الشارع العربي والإسلامي يستنكر ما أقدم عليه النظام السعودي بمنع شعيرة الحج لهذا العام

الحاكم السعودي اصدر فرمانه: بيت الله “مغلق”

المجالس الإسلامية: قرار النظام السعودي بدون تشاور مع العالم الإسلامي يؤكّد أنه ليس مؤهَّلا لإدارة الحرمين
الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين: السعودية لا تستشير وتتصرف بشكل مجحف وكأن الأماكن المقدسة هي حكر للطغمة الحاكمة
صحف أجنبية: السعودية تستخدم “الحج” كورقة سياسية لابتزاز الدول وقرارها احبط ملايين المسلمين
أصوات: تسييس السعودية لـ “الحج” غير مقبول ولابد من إشراك العالم الإسلامي في إدارة هذه الشعيرة

في الـ 12 من فبراير 2019 اعتلى محمد بن سلمان سطح الكعبة، وتجول بخيلاء، بعدها أخذت أمور الأماكن المقدسة منحنيات خطيرة تجاوزت كل الحدود.. لم يثر الأمر حينها حفيظة علماء الدين أو علماء السلطة القاطنين بالقرب من المكان في المساحة الجغرافية للسعودية، على العكس من ذلك جرى استدعاء فتاوى وآراء فقهية اجتهدت في إثبات عدم حرمة ذلك التصرّف الغريب.. لم يتصور أحد أن التجاوز السعودي للتعامل مع المقدسات وحرمتها سيبلغ مستوى منع واحدة من أهم شعائر الله وهو الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام.
لن يقف المسلمون هذا العام على صعيد عرفة لن يهللوا أو يكبروا تكبيرات العيد، لن يصلّوا، لن يرفعوا أكفّهم إلى السماء تضرعا.. لن يطوفوا حول الكعبة سبعة أشواط، ويسعوا بين الصفا والمروة سبعا، ويتوجهوا إلى منى وعرفة، وينحروا الأضاحي، ويحلقون الرؤوس، ويرمون الجمرات، وغيرها من مناسك الحج.
فقد أصدر الحاكم السعودي أمره ورفع (يافطته) على باب بيت الله أمام مرتاديه أن “مغلق”! حتى إشعار آخر.
الثورة / وديع العبسي

سبق الأمر ضبابية وعدم وضوح لاشهر كانت تتصدر خلالها أخبار فيروس كورونا كل وسائل الإعلام المحلية والدولية مهيأة كما يبدو لقرار أرادوا من خلاله إشاعة الحرص على سلامة الحجاج كأولوية حتى إن استدعى الأمر منع الحج لهذا العام دون إخضاع ما استندوا إليه من حجج للدراسة والنقاش.
في ذلك الوقت أيضا – مارس الماضي- علقت السلطات السعودية أداء العمرة حتى إشعار آخر.

التسريب من بريطانيا
ثم في طور آخر بدأ تسريب مسودة الخبر عبر وسائل إعلام دولية ما اعتبره المراقبون بمثابة التمهيد الأولي لقرار من هذا النوع، إذ نقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية منتصف يونيو عن مسئول كبير في وزارة الحج والعمرة السعودية قوله إن بلاده تدرس إلغاء موسم الحج، بعد أن تجاوز عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد 100 ألف شخص.
بعدها بأيام وتحديدا مساءَ الاثنين ٢٣ يونيو أعلنت السلطات السعودية بياناً صادماً هزَّ مشاعر المسلمين في كُـلّ بقاع الأرض، أقرت فيه إقامة حج هذا العام 1441هـ بأعداد محدودة جِـدًّا للراغبين في أداء مناسك الحج لمختلف الجنسيات من الموجودين داخل المملكة، مرجعة ذلك إلى حرصها على إقامة الشعيرة بشكل آمن صحيًا وبما يحقّق متطلبات الوقاية والتباعد الاجتماعي اللازم لضمان سلامة الإنسان وحمايته من مهدّدات جائحة كورونا..

المسلمون يستنكرون
حينها تتابعت البيانات المنددة بهذا القرار، انتقد غالبية الدول الإسلامية والهيئات والمؤسسات الإسلامية حول العالم النهج الأحادي الذي سلكته السعودية في أمر يخص المسلمين جميعا باتخاذها قرار منع الحجاج من خارج السعودية هذا العام من أداء مناسك الحج إلا من أفراد من الداخل السعودي فقط دون التشاور مع الدول الإسلامية بخصوص القرار، فشدد مجلس الجمعيات الإسلامية الماليزي على ضرورة إشراك الدول الإسلامية كافة بمثل هذا القرار، داعيا إلى تشكيل مجلس إسلامي لإدارة المواقع المقدسة في مكة والمدينة. مشيرا إلى أن السلطات السعودية عاجزة لوحدها عن التحضير والاستعداد لموسم الحج.
واستنكر علماء أن ملايين المسلمين لا يملكون أي قرار في تحديد مصير أداءهم الركن الخامس في الإسلام، فالمواطنون المسلمون في دول العالم كافة وحسب تعبير إحدى التناولات “يخضعون لمعادلة تحكم إمكانية سفرهم لأداء الفريضة من عدمه.”
وأبدى العلماء تعجبهم من أن تظل السعودية هي القابض الأوحد على عملية تنظيم الحج، توزّع الحصص بين الدول كيفما تشاء، تحرم منهم من تشاء من زيارة مكة وأداء فريضة الحج، وتميّز من تشاء.. ناهيك عن استغلال الحج لتحقيق مآرب سياسية.

ما كان حري بها
واعتبرت وزارة الأوقاف والإرشاد منع النظام السعودي لفريضة الحج المقدّسة للعام 1441هجرية يمثل عينُ الصَدِّ عن المسجد الحرام الذي حذَّر الله منه في القرآن الكريم وتوعّد عليه بالعقاب.
وقالت الوزارة في بيان لها “كان الأحرى بالنظام السعودي بدلاً من شنِّ الحروب الإجرامية بحق المسلمين، أن يعمل على ترتيبِ إجراءاتٍ صحيحة وسليمة، من شأنها أن توفِّرَ المناخ الملائم لحجاج بيت الله الحرام.
وأشار البيان إلى أن منع الحج والصّد عن المسجد الحرام بعد أن رفعت كثيرٌ من دول العالم بما فيها النظام السعودي قيودَ الحجر الصحي، ويعكس ما يعانيه هذا النظام من التنكُّر لدين الله والمسارعة لمنع ما أمكن من فرائض الله ولو بأوهن الأعذار.
وأوضح البيان بأن خطوة النظام السعودي إلى منع الحج تُرْضي أعداء الأمة وعلى رأسهم الأمريكان والصهاينة وتحقق أجندتهم وأهدافهم كونهم يرّون في شعيرة الحج خطراً يهدد مخططاتهم؛ باعتبارها مؤتمر المسلمين الأعظم، والفريضة التي تعزز وحدة الأمة الإسلامية.
وأردف البيان أن أعداء الإسلام وأمته وعلى رأسهم العدو (الصهيو أمريكي) طالما سعوا عبر النظام السعودي العميل إلى أن يُفْرِغوا الحجّ من محتواه ورسالته، ثم هاهم اليوم يفرغون الحرمين الشريفين من حجاج بيت الله”.
بيان وزارة الأوقاف لفت أيضا إلى أن ما عاناه أبناء اليمن خلال خمس سنوات متتالية من منعهم عن الحج، أصبح اليوم يعّم المسلمين في تسييس واضحٍ لفريضة الحج، وإنه لمن المصادفة أن يأتي الصدُّ في هذا العام، متزامنا مع الذكرى المئوية الأولى لمذبحة الحجاج الكبرى التي ارتكبها النظام السعودي المجرم بحقِّ ثلاثة آلاف حاج يمني، في تنومة وسدوان عام 1341هـ”.
ودعت الوزارة، الدول الإسلامية إلى استنكار هذه الخطوة، والعمل على رفع يدّ النظام السعودي عن المقدسات الإسلامية الذي ثبت فشله في إدارتها، وثبت أنه أبعد ما يكون عن التقوى التي ينبغي أن تكون صفة المتولين عليها.
إلى ذلك شدد بيان وزارة الأوقاف على ضرورة إشراك الدول الإسلامية في إدارة المشاعر المقدسة، بما يتيح جعلها والمسجد الحرام للمسلمين عامة، “سواء العاكف فيه والباد”، لا أن يتحكم فيها النظام السعودي المتولي لليهود والأمريكان.

صد عن المسجد الحرام
وأدانت المجالس الإسلامية في اليمن منع النظام السعودي للحج، والتعطيل لشعيرة الحج المقدسة في هذا العام، معتبرةً ذلك صدًّا عن المسجد الحرام.
وقالت المجالس الإسلامية في بيان لها إن “هذه الخطوة الانفرادية التي اتخذها النظام السعودي بدون تشاور مع العالم الإسلامي تؤكّد أنه ليس مؤهَّلا لإدارة الحرمين”.
وأكدت أنهُ كان هناك وقت كاف لترتيب إجراءات صحية مناسبة واتخاذ بدائل تضمن تفادي انتشار فيروس كورونا بدلا عن منع الحج، مشيرةً إلى أنهُ لا يوجد سبب يفسر تعطيل النظام السعودي للحج إلا أنه نظام يتنكر لفرائض الله ويسارع إلى منع كل ما من شأنه أن يوحد المسلمين.
وأضافت أنه “ليس غريبا أن يعتدي النظام السعودي على الحج والحجيج، فطوال تاريخه المشؤوم قتل كثيرا من الحجاج وصدّ آخرين”، لافتةً أن النظام السعودي منع اليمنيين وشعوب أخرى من الحج لأنهم اختلفوا سياسيا مع هذا النظام أو مع أوليائه الأمريكيين.
ودعت المجالس الإسلامية جميع الشعوب والمنظمات الإسلامية إلى إدانة هذا التعطيل والمنع، والعمل على رفع يد الأمريكيين والصهاينة عن المسجد الحرام.
كما دعت إلى تدويل المشاعر المقدسة وإشراك جميع الشعوب الإسلامية فيها بما يضمن حصول كل مسلم على حقه في الحج والعمرة والزيارة.

دعوة للاستيقاظ
من جهته ملتقى التصوف الإسلامي عبر عن إدانته لما يقوم به النظام السعودي من صد ومنع المسلمين عن بيت الله الحرام تحت مبرر وباء كورونا.
وتساءل الملتقى في بيان له عما إذا كان النظام السعودي الذي يزعم بحرصه المسيس على حياة الحجاج من وباء كورونا ، فأين حرصه على حياة ملايين من أفراد الشعب اليمني، مشيراً إلى ما يقوم به النظام السعودي من مجازر وقصف مستمر منذ ستة أعوام على الشعب اليمني.
وحذر ملتقى التصوف الإسلامي من مغبة الصمت العربي والإسلامي تجاه ما يقوم به النظام السعودي من صد لبيت الله الحرام، قائلا: “إذا ما ظل الصمت مخيماً على أجواء المسلمين واستمرت عيونهم تغض أطرافها عما يفعله النظام السعودي من صده عن بيت الله الحرام فإنه سيتمادى أكثر في تنفيذ أجندات تخدم رغبات وأهواء أعداء الله.
ودعا الملتقى، الشعوب العربية والإسلامية بمعية أنظمتها إلى أن تستيقظ من سباتها العقيم وتصنع لها موقفاً موحداً ضد هذا النظام السعودي (الصهيوأمريكي) المستبد بدلاً عن وقوفهم مكتوفي الأيدي.

السعودية لم ترد!
ممثل الولي الفقيه في شؤون الحج والزيارة الإيرانية حجة الإسلام عبدالفتاح نواب أشار بدوره إلى إن الحج هو لكل المسلمين وليس للشعب السعودي فقط، ولفت إلى انه كان من الأفضل الأخذ بنظر الاعتبار حصة لكل دولة للمشاركة في موسم الحج بدلا من الاقتصار على السعودية.
وفي تصريح أدلى به للتلفزيون الإيراني أشار حجة الإسلام نواب إلى إن عدم إعلان السلطات السعودية المعنية عن أوضاع الحج أدى إلى حالة من التخبط لدى الدول الإسلامية وقال: إن السعودية كانت في كل عام تصدر منذ بدء شهر رمضان بيانا كل 10 أيام مرة ولكن للأسف وبسبب تفشي فيروس كورونا هذا العام لم يكن هنالك إعلام مناسب حول الحج بحيث إننا لم نكن على اطلاع حول مصير الحج.
وأضاف: أنه بسبب جائحة كورونا توقعنا خفض الحصة حتى 20 بالمائة أيضا إلا إن وزير الحج السعودي أعلن تاليا بان الحج ميسر فقط للداخل السعودي.
وصرح ممثل الولي الفقيه في شؤون الحج والزيارة الإيرانية بأنه كان من الأفضل إن توجه السعودية الدعوة للدول المختلفة لاتخاذ قرار جيد في مجال موسم الحج وأضاف: لقد وجهنا في هذا المجال رسالة إلى السعودية قبل نحو شهرين أعلنا فيها استعداد إيران لدراسة أوضاع الحج وصياغة بروتوكولات صحية لجميع الدول إلا إن السعودية لم ترد على هذه الرسالة.
واعتبر إن السعودية مقصرة في مسالة الحج للعام الجاري وقال: إن غالبية أعمال الحج تجري في أجواء مفتوحة ولو كانت السعودية قد قررت خفض حصص الدول لكان بإمكاننا زيادة المسافة التي تبعد بين الحجاج في غرف الإقامة مثلا أو حتى تقليل فترة الحج إلا إن السعودية قصرت ولم تستفد من وجهات نظر سائر الدول حول إقامة أعمال الحج.
وصرح بأن الحج هو لكل المسلمين وليس للمتواجدين في السعودية، وقال، حبذا لو كانت الحكومة السعودية قد دعت المسلمين وفق حصص محددة من سائر الدول لأداء مناسك الحج وليس للمواطنين السعوديين.

طبيعة متوحشة
ومن جانبه أعتبر المكتب السياسي لحركة أنصار الله قرار السعودية “منع الحجيج من خارج أراضيها بأنه غير صائب”. وجاء في بيان نشر في موقع وكالة الأنباء اليمينة “سبأ” أن قرارا “بتلك الخطورة بحجة أن إعلاء النفس من أهم مقاصد الشريعة ذلك أمرٌ لا خلاف فيه؛ لكن الطبيعة المتوحشة للنظام السعودي تُسقط عنه تلك الحجة، وسلوكُه الدموي في حربه العدوانية على اليمن شاهد حي على أن مسألة إعلاء النفس البشرية ليست في قاموس النظام السعودي”.

قرار خطير وغير مسبوق
وبدورها انتقدت “الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين”- التي تضم علماء من جنسيات مختلفة ومقرها بماليزيا – (انتقدت) عبر موقعها الرسمي حصر الحجاج على المقيمين فقط. ونقل الموقع عن عضو مجلس علماء الهيئة في ماليزيا الشيخ عزمي عبد الحامد، قوله إن الرياض “لا تستشير الدول المسلمة وتتصرف بشكل مجحف وكأن الأماكن المقدسة هي حكر للطغمة الحاكمة”، وأضاف الشيخ عزمي عبد الحامد أن “الهيئة الدولية لمراقبة إدارة السعودية للحرمين”، خلصت خلال اجتماع لها إلى “ضرورة إشراك العالم الإسلامي في قرار خطير وغير مسبوق مثل إلغاء الحج لهذا العام.”.

صوت خليجي
وفي تغريدة له على موقع “تويتر” وصف الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة وأستاذ التفسير والحديث بجامعة الكويت، الدكتور حاكم المطيري حصر الحج على المقيمين، بالحج “الصوري”، منتقدا الخطوة السعودية. وقال الدكتور المطيري: هذا حج صوري وتحويل المسجد الحرام إلى متحف وطني لا يزوره إلا من تسمح له الحكومة السعودية! وليس هو الحج الذي شرعه الله بقوله ﴿وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق﴾ وقال ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين﴾.
وقال الدكتور المطيري في تغريدة أخرى: الحج إلى بيت الله الحرام من أركان الإسلام وشعائره العظام دعا الله عباده المؤمنين ليأتوا إليه من كل فج عميق فلا يغلق بينهم وبينه طريق ولا ولاية لبشر عليه فهو بيته العتيق ويحرم منع من جاءه حاجا عن الوصول إليه وقد جعله الله سواء للعاكف فيه القريب والباد عنه البعيد والصحيح والمريض!
ويؤكد الكاتب والمحلل التركي حمزة تكين إن “انفراد الرياض بالقرار سيفتح المجال أمام الأصوات المطالبة بتدويل إدارة الحج”.

السعودية تحبط ملايين المسلمين
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريرا أعدته مجموعة من مراسليها في عدة دول إسلامية، سلطت من خلاله الضوء على تأثير قرار منع الحج على ملايين المسلمين الذين ذهبت خططهم لأداء الفريضة -الركن الخامس من أركان الإسلام- أدراج الرياح. حسب وصف الصحيفة.
وأورد تقرير الصحيفة قصصا لبعض المتلهفين لأداء الحج من دول شتى، ممن كانوا ينوون شد الرحال إلى بيت الله الحرام هذا الموسم، قبل أن يجهض قرار منع الحج لغير المقيمين في المملكة أحلامهم.

تعطل شعيرة “الحج”
وفق منهج علمي إستقرأ أكثر من أربعين مرجعاً ومصدراً علمياً واستشهدت بأحاديث وأدلة شرعية أشارت نتائج دراسة علمية حديثة، جرى تنفيذها في معهد سعودي يحمل اسم (خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة بجامعة أم القرى) إلى عدم تعطل أو انقطاع شعيرة “الحج” أبداً على مدى “التاريخ الإسلامي”.
وذكرت الدراسة أنه بعد استقراء أكثر من أربعين مرجعاً ومصدراً علمياً تتبعت التاريخ الإسلامي كاملاً؛ فإنه يتبين أن الحج لم يتوقف أو ينقطع بالكُلية، وأن غاية ما حصل إما توقف جزئي من بعض البلدان، وإما أوبئة وعوارض صحية أو أمنية حصلت لبعض الحجاج منعتهم من أداء الفريضة، بينما قام بالحج غيرهم.
وبينت الدراسة العلمية، التي أجراها وكيل معهد أبحاث الحج والعمرة للتطوير وريادة الأعمال، الدكتور أيمن بن سالم السفري، أن الحج من الشعائر المشتركة بين الرسالات، وتطرقت لما تقرر لدى أئمة الفقهاء من أن إحياء البيت الحرام، بالحج إليه كل عام، فرضٌ على الأمة على الكفاية، ولا بد في كل عام من وجود عدد من المسلمين تحصل بهم الكفاية يؤدون مناسك الحج، وأوردت في ذلك عديداً من الأدلة منها قول الله تعالى: “جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ”، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسيرها: “قيام دينهم، والذي نفسي بيده لو تركوه -أي الحج- عاماً واحداً ما نوظروا”؛ أي: ما أُمهلوا، ولعوجلوا بالعقوبة، وأثبتت الدراسة أن المؤرخين بيّنوا ما وصل إليهم من أخبار الحوادث التي تعرض لها الحجاج بمكة المكرّمة والطريق إليها عبر التاريخ، وذكروا تفاصيل ما حصل في مواسم الحج من غلاء ورخص، وريّ وعطش ورخاء، ووباء وموت، ومطر وسيول، وحروب واختلال أمن داخل مكة المكرمة، وقطع طريق إليها وتقطع سبل، وما حصل بسبب تلك الحوادث من توقف وصول الحجاج من بعض البلدان في بعض الأعوام، إلا أنه وعلى الرغم من كل ما ذكروه من الحوادث العظيمة والخطوب والفواجع؛ إلا أنه لم يحدث قط أن ترك المسلمون كلهم حج بيت الله الحرام في سنةٍ من السنين، بل بقي البيت محجوجاً مقصوداً كل عام، وحافظ المسلمون على هذه الشعيرة رغم مرورهم عبر التاريخ بحوادث بالغة القسوة، وإذا صار لبعض بلاد المسلمين من الموانع ما يمنع أهلها من الحج قام بالحج القادرون من بقية المسلمين من مكة المكرّمة وسائر الأمصار.
وأخذت الدراسة بأمثلة عديدة منها سنة هجوم القرامطة على الحرم الشريف في موسم الحج، وهي سنة 317هـ التي كان جنودهم يوم التروية يقتلون الحجاج وهم يطوفون فما يقطعهم ذلك عن طوافهم، ونقلت نص المؤرخين على أن الحج في تلك السنة كاد أن يمتنع إتمامه لولا أن بعض الحجاج قاموا بعد الحادثة باللحاق بعرفة وإكمال مناسكهم على أقدامهم.
ولفتت الدراسة إلى دور أهل مكة البارز في ضمان استمرار مسيرة الحج في السنوات التي تعذر على أهل الأمصار بلوغ البيت الحرام.
وبين الباحث أن انقطاع الحج بالكُلية إنما يكون في آخر الزمان، بعد خروج يأجوج ومأجوج، وساق في ذلك عدداً من الأدلة منها قول النبي ﷺ: “لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت”.
الدراسة التي انطلقت من عقر السعودية يؤكد صدورها ومضمونها بأن الحج من أعظم شعائر الدين الظاهرة يتوجب إقامتها في كل عام.

أهداف غير معلنة
ظلت دائما قضية الحج مترافقة مع اشكالات تتسبب بها طريقة تعامل النظام السعودي مع هذه الفريضة الإلهية التي تخص وترتبط بكل المسلمين، الأمر الذي كان يجعلها دائما في موضع الاتهام لتسييس هذه القضية واستغلالها غالبا لتحقيق أهداف سياسية خصوصا مع دول تحسب الأحداث توترا للعلاقة معها كما هو الأمر مع إيران وقطر واليمن.
غالبا ما كان النظام السعودي يستخدم الحج ورقة ضغط سياسية تلوّح بها في وجه خصومها ليقينها بالعاطفة الدينية لدى شعوب هذه الدول تجاه الأراضي المقدسة للضغط عليها.
في مشكلة السعودية مع قطر فوجئ النظام السعودي برفض دول عربية وأفريقية إسلامية اتخاذ خطوات مماثلة لها ومجاراتها في حملتها على قطر، فلجأت بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية إلى تهديد هذه الدول الأفريقية المسلمة الفقيرة بمنع شعوبها من الحج عبر تعقيد حصولهم على تأشيرات دخول، مما اضطر عدداً من الجمهوريات الفقيرة إلى الاستجابة لها، فيما رفض الجزء الأكبر الخضوع للابتزاز عبر ورقة الحج، بحسب تحقيق موسع نشرته “لوموند” في 12 يونيو/حزيران الماضي.. وشرحت الصحيفة الفرنسية كيف أن زعماء الدول التي اضطرت إلى قطع العلاقات مع قطر أو تخفيض مستواها، فعلوا ذلك من دون العودة لا إلى حكوماتهم ولا إلى برلماناتهم.
في ذلك الوقت ظهرت أزمة الحجاج القطريين كثالث أزمة سياسية تفتعلها السعودية في الحج في غضون ثلاث سنوات فقط، إذ تفجّرت أزمة كبرى بين السعودية وإيران على خلفية حادثتي سقوط الرافعة داخل الحرم المكي والتدافع في منى عام 2015 واللتين أدتا إلى مقتل أكثر من 1500 حاج نصفهم من الإيرانيين، الأمر الذي أدى إلى منع الحجاج الإيرانيين من الحج في العام الذي تلاه. كما منعت السعودية أكثر من 5 آلاف حاج يمني بدعوى انتمائهم (للحوثيين) في العام نفسه وهو ما أدى إلى تهديد إيران باللجوء إلى الأمم المتحدة وطلب تدويل الحرم، قبل أن توافق السعودية على الشروط الإيرانية ومنها مرافقة دبلوماسيين إيرانيين لبعثة الحج والمحافظة على أمن الحجاج.
كما منعت السعودية للسنة الثالثة على التوالي الحجاج المنتمين إلى فئة البدون والذين يشكلون أكثر من 10% من الكويتيين، من الحج، وهو ما رأته وزارة الأوقاف الكويتية ظلماً وإجحافاً بحق فئة كبيرة من الشعب الكويتي.
حينها دعت “اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان”، البرلمانات في دول العالم الإسلامي إلى وضع مسألة تسييس الحج على جدول أجندتها لدراستها وتقييمها، واتخاذ موقف صريح من العراقيل الواردة في هذا التقرير والتي تستهدف منع حجاج دولة قطر من أداء فريضة الحج.
ولفت تقرير للمنظمة إلى أن الحكومة السعودية لا تزال تعتبر الحج مكرمة تعطيها من تشاء وتمنعها عمن تشاء، مبيناً أن المملكة لا تتعاطى مع الأمر بوصفه حقاً من حقوق الإنسان الأساسية.
على ذات السياق نتذكر أنه ومع علم الجميع بأن الحج لمن استطاع إليه سبيلا إلا أن النظام السعودي يتدخل باستمرار في هذا الأمر، ومعه لم يعد الحج متاحا لكل من رغب فالسلطات السعودية تحدد حصة كلّ دولة من الدول، الأمر الذي كان يخلق في كل مرة احتجاجات في عدد الدول الإسلامية، لغياب المعايير الواضحة والمحددة خصوصا مع العلم بتكرار حدوث تفاوت لعدد تأشيرات كلّ دولة بين عام وآخر، وهو ما يثير الاحتجاج في بعض الدول، خصوصاً مع مقارنة نفسها بدول أخرى تضم مسلمين أقل ومع ذلك تحظى بعدد أكبر من الحجاج.

غير المسؤولة
التوجه السعودي احيا من جديد المطالب بضرورة اشراك العالم الإسلامي في إدارة الحج، وظهرت أصوات رافضة “انفراد” السعودية بالقرار، ووصفت منظمة الحج والزيارة الإيرانية قرار الرياض بأنه “غير لائق”. وجاء في بيان للمنظمة: “كان من المتوقع أن تسعى الحكومة السعودية إلى الاستفسار عن وجهات نظر الدول الإسلامية الأخرى بطريقة مناسبة، وأن تستفيد من أفكارها لحل هذه المشكلة، التي تلقي بظلالها الآن على العالم بأجمعه”.
وفي حديث لموقع DW عربية وصف الكاتب والمحلل التركي حمزة تكين الخطو السعودية بـ”غير المسئولة” والمعبرة عن “استعلاء السعودية من خلال الاستفراد بالقرار”. وأردف تكين قائلا: “نحن نشجع كل قرار يحافظ على صحة الناس. لكن الانفراد بقرار ما حول الحج سواء كان سلبيا أو إيجابيا يسجل ضد السعودية وليس لصالحها”. ويرى الكاتب التركي أنه “كان ينبغي على الرياض الاستشارة مع كل البلدان الإسلامية قبل القرار”.

هيئة مستقلة
ومع كل تلك الإشكالات يبدو أن الأمر بلغ ذروته لتتعالى في العامين الأخيرين الأصوات المطالبة بفصل إدارة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة عن السعودية، وإسنادها إلى هيئة مستقلة تعمل على تنظيم الحج والعمرة، وتحرص على أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين، وفصل كل العوامل والخلافات السياسية، وهو ما بات يعرف بقضية “تدويل الحج” التي نشأت عقب اتهام عدة دول عربية وإسلامية السعودية بتعقيد إجراءات الحجاج ومطالبتها بعدم تسييس فريضة الحج، إضافة إلى تعالي أصوات بمقاطعة الذهاب لأداء الحج.

انفتاح ينتهك المقدسات
وإلى ذلك أيضا اهتزاز ثقة المجتمع العربي والإسلامي بالنظام السعودي الذي انفتح مؤخرا على سياسات لا تستقيم وقدسية وحرمة الأماكن المقدسة ولذي شهد رفع الحظر عن دُور السينما، وصارت المقاهي تعج بالموسيقى بعد أن كانت تعتبر من الممنوعات، كما فتحت الرياض أبوابها لكثير من شركات صناعة الترفيه العالمية، واستقدام مغنين وفنانين، كان أبرزهم مغنية (الراب) الأمريكية “الإباحية” نيكي ميناج، التي شاركت في مهرجان موسيقي بالسعودية بالتزامن مع موسم الحج، وهو عُد تخليا عن الثوابت الدينية والقيم الإسلامية.
الناشط السعودي تركي الشلهوب تساءل باستغراب عن استضافة فنانة “إباحية” بالتزامن مع وصول الحجاج قائلاً: “أن تأتي بمغنية إباحية، لا يستطيع كثير من الغربيين مشاهدة أغانيها وسماع كلماتها بسبب الإباحية المفرطة فيها، لتغنّي بجوار الحرم المكي، بالتزامن مع بدء وصول الحجاج لأداء فريضة الحج … ماذا يُسمّى هذا؟!”.
كما أن الحوادث المتكررة في الحج أدت أيضاً إلى المطالبة بتدويل الحج، منها مثلاً الحادثة التي وقعت عام 2015، والتي أودت بحياة 717 شخصاً وإصابة ما يقرب من 870 حاجاً، إثر تدافع الحجاج بمشعر منى.

تقرأون في الملف :

همفر والمملكة الوهابية.. خطة بريطانيا لوقف الحج وهدم الكعبة

النظام السعودي يكذب بشأن دواعي منع الحج

العدوان السعودي على فريضة الحج

قد يعجبك ايضا