الإسلام دين التسامح والعفو

إن ديننا الإسلامي هو دين العفو والتسامح فرب العباد تبارك وتعالى جعل العفو من صفات المؤمنين فقال تعالى في محكم التنزيل “فمن عفا وأصلح فأجره على الله” الشورى 40 وقال أيضا “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” البقرة 133 – 134 .

وأمر ربنا جل في علاه بالعفو فقال تعالى “خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين” الأعراف 199 “فاصفح الصفح الجميل” الحجر 85 “وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم” وجعل مولا نا العفو أقرب للتقوى فقال تعالى “وأن تعفوا أقرب للتقوى” البقرة 237 ورغبنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في العفو فقال صلى الله عليه وسلم “ومازاد الله عبدا بعفو الاعزا”.
وإن ديننا الإسلامي يحترم بالديانات السماوية الأخرى ويوجب علينا الإيمان بجميع أنبياء الله تبارك وتعالى وكذا الإيمان بجميع الكتب المنزلة من عند الله تبارك وتعالى ومن أهم مجالات الدعوة إلى الله تبارك وتعالى التي يهتم بها الإُسلام بل من أهم وأفضل سبل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى في عصرنا الحاضر “تفعيل التسامح مع غير المسلمين أي الذين يعيشون فيما بيننا كمواطنين أو كمعاهدين أو مستأمنين كمن دخل البلاد بتأشيرة نظامية صادرة من ولي الأمر أو بإذن مباشر من ولي الأمر كالدبلوماسيين والقنصليين والخبراء في مجال السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو التعليم أو دخلوا رتأثيرة سياحية لزيارة معالم بلادنا أو لسياحة تعليمية فالإسلام يقيم العلاقة بيننا وبين هؤلاء على أسس من التسامح والعدالة طالما لم يحاربوننا في ديننا ولم يعتدوا على وطننا.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وتنا في التسامح فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا في هذا الأمر فلم يكتف صلى الله عليه وآله وسلم بمواقفه المتسامحة ولكنه دعا الناس إلى التسامح فهو صلى الله عليه وسلم موصوف في التوراة والإنجيل ببعض صفاته في القرآن الكريم كما في حديث عبدالله بن عمرو بن العاص إنه الموصوف في التوراة والإنجيل ببعض صفاته في القرآن” فهو لا يقابل السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح”.
مواقف النبي صلى الله عليه وآله وسلم العملية هي خير معبر عن سماحته صلى الله عليه وسلم
في غزوة أحد: حفر المشركون حفرا عميقة وقاموا بتغطيتها بورق الشجر فكان أن وقع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حفرة من هذه الحفر فشجت رأسه وكسرت رباعيته وقطعت الشفة السفلى ودخلت حلقتان من حلقات المغفر في وجنته صلى الله عليه وسلم “أي الخوزة الجديد التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضعها فوق رأسه” وتذكر كتب السيرة: أنه لما أراد الصحابة نزع الحلقتين من وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستطيعوا نزعهما بأيديهم خشية أن ينتزع العظم معها فتقدم الصحابي الجليل “أبو عبيدة عامر بن الجراح” رضي الله عنه وأمسكهما حلقة حلقة بأسنانه حتى كسرت أسنانه وهو ينزعهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان سيدنا “علي بن أبي طالب” كرم الله وجهه يأتي بالماء ويصبه والسيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وأرضاها تغسل الدم عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن الدم يسيل بغزارة ولا يتوقف حتى أخذت السيدة فاطمة قطعة من حصيرة فاحرقتها وحشت الجرح برمادها وكان هذا أسلوبا متبعاٍ في الطب وقتها فتوقف الدم.
وفي هذا الموقف الأليم والذي تحترق فيه قلوب المسلمين ألما على نبيهم صلى الله عليه وسلم شاهد أحد الصحابة حالة النبي صلى الله عليه وسلم فأخذته الشفقة فقال يا رسول الله ألا تدعوا على هؤلاء المشركين فقال صلى الله عليه وسلم “لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة”.
فأين نحن من الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم في سماحته حتى مع من آذوه وجرحوه.
يدخل نبينا صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة في شهر رمضان من السنة الثامنة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم يدخل مكة منتصرا وأعداء الأمس الذين قالوا عنه ساحرا شاعراٍ كاهناٍ مجنوناٍ الذين حاصروه هو وصحبه الكرام في شعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات حتى قبل أنهم أي الحبيب المصطفى وصحبه الكرام أكلوا من ورق الشجر الأخضر ويضع صلى الله عليه وسلم حجرين على بطنه من شدة الجوع وحاولوا قتله صلى الله عليه وسلم.
ويدخل مكة وبجواره الصديق رضي الله عنه فتذكر الصديق المكان الذي ضربه فيه كفار مكة عندما كان يدافع عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ضربوه على وجهه وظهره وهو ينزف دما ودافع عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ويدخل الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود الكعبة وراء نبينا صلى الله عليه وسلم ويتذكر المكان والزمان الذي ضربه أبو جهل فيه على أذنه.
وتذكر بلال بن رباح رضي الله عنه يوم أن كان أمية بن خلف يعذبه في رمضاء مكة.
وتذكر الصحابي الجليل خباب بن الأرث بعدما دخل وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما جاء خباب وظهره مشوياٍ ويقول يا رسول الله ألا تستنصر لنا ألا تدعوا لنا وطمأنه رسول الله بنصرة هذا الدين والتمكين له.
أين أهل مكة الذين غذبوا رسول الله الآن قد انهزموا” فوقفوا على الجبال المحيطة بمكة فزعين خائفين مستسلمين.
فقال صلى الله عليه وآله وسلم “ما تظنون أني فاعل بكم” بعدما عذبتموني في مكة ثلاثة عشر عاما وطردتموني وحاولتم قتلى وكانوا يتوقعون أن رسول الله سيقتلهم ويمثل بجثمانهم ولكنه صلى الله عليه وسلم قال لهم “اذهبوا فأنتم الطلقاء” وعفا عنهم صلى الله عليه وسلم فهذا الموقف من الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حري بنا أن نقتدي في به واقع حياتنا وفي كل لحظة من عمرنا.
بل أنه صلى الله عليه وآله وسلم سمح لنصاري نجران أن يؤدوا صلاتهم داخل المسجد النبوي الشريف وبحضوة الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول صاحب عيون الأثر: وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلون فقال صلى الله عليه وسلم دعوهم فصلوا إلى المشرق.
أنهم لا يدخلون المسجد النبوي فقط بل يصلون فيه وفي هذا ما لا يخفى من البر والتسامح وعلق ابن القيم على هذه القصة فذكر منها من الفقه جواز إدخال أهل الكتاب مساجد المسلمين وتمكين أهل الكتاب من صلاتهم بحضرة المسلمين وفي مساجدهم إذا كان ذلك عارضا ولا يمكنون من اعتياد ذلك.
وها هو سيدنا “أنس بن مالك” يروي موقفا عجيبا من مواقف رسول الله صلى الله عليه وأله وسلم فيقول “كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم. فنظر الأبن إلى أبيه فقال الأب لأبنه أطع أبا القاسم فاسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “الحمد لله الذي أنقذه من النار”… فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعمل غلاما يهودياٍ في الخدمة ولا يمتنع عن ذلك ليجعل الحياة مع أصحاب الديانات الأخرى داخل المدينة المنورة حياة حقيقية ثم يمرض هذا الغلام فيذهب رسول الله ورسول الله صلى عليه وسلم ليعوده في بيته فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو قائد الأمة والغلام لا يعدو أن يكون خادما وفي نفس الوقت على غير ملة الإسلام أيحدث هذا في أي بقعة من بقاع الأرض.
ثم أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينس وظيفته الأولى في الدنيا ألا وهي تبليغ دعوة الإسلام فأسلم الغلام على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحا بإسلامه كأنما أسلم أحد أحب أهله إليه.
التسامح عند الصحابة الكرام
رضي الله عنهم وأرضاهم جميعا
عندما قام أبو لؤلؤة المجوسي بطعن الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاها وهو في صلاة الفجر وتوقع الناس بأن عمر رضي الله عنه ميت فإن الطعنات كانت نافذة مزقت الأمعاء فإذا تناول شرابا خرج من بطنه فعمر رضى الله عنه أصيب بضربة رجل مجوس.
ومع هذا نرى عمر رضى الله عنه قبل أن يودع الحياة يوصي الخليفة الذي سيعقبه بعدة آمور ذات بال فهو رضي الله عنه لا يعرف من هو الخليفة الذي سيختاره المسلمون فقال للخليفة المرتقب وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله.. يعني وصى بما يسمى في عصرنا “بالأقليات الدينية” خليفة نبي يوصه وهو يموت بمخالفين في الدين ومعارضيه في المعتقد فيصفهم أولاٍ:
بأنهم ذمة الله وذمة رسوله ثم يطلب من الخليفة المقبل ثلاثة أمور محددة:
الوفاء بعهودهم إقامة سياج يمنع أي اعتداء عليهم في سبيل ذلك يقاتل دونهم “أي يقاتل من يحاول قتلهم” لا يكلفون إلا بما يطيقون.
بل ياليت الدنيا كلها تسمع كيف يحترم ديننا الآخر الذي لم يحاربنا بل ويتسامح معه من مواقف سلفنا الصالح ولما ذهب ابن تيمية يرحمه الله إلى ملك التتار من أجل فك أسرى المسلمين من ملك التتار فأكراما لشيخ الإسلام ابن تيمية أعطاه ملك التتار اسرى المسلمين إكراما له ورفض أن يعطيه الأسرى غير المسلمين وكان التتار قد عاثوا في الأرض فسادا ولما نزلوا دمشق أسروا من أسروا من المسلمين ومن أهل الكتاب فقال قائد التتار أعطيك ياشيخ أسرى المسلمين فقط.
فماذا كان رد شيخ الإسلام ابن تيمية رفض أن يأخذ الأسرى المسلمين ويترك الأسرى النصارى فقال لقائد التتار “أهل ذمتنا قبل أهل ملتنا” أي لن أدع أسيرا مسلما ولا أسيرا من أهل الذمة فهذه الأخلاق الإسلامية النبيلة جعلت هذه الأمة المتوحشة التتار يدخلون في دين الله ولأول مرة يدخل المنتصر في الحرب في دين من هْزم في الحرب السبب أخلاق المسلمين النبيلة.
فيا أمة الإسلام إذا كانت هذه هي بعض نماذج من تسامح وعفو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم مع من هم على غير الملة فمتى نتسامح يا معشر المسلمين فيما بيننا أين العفو والتسامح داخل نطاق الأسرة الواحدة بل أين العفو والتسامح بين الرجل وأصهاره بل أين العفو والتسامح بين الجار وجاره بل أين العفو والتسامح على مستوى الحي الذي نسكن فيه والمؤسسات العامة والخاصة التي نعمل فيها.
بل أين العفو والتسامح فيما بيننا داخل المدينة الواحدة بل أين العفو والتسامح داخل الدولة الواحدة بل أين العفو والتسامح على مستوى الأمة الإسلامية المحمدية.
تعالوا جميعا استجابة لنداء ربنا وحبا لنبينا ننبذ العنف والغلو والتطرف والتشاحن والبغضاء ونتخلق بخلق السماحة وسلامة الصدر لماذا نستهدف في بعض البلاد العسكريين بالقتل والإيذاء لماذا نستهدف رجال الأمن في بعض بلادنا بل لماذا نستهدف الموظف العام بل لماذا يقتل بعضنا بعضنا.
أي الناس إن ربكم واحد وأن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب ثم يا سادة رعاكم الله تعالوا لنقدم الإسلام في صورته البهية السمحة لندعوا إلى الله بأخلاق الإسلام تعالوا لنحفظ دماء وأموال وأعراض غير المسلمين من أصحاب الديانات الأخرى الذين لم يحاربوننا في ديننا ولم يعتدوا على أوطاننا استجابة لنداء ربنا وتخلقا بأخلاق حبيبنا فالعنف والغلو والتطرف والإرهاب هو الذي يشوه صورة الإسلام ولا يفيده لا من قريب ولا من بعيد.
حفظ الله اليمن ومصر وكل بلاد المسلمين من كل مكروه أمين.

رئيس بعثة الأزهر الشريف باليمن

قد يعجبك ايضا