” تنومة ” مذبحة الماضي وعدوان اليوم

 

عبدالرحمن مراد

من العجائب والنقائض التي عليها أعراب نَجْد أنهم قالوا بنكران ما حدث في الكويت عام 2015م من تفجير لمساجد الشيعة وسارعوا الى القول بالإدانة وشناعة الفعل، في حين ماتزال كلماتهم ترن أجراسها في الآذان وهم يقومون بالتحريض وتمجيد التفجيرات في مساجد الروافض والمجوس ويرون في استهداف الشيعة جهاداً مقدساً، كما أنهم في السياق ذاته تهافتوا على ادانة أحداث سيناء في ذات العام وقالوا بضرورة محاربة الإرهاب، في حين كل الدلائل تشير الى ضلوع أعراب نجد والخليج في دعم وتسليح الحركات الارهابية بكل مسمياتها..
وقد كشف عدوانهم على اليمن الكثير من الحقائق، بل كاد أعراب نجد أن يقتلوا أنفسهم على شاشات قنواتهم التحريضية سَفَهاً وظلماً وهم يتحدثون عن الإبادة الجماعية لسكان اليمن وسكان صعدة على وجه الخصوص كواجب ديني، وذهب أحدهم وهو من مخلوقات الله المسخ خلقاً وفكراً وكان كويتياً – اسمه فهد الشليمي – في إحدى القنوات الى القول : إن تفجيرات الكويت كانت عنتاً وظلماً وكان من المفترض أن يتجه هذا النشاط الارهابي الى اليمن فهم الأحقُّ بالقتل والتدمير، وكاد الرجل المسخ وهو يتحدث أن يقول نحن أبناء الله واحباؤه، وهؤلاء البشر لا قيمة وجودية لهم ويستحقون الموت فالله قد اصطفى أهل نجد والخليج من الأعراب وأهمل من سواهم من البشر، ولا أظنه يستنكف أن يقف يوماً في الفضائيات طالباً من الله أن ينزل عليه مائدة من السماء تكون له ولمن خلفه عيداً، كما أن قتاله لأهل اليمن لا يتجاوز القول والتحريض حتى اذا قيل ادخل المدينة وقُلْ حِطّة قال وهو يهم بالفرار لن ندخلها إن فيها قوماً جبارين، لكنه يفاخر كل الفخر وهو يرسل طائراته كي تقصف الاحياء والمساجد والعمران في اليمن ويهلل ويكبر وهو يسمع أن البارجة البحرية قصفت عطان أو نقم بالقنابل الفراغية والصواريخ والأسلحة المحرمة دولياً، ويبتهج وهو يتحدث عن ذلك الاسلوب القتالي الذي يجعله مستتراً وراء جُدر ويحجبه عن المواجهة الحقيقية، كما كانت العرب تعهد في جميع حروبها القديمة والحديثة، فأخلاق القتال عند العرب المستعربة والعرب العاربة كانت واضحة الدلائل والصفات ولم تكن تحمل هذه الصفات التي بدت عليها الحالة العدوانية النجدية والخليجية على اليمن.
ولا أقول ذلك على وجه الاطلاق ففي ذلك ظلم، بل على وجه التقييد والتخصيص لجماعة بعينها – وهي الوهابية – التي نشأت في ظرف تاريخي للقيام بمقاصد وأهداف بعينها، وشيوع الروح فيها تدل على المؤسس , فالقرآن جامع علوم وقد أوضح لنا صفاتهم ووفقاً للقياس الأعرابي.. البعرةُ تدل على البعير، كما أن الحقد والصلف الذي عليه العدوان لم يكن حقداً عربياً فالعرب لم تعهده ولكنه معهود عند غيرهم، وفي أحداث التاريخ ما يمكن القياس عليه، ولذلك يمكن للمرء أن يقول مطمئناً أن اليمن تواجه عدواً ذا صبغة ثقافية واخلاقية مختلفة لا شبيه لها في التاريخ، وأصبح ممكناً قراءة هذا العدو وتحليله من خلال المرجعيات التي يقول بها كمعيارية وكمحك فهو يدّعي القرآن ويدّعي قداسته ويرى السنة النبوية أكثر قداسة من القرآن في تفاعلاته وله تأويلات عدة ولذلك يقع في التناقض ويبدو أمام الآخر حالة مزدوجة لما يكون عليه من التناقضات والثنائيات، فالفعل المحرم في الكويت مثلاً حلال في اليمن، وإنسان نجد يستحق الحياة وانسان اليمن يستحق الموت، وقتاله للآخر لا يكون إلاّ بالعبوات المتفجرة والأحزمة الناسفة، وهو أبعد ما يكون عن المبادرة والمواجهة، وكل صراعه الذي نعرفه لا يكون إلاّ من وراء جدر أو من حصون منيعة، يخشى المواجهة ويلوذ بالتقية نقلي ونصوصي وسيري لا يرى للعقل والمنطق فضلاً وقد أُمر بذلك، إذا رأى بناءً قائماً هدمه وأخذ حجارته أثافي وأخشابه حطباً، أكثر ميلاً الى الغيلة وأكثر حرصاً على دنيا وحياة، يستغرق نفسه في الترف والملذات والشهوات ويستعذب الفخر والمديح، مستهلك أبداً لا ينتج شيئاً كسول مرتكزه الوجودي المفاخرة في سباق الهجن أو في المزايين، ولأنه لا يستند الى قيمة حقيقية ذات امتداد تاريخي وحضاري وثقافي يعيش فراغاً وفصلاً حضارياً ويعادي الحضارات والثقافات ذات الامتداد التاريخي ويسعى إلى تدميرها كما هو ثابت تاريخياً منذ هدم المآثر الاسلامية في عام 1926م في مكة المكرمة، وصولاً الى حركة طالبان وقصتها مع آثار افغانستان، مروراً بما حدث في العراق وفي تدمر سوريا، وبما يقوم به طيرانهم في اليمن من هدم وتدمير وقصف للآثار والمدن التاريخية والمآثر الحضارية والحصون.
لقد غاب عن أعراب نجد والصحراء المنظومة الأخلاقية العربية فلم يعد للنخوة وللمروءة وللنجدة وللشهامة موضعاً، ولم نرى أخلاق الفرسان ونبلهم في عدوانهم، ولم يؤثر في سيرهم وأخبارهم إلاّ لؤمهم وشهوات دنياهم وترفهم وتقتيرهم.
هذا الواقع الذي نعيشه – من خلال معاصرتنا لعدوانهم على اليمن أرضا وإنسانا وتاريخا وحضارة – هو نفسه الذي تناثرت أخباره في بعض المصادر والوثائق التاريخية عن حادثة قتل ما يربو على ثلاثة الاف حاج يمني وكانت أصوات القتلة – وفق الروايات التاريخية الثابتة – يتردد صداها في الهضاب والاكام وهو يقول : ” اقتلوا المشرج” أي اقتلوا المشرك وهو نفس الشعار اليوم كما مر معنا في السياق ما كان من معتقد في تنومة وكان مبررا لقتل الحجاج هو نفسه اليوم في العدوان على اليمن وفي قتل شعبه قصفا وحصارا وتجويعا وكما دخل الحزن عام 1923م- عام حادثة قتل الحجاج اليمنيين في تنومة – كل قرية في اليمن ها هو اليوم لا تخلو منه أسرة في اليمن في ظل عدوانهم.
ليس لأعراب نجد والصحراء مشروع حضاري.. وسيركضون حين يشعرون ببأس أهل اليمن ويجعلهم الله حصيداً خامدين فقد تواترت حوادث القتل والتدمير ووصل الألم الى كل أسرة ليس في اليمن وحسب بل في الكثير من البدان كالعراق وسوريا ولبنان وباكستان وافغانستان والكثير من الدول ولن يستمر ظلمهم وعدوانهم فالله بما يعملون محيط.

قد يعجبك ايضا