إبـراهيم بن علي الوزيـر .. المفكر الإنسان

عبدالله علي صبري

مقال


 - نحن بين يدي شخصية يمانية سليلة أسرة حملت طوال ثمانية قرون متصلة أمانة العلم ومسؤولية الدعوة وقدمت للفكر الإسلامي إضافات يعتز بها فضلا عن أنها ترتبط بمذهب إسلامي لم ينل ما هو جدير به من الاهتمام.
نحن بين يدي شخصية يمانية سليلة أسرة حملت طوال ثمانية قرون متصلة أمانة العلم ومسؤولية الدعوة وقدمت للفكر الإسلامي إضافات يعتز بها فضلا عن أنها ترتبط بمذهب إسلامي لم ينل ما هو جدير به من الاهتمام.
من أعلام هذه الأسرة محمد بن إبراهيم الوزير الذي ولد في رجب عام ( 775هـ) وتوفي عام ( 840هـ) وهو صاحب ” العواصم والقواصم” الكتاب الذي قرب به بين الزيدية والسنة ورد فيه على الذين تحاملوا على الصحابة والمحدثين في رفق و موضوعية.
ووالده الأمير الشهيد علي بن عبد الله الوزير أحد رجالات اليمن وعظمائها عرف بالمروءة والشمم وحماية أحرار الفكر مثل العلامة الشهيد أحمد المطاع و أبو الأحرار اليمنيين الشهيد محمد محمود الزبيري.
إبراهيم بن علي الوزير يصدق عليه القول بأنه المفكر السياسي والفقيه الداعية و الإسلامي الإنسان فله باع في مجالات شتى عاش شبابه بين السجن والتشريد في داخل الوطن كما في الشتات ومنذ نعومة أظافره وهو يعمل وفقا لتفكيره اليقظ باتجاه تخليص وطنه من براثن الظلم والاستبداد سواء في العهد الملكي أو الجمهوري.
إثر فشل الثورة الدستورية عام 1948 وجد إبراهيم الوزير نفسه وإخوانه أمام حقائق مفجعة إذ أعدم الإمام أحمد يحيى حميد الدين والدهم الأمير علي بن عبد الله الوزير وقضى أخوهم الأكبر مشردا في أنحاء المعمورة وقتل خمسة من أعمامهم ثم زج به وببعض اخوانه السجن إلى أن تمكن من الفرار إلى جمهورية مصر العربية.
وسط هذه المحن التي بلغت ذروتها بهدم بيت العائلة في ” بني حشيش بمحافظة صنعاء” ومصادرة أموال الأسرة لم يجد إبراهيم وإخوانه سوى يد أمه الحانية التي سجل مآثرها في كتاب خاص بعنوان ( أم في غمار ثورة ).
يقول الوزير عن أمه:
كانت رضوان الله عليها امرأة لا يجود بمثلها الزمان يعترف لها الأصدقاء والأعداء بحنوها و فضلها وكفاءتها وشجاعتها وكرمها وصبرها وعظمتها فقد كانت كالشمس لا يستطيع أن يعشى عن نورها إنسان.
لم ينكفئ الوزير على مصائبه ليبكي على الأطلال إذ سرعان ما هداه تفكيره إلى تشكيل عصبة الحق والعدالة ليجد نفسه في زنازن السجن إلى جوار أدباء اليمن وعلمائها وأحرارها فتلقى العلوم الشرعية والمعارف الأدبية على يد رجال قلما جاد الزمان بمثلهم بينهم القاضي والرئيس اليمني الأسبق عبد الرحمن الإرياني وأدباء اليمن أحمد المروني وأحمد محمد الشامي وإبراهيم الحضراني.
ولما استقر الوزير في مصر وبالرغم من المعاناة التي لازمته في القاهرة لم يدخر جهدا في سبيل خلاص بلاده فشكل بمعية ثلة من رموز الحركة الوطنية اتحاد القوى الشعبية اليمنية كآلية للنضال السياسي المستند إلى تأييد شعبي يضمن للثورة النجاح والديمومة.
في مصر تعرف الوزير على عدد من أعلام الفكر العربي والإسلامي كالشهيد سيد قطب والمفكر الكبير مالك بن نبي ولاحقا التقى وأثر وتأثر بـ: جمال البنا خالد محمد خالد محمد الغزالي حسين مؤنس أحمد بهجت وغيرهم. وعلى مائدة ” هموم وآمال إسلامية” التقي الوزير بالدكتور مؤنس في حوار مفتوح طاف بماضي الأمة وحاضرها ليستشرف مستقبلها فكان إبراهيم بن علي الوزير- كما يقول عنه المؤرخ حسين مؤنس- من أعاظم مفكري هذه الأمة و من فحول اليمن وأقطابه فقيه علامة مجتهد في شؤون الدين ومن أعظم علماء ومجتهدي العصر وهو زاهد في الدنيا وواهب نفسه للحث على ما ينفع المسلمين.
بعد قيام ثورة سبتمبر 1962 عاد الوزير إلى اليمن ليعمل مع رفاقه الأحرار في خدمة الوطن والجمهورية زاهدا في المناصب مترفعا عنها ليجد الجمهورية وقد غدت طبعة ثانية للاستبداد فلا يتردد في مقاومة الانحراف مستندا إلى حصيلة فكرية ألقاها على شكل محاضرات في المعهد القومي للإدارة وصدرت فيما بعد في كتاب بعنوان: بدلا من التيه.
عمل اتحاد القوى الشعبية خلال فترة الستينات من القرن الماضي باتجاه تصحيح الجمهورية وتمكين الشعب من حقه في الحكم وتقرير المصير وكان للإتحاد إسهاماته المعروفة محليا و دوليا إلى أن استقر النظام الجمهوري مطلع السبعينات واستقر الوزير بالمملكة العربية السعودية فلم يتنازل عن مبادئه المعروفة في مناهضة النظم الملكية والدعوة إلى الشورى والحرية والديمقراطية ملتزما في ذات الوقت بالتجديد في المذهب الزيدي وفي الفكر الإسلامي المعاصر وفي مدينة جده السعودية أصدر كتابه الأهم ” على مشارف القرن الخامس عشر الهجري” إضافة إلى كتابيه ” الإمام زيد جهاد حق دائم” ” الإمام الشافعي داعية ثورة ومؤسس مذهب).

قد يعجبك ايضا