الثورة / متابعات
في مأساة إنسانية جديدة، ليست عابرة، فجعت أخصائية الأطفال في مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي، آلاء النجار، بأطفالها التسعة أثناء تأدية عملها، بعد استهداف منزلها بغارة إسرائيلية في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
قضى الأطفال التسعة حرقًا إثر غارة جوية إسرائيلية على منزلها في منطقة قيزان النجار جنوبي المدينة. ووفقاً للدفاع المدني أدى القصف إلى تدمير منزل العائلة بالكامل واندلاع حريق هائل، تسبب في استشهاد 9 مواطنين، بينهم 8 أطفال متفحمين بالكامل، بينما أصيب زوجها الطبيب حمدي النجار بجروح خطرة.
وحسب شهود العيان، فقد أصيبت النجار بحالة انهيار تام عندما فوجئت بوصول جثامين وأشلاء أطفالها الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و12 عاما، إلى المستشفى الذي تعمل به.
وأكد المدير العام لوزارة الصحة بقطاع غزة منير البرش أن الدكتورة آلاء اختصاصية أطفال في مستشفى التحرير بمجمع ناصر الطبي، لديها 10 أبناء، أكبرهم لم يتجاوز 12 عامًا، خرجت مع زوجها الدكتور حمدي النجار ليوصلها إلى عملها، وبعد دقائق فقط من عودته، سقط صاروخ إسرائيلي على منزلهم.
وأضاف البرش أن 9 من أطفالهما ارتقوا جرّاء الغارة، وهم يحيى، وركان، ورسلان، وجبران، وإيف، وريفان، وسيدين، ولقمان، وسيدرا، في حين أُصيب آدم، وهو الطفل الوحيد المتبقي، وزوجها الدكتور حمدي الذي يرقد الآن في العناية المركزة.
وأردف قائلا “هذا ما يعيشه كوادرنا الطبية في قطاع غزة؛ الكلمات لا تكفي لوصف الألم. في غزة، لا يُستهدف الكادر الطبي فحسب، بل يُمعن الاحتلال الإسرائيلي في الإجرام، ويستهدف عائلات بأكملها”.
ويأتي هذا الحادث ضمن سلسلة استهداف ممنهج للمدنيين في قطاع غزة، وخان يونس التي تشهد قصفا عنيفا منذ عدة أسابيع، مما أدى إلى سقوط مئات الشهداء من الأطفال والنساء.
وقد أثارت الحادثة غضب وصدمة عدد كبير من المغردين على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدين أن هذه المأساة ليست سوى حلقة من حلقات المعاناة التي لا تنتهي في غزة، حيث يقتل آلاف الأطفال دون أي رد فعل دولي لوقف المجازر والإبادة الجماعية.
وجريمة استهداف الأطباء أو منازلهم تكررت كعمل منظم منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، إذ لم تقتصر هجمات جيش الاحتلال على المنشآت الصحية فحسب، بل شملت أيضًا الطواقم الطبية التي تعرضت للاعتقال والتعذيب، حيث راح عدد من الأطباء والممرضين وأسرهم ضحايا لهذه الاعتداءات.
ووفق معطيات نشرتها وزارة الصحة، قتل جيش الاحتلال أكثر من 1000 طبيب وممرض وكادراً من الكوادر الصحية في قطاع غزة منذ بدء الحرب.
وقبل جريمة اغتيال أسرة الطبيبة النجار، دفع مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب الأسير حسام أبو صفية ثمناً شخصياً باهظاً عندما فقد قتل جيش الاحتلال نجله إبراهيم قنصاً في 26 أكتوبر 2024، لرفض إخلاء المستشفى.
ومع اقتحام المستشفى في ديسمبرتعرض أبو صفية للضرب المبرح من قبل الجنود الإسرائيليين فور خروجه من المستشفى، بعد استهدافه بقنابل الصوت أثناء محاولته إخلاء المستشفى، وفقاً لما نشره د. منير البرش، مدير عام الصحة في غزة عبر صفحته الرسمية في منصة “إكس”.
هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه في سلسلة الهجمات المتواصلة ضد الأطباء الفلسطينيين. ففي أبريل 2024، تعرض الدكتور عدنان البرش، أحد أبرز جراحي غزة ورئيس قسم العظام في مستشفى الشفاء، للاعتقال من قبل القوات الإسرائيلية. تم نقله إلى سجن عوفر حيث تعرض لتعذيب قاسٍ أدى إلى وفاته داخل السجن، ما يسلط الضوء على استهداف الطواقم الطبية الفلسطينية في سياق الحرب المستمرة.
وقد وثقت مؤسسة الدراسات الفلسطينية عمليات الاستهداف المنظم للأطباء والمرافق الصحية، وخصصت لذلك منصة إلكترونية تقدم من خلالها معلومات تفصيلية عن كل كادر طبي تم استهدافه في حرب الإبادة.
وتؤكد المؤسسة أن استهداف الطواقم الصحية والعاملة بالمرافق الصحية كافة، والتي جرى استهدافها بالقتل والاختطاف والإخفاء، لم يكن عملاً عشوائياً بل جزء من مخطط الاحتلال لتهجير قطاع غزة بجعله منطقة غير قابلة للعيش خلال حرب الإبادة.
ويرتكز التوثيق، تبعاً للمنصة على المصادر الثانوية والأساسية منها تقارير وتصريحات وزارة الصحة في غزة، ومركز الإحصاء الفلسطيني، والتقارير الدورية للمشافي والمرافق الصحية الأخرى، إضافة إلى تصريحات وتقارير مكتب الإعلام الحكومي في غزة، والتي تعتمد على جمع البيانات الأولية. إضافة إلى المصادر الثانويّة الأخرى.
وفيما يتعلق بمصادر توثيق استهداف الكوادر الصحية بشكل خاص، منهم الشهداء والمختطفيين والمفقودين، توضح مؤسسة الدراسات الفلسطينية أنه تم الاعتماد بشكل أساسي على تقارير وتصريحات وزارة الصحة في غزة.
وتشير إلى أنه جرى تدقيق وتوسيع القائمة بناء على البحث الدقيق لمجموعة “Healthcare Workers Watch” المكونة من أطباء فلسطينيين متطوعين جزء منهم عملوا في مشافي قطاع غزة، إلى جانب تفاصيل السيرة المهنية وظروف الاستهداف من زملاء وأقارب العاملين، إضافة إلى مواقع إخبارية والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة لمؤسسات فاعلة أخرى مثل الهلال الأحمر الفلسطيني، وأطباء بلا حدود، ومنصة شيرين.
ويعد الدكتور عمر صالح فروانة الذي قضى في أكتوبر 2023، في قصف إسرائيلي استهدف منزله، ما أسفر عن مقتل 16 من أفراد أسرته، واحداً من أبرز الأطباء الذين تم تصفيتهم. كما قُتل الدكتور مدحت صيدم، جراح الحروق في مجمع الشفاء، في نفس الشهر إثر قصف إسرائيلي استهدف منزله.
وفي 25 أكتوبر 20استشهد الطبيب يوسف أبو جاد الله إثر استهداف لمكان إقامته في مدينة غزة برفقة زوجته آية وأطفالهما صلاح الدين ومحمد وعبد الرحمن وعمر. لم تتمكن عائلة الطبيب من انتشال جثث ذويها لأكثر من أسبوعين من تاريخ استشهادهم.
وفي 12 نوفمبر 2023م، قُتل الدكتور همام اللوح، اختصاصي زراعة الكلى، في قصف طال منزله، حيث كان برفقته والده.
وفي 18 نوفمبر 2023 استشهد الطبيب رأفت لبد برفقة أفراد من أسرته (مع بناته الثلاث وأخيه وزوجة أخيه) جرّاء القصف الجوي الذي استهدف بيته في مدينة غزة، إذ كان قد رفض النزوح من المدينة وبقي يعمل في مستشفى الشفاء لحين استشهاده.
وبعدها بيومين ارتقى الدكتور أيمن برفقة زوجته وأولاده الخمسة ووالديه وإخوته في استهداف مباشر لمنزلهم في المنطقة الوسطى من القطاع.
وفي 4 ديسمبر 2023 استشهد الدكتور عبد الكريم جواد البواب في مجزرة قُتل فيها أبناؤه رغد وأمير ومعتز، وزوجته وأمه وأخته وعائلتها. وفي 2 يوليو استشهد الطبيب حسن حمدان برفقة اثنا عشر فرداً من عائلته إثر استهداف مباشر لمنزله في مدينة دير البلح وسط القطاع.
كما استهدفت طائرات الاحتلال منازل عدد من الأطباء العاملين في مشافي القطاع، الذين استقبلوا أبناءهم وأفراد عائلاتهم شهداء، ومنهم: الطبيب حميد أبو موسى في خان يونس، والطبيب عبد الله أبو ندى، الذي استشهد جميع أفراد أسرته بعد قصف المنزل خلال وجوده في مجمع الشفاء الطبي لأداء واجبه في إسعاف الجرحى.
وبين هذه التواريخ وبعدها وثقت وزارة الصحة المئات من حوادث الإبادة، إذ نفذ الاحتلال عدة اغتيالات مباشرة استهدفت العاملين في القطاع الصحي بشكل غير مسبوق مقارنة مع كافة جولات العدوان السابقة، مستندًا على الدعم الغربي المفتوح له في العدوان على القطاع.
وبدعم أمريكي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة، خلّفت أكثر من 176 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.