجراء انتخابات.
وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: إن “على إسرائيل أن تختار بين السلام العادل أو استمرار الصراع” وذكر الوزير في بيان: أن أثر الاتفاق سيكون مرتبطاً بما ستقوم به إسرائيل لاحقاً، وقال: “إذا تعاملت إسرائيل معه كحافز لإنهاء الاحتلال وتلبية حق الشعب الفلسطيني في الحرية والدولة المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس المحتلة على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران 1967، ستتقدم المنطقة نحو تحقيق السلام العادل، لكن إن لم تقم إسرائيل بذلك ستعمق الصراع الذي سينفجر تهديداً لأمن المنطقة برمتها”. وفيه كما لا يخفى القبول بإسرائيل كدولة ذات سيادة شرعية في المنطقة بغض النظر عن المساحة، والقبول بالتطبيع التام مع إسرائيل إذا التزمت بالشرط الذي ذكره!.

بينما رحب بالاتفاق كل من مصر والبحرين
بالنسبة لإيران فقد كانت السباقة كعادتها ضد التواجد الإسرائيلي في المنطقة وضد أي مصالحة أو اتفاقات مع الكيان الصهيوني، وما صرح به قائد الثورة الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي من أن التطبيع الصهيوإماراتي “لن يدوم طويلا” يستحق التأمل، فزعيم بهذا الحجم يُستبعد أن يقول مثل هكذا تصريح بدون استناد إلى معطيات واقعية.
لكن العجب من الموقف التركي الذي هدد بقطع العلاقات مع الإمارات الأمر الذي لم تتخذه إيران نفسها في الوقت الذي يقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان الصهيوني، ولعل الأمر يرجع إلى عداء الإمارات لخط الإخوان المسلمين وعرابهم أردوغان من جهة وللتنافس الاقتصادي بين تركيا والإمارات من جهة أخرى حيث لم يعجب أردوغان استئناف أبو ظبي العلاقات الدبلوماسية مع بشار الأسد، وتخطيطها مع إسرائيل ومصر ولبنان من أجل مد أنبوب لنقل الغاز من الدول الثلاث، وقبرص، إلى إيطاليا، وهو المشروع الذي تم تجميده بسبب انخفاض أسعار الغاز جراء كورونا، وهو يستهدف المشروع التركي لنقل النفط والغاز من ليبيا إلى أوروبا.

دوافع التطبيع ومكامن الخطر
– الانتكاسات السياسية والاقتصادية التي منيت بها الولايات المتحدة مؤخراً جراء سياسات ترامب الخارجية وافتعال الحروب والأزمات في جميع أنحاء العالم وتعاطيه السلبي تجاه كرونا مما سبب خسارات بشرية ومالية هائلة والتعامل غير الموفق مع العنصرية ضد الأمريكيين السود، كل هذا جعل شعبية ترامب متدنية داخلياً وخارجياً إلى حد بعيد، فكان لابد وهو على أعتاب انتخابات رئاسية أن يخلق انتصاراً سياسياً ودبلوماسياً، ومثله نتنياهو الذي كان بحاجة ماسة لتحسين شعبيته.
– كذلك تركيا ليست بمنأى عن المشهد وهي الحاضنة الأبرز لجماعة الإخوان المسلمين والمتصارعة مع الإمارات من ناحية النفوذ والاقتصاد.
– ومن أبرز العوامل والمخاطر لهذا التطبيع، جعل موضع قدم مباشرة لإسرائيل في الأراضي اليمنية، باتفاقات عسكرية وأمنية بين إسرائيل والإمارات التي تحتل جزيرة سقطرى ومضيق باب المندب ومناطق أخرى، وبالتالي فالتطبيع فاضحٌ للعدوان على اليمن.
– ويُتوقع بشدة إمكانية إنشاء قواعد عسكرية إسرائيلية مستقبلاً في الإمارات لقربها من إيران حيث يفصل بينهما مياه الخليج فقط، وهذا يفسر اهتمام إسرائيل بالإمارات اهتماماً كبيراً.
– هذه المشاريع وغيرها تتطلب من إسرائيل إيجاد سوق تجاري ضخم في الإمارات مع الحرية الكاملة لاستثمارات رؤوس الأموال، ويضربون عصفورا آخر وهو مزاحمة آلاف الشركات التجارية الإيرانية في الإمارات ما يؤدي إلى التأثير المباشر على الاقتصاد الإيراني.
– التخوف من تحول اليمن بقيادة أنصار الله من أن يصبح قوة إقليمية كبيرة مما يشكل خطراً وشيكاً على التواجد الإسرائيلي في المنطقة.
– تسريع عجلة تطبيق صفقة القرن التي كانت قد أفشلتها إيران ومواقف حركات المقاومة.
– محاولة تصفية القضية الفلسطينة بشكل نهائي وتكميم الأفواه العربية إزاء ذلك.
– دفع الجزية لإسرائيل مباشرة أو تحت عناوين شراء السلاح وغيره من العناوين.
– إيجاد جسر عبور آمن ممثلاً بالإمارات لتنفيذ مشاريع إسرائيلية قادمة في المنطقة.

قد يعجبك ايضا