الرباعي ضمير اليمن

أحمد يحيى الديلمي

أحمد يحيى الديلمي
ظل الأستاذ الكبير المرحوم محمد عبدالرحمن الرباعي مسكونا بحب الوطن والريادة والأستاذية في اقتراح الحلول والمعالجات بأفق منطقي عقلاني ينحاز كليا لمصلحة الوطن العليا مهما كانت المشاكل شائكة أو معقدة فانه يرفض الحلول التي تنزلق بالواقع الى مربعات العنف وحلبات إسالة الدماء هكذا فسر سبب خروجه الى السعودية في بداية عقد الستينيات من القرن الماضي مع ما سُمي بالقوى الثالثة التي ضمت عدداً من المشائخ والمثقفين رغم الانتقادات وحملات التشكيك واتهامات كثيرة طالما وجهت اليه توجب الندم، بالمقابل ظل متمسكا بانتمائه لحزب اتحاد القوى الشعبية رغم بشاعة التهم وحملات التخوين التي وجهت اليه لأن المرحوم ابراهيم بن علي الوزير كان أمينا عاما للحزب حيث كانت الملكية والتحضير للانقلاب على النظام الجمهوري أبسط تهم السلطة وأجهزة الأمن ضد الحزب، هذه الهرطقات لم تهز إرادة المرحوم ولم تمنعه عن التمسك بموقفه بل زادته صرامة واصراراً على استمرار الولاء لما يؤمن به.
كان الأستاذ الرباعي يؤمن بسياسة الباب المفتوح لا يضع علامة استفهام إلا على من أظهر صفحته وانزلق الى مجاهل الخيانة العلنية للوطن، عندما انتقدته في منزل الأستاذ المرحوم حسين المقدمي لأنهم عقب اغتيال الرئيس احمد حسين الغشمي تداعوا مع آخرين وظلوا في اجتماع متواصل لدراسة ظروف وأوضاع البلاد والبحث عن مقترحات عملية تجعل البلاد تنعم بالسلام والأمن والاستقرار.
حيث اقتنع الجميع بصواب صياغة مبادرة قرأتها بخط الأستاذ عبدالحميد الحدي قبل الطباعة والتوزيع ورأيت استحالة قبولها لأنها رأت الفصل بين منصب الرئاسة وقيادة الجيش واسناد المهمة الى وزير للدفاع لضمان إشراف الحكومة على الجيش واقتراح خطط عمله وتحركاته وكانت هذه النقطة سبب التوحش عندي لذلك سألت المرحوم بحضور المقدمي: هل تعتقدون أن هذه الوثيقة ستلقى قبولاً ؟ أجاب الأستاذ الرباعي وهو يضحك: لا اعتقد لكنها محاولة للحد من الانقلابات العبثية وتدخل الآخرين في شؤوننا كل شخص يصل الى السلطة فجأة يكون على استعداد للاستماته في سبيل الاحتفاظ بما وصل اليه والتواصل مع كل من يقف الى صفه ويحقق له طول البقاء وإن كان الشيطان بالمقابل يستضعف القوى السياسية في الداخل.
للأسف، الجميع لم يرتقوا الى مستوى المسؤولية مع أن الرئيس الغشمي كان قد ارعبه رد الفعل من اقدامه على تصفية الأستاذ المرحوم سلطان القرشي واستدعى ممثلين عن القوى السياسية لمراضاتها لكنها للأسف خذلت الوطن كل مكون قدح في الآخر لتشويه صورته وقطع الطريق عليه كي لا يكون له علاقة مع الغشمي والبعض اعتبر المقابلة فرصة للحصول على مكانة ونيل نصيب الأسد من المال.
هذه المواقف الهزيلة افزعتني أنا والأخ أحمد الرحومي عندما اسُتدعينا لمقابلته تحدث عن القوى السياسية كما لو أنها جمعيات خيرية تبحث عن مساعدات، مع ذلك عندما عرض علينا فكرة إنشاء مجلس الشعب التأسيسي نصحناه بتمثيل كافة القوى السياسية في المجلس الجديد وقد فعل ذلك ونحن اليوم نعيش أكبر تحد مع الرجل الجديد ما اخشاه أن تتعاطى القوى السياسية مع علي عبدالله صالح بنفس الاسلوب المعلومة، شدني سألته بلهفة: لماذا هل اتفقتوا على أن يكون صالح هو البديل ضحك وأجاب: نعم السعودية حسمت الأمر ومن الأمس بدأ صالح الهديان عملية الكولسة وتوزيع المال على الأعضاء للاجماع على انتخاب الرجل باعتبار ه افضل اختيار أنا بلغته موقفي بصراحة وبالفعل أنا لن اوافق على انتخابه المهم أننا سنسلمه الوثيقة قبل انعقاد المجلس كي نفتح آفاقه على الرؤية الصحيحة لنسبق احتوائه والسيطرة عليه من قبل حملة المباخر ،اذا وجدنا ادنى استعداد للمناقشة سنكون جاهزين لذلك ونرفدها بمضامين كثيرة توضح التفاصيل وتشرح الأبعاد لعلنا نضيف الى عقل الرجل عيناً ثاقبة تحد من انحيازه التام الى الرياض وعندما تتحول الأفكار الى رؤى فإنها تمنع الاحتباس في زوايا الخوف وتحول دون رعشة الارتياب من الفكر المخالف. ، هذا اقل ما نسعى اليه في الوقت الراهن بحسب ما هو متاح كان هذا كلام المرحوم دونته في حينه وكان عند موقفه بالفعل حيث تفرد برفض انتخاب على عبد الله صالح واكتفى المرحوم علي سيف الخولاني بالامتناع عن التصويت، الموقف رغم أن المرحوم نال به شرف العداء المطلق من السلطة إلا أنه تحول الى وبال عليه وبسببه تم نفيه الى هولندا في منصب سفير خلافا لرغبته الذاتية حيث كان يفضل البقاء في مجلس الشعب قريبا من المواطنين البسطاء لينقل همومهم إلا أن المرحوم ظل بنفس الصلابة والحب والنقاء والتضحية في سبيل الوطن وفي فترة لاحقة زاد حضوره ونشاطه بعد انتهاج التعددية السياسية فلقد خرج العمل الحزبي الى النور ووجد المناخ الملائم لأن يمارس دوره في النصح والارشاد وكان له مساهمة كبيرة في إنشاء أحزاب اللقاء المشترك، وفي خضم هذه المعمعة لم يتخل عن دور المعارض الناصح حتى وهو في رئاسة هذا التكتل تمسك بنفس القيم والأخلاق ،قال لي في اتصال هاتفي وهو يطمئن عليَّ عقب اندلاع حرب الحصبة التي اسكن بها (هذه ممارسات طفولية لا علاقة لنا بالمشترك بها يبدو أن العنف عقيدة اخوانية وان تعددت المسميات فهي تلتقي مع القبيلة في كل التفاصيل الموحشة )هكذا كان المرحوم معززا في كل المراحل بالوعي والبصيرة.
إنه ضمير الوطن وكلمة ضمير الوطن لم أكن أنا مصدرها لكني انقلها كما سمعتها من الهامة الوطنية المعروفة الاستاذ الشهيد المغدور جار الله عمر رحمه الله وكان دوما يرفض أي قرار يدعو الى الحرب ويفضل الحوار على لعلعة البنادق لذلك لن اتمكن من ايفاء حقه في هذه العجالة اكتفي بما اسلفت وأعزي أسرته وأصدقاءه ومحبيه واتحاد القوى الشعبية الكيان الذي ناضل فيه طول حياته حتى وافاه الأجل… وإنا لله وإنا اليه راجعون.

قد يعجبك ايضا