ليبيا وحرب المليشيات

تشهد ليبيا بالظرف الراهن أحداث عنف دامية ما كان لها أن تتصاعد بهذه الصورة المؤسفة التي باتت بلا شك تهدد أمنه واستقراره لولا تنامي التدخل الخارجي بطابعه الإقليمي والدولي وما نتج عنه من احتقانات متبادلة واستنفارات مضادة اظهرت ذلك البلد العربي وكأنه في مرحلة ما قبل سياسي جراء ما تشهده معظم المدن الليبية من فوضى أمنية وسياسية واحداث عنف دامية ومتواصلة.
يأتي ذلك في ظل ما تشهده مدينة بنغازي من مواجهات وحرب شرسة تدور رحاها بين قوات موالية للواء المتقاعد خليفة حفتر ومجاميع مسلحة سقط من خلالها وأكثر من 50 شخصا ومنذ سقوط النظام السابق وتلك المدينة تشهد انفلاتا امنيا واسع النطاق وعنفا مستمرا ومتواصلا ويتجلى ذلك من خلال عمليات الخطف والتفجيرات التي طالت المنشآت والبنى التحتية بالإضافة إلى الاغتيالات التي تستهدف افراد الجيش والشرطة ناهيك عن الاعلاميين والسياسيين وناشطين وحقوقيين.
وكان اللواء حفتر قد وعد في وقت سابق بإعادة السلام والأمن لمدينة بنغازي وأكد بأن الساعات والأيام المقبلة ستكون صعبة جراء ما تشهده تلك المدينة من معارك دامية او ما يسمى بلدغة الأفعى التي يقودها ذلك اللواء بهدف دحر المسلحين بينما الواقع دائما ما كان يكذب تلك الوعود وتبدو الحقيقة خلافا لذلك.
حيث يرى بعض متابعين بأن التداعيات الجارية حاليا في ليبيا دخلت مرحلة النفق المظلم وأن تلك التداعيات باتت في غاية التعقيد ويرجع ذلك إلى وجود قوى دولية تغذي ذلك الصراع الدائر وبالتالي فإن نجاح العمليات العسكرية في تطهير المدن من المسلحين تبدو ضئيلة جدا لا سيما وانتقال الحكومة الحالية إلى أقصى شرق البلاد هربا من المليشيات المسلحة أكد عجز السلطات الأمنية والجيش في بسط السيطرة وتحقيق الأمن وحماية حكومة الثني فما بالك بحماية المدن والشعب الليبي.
وبالتالي فإن ما يحدث بالظرف الراهن من حالة حرب مفتوحة والصراعات المدمرة نتيجة ترتبت بدرجة أساسية على اخفاق الحكومة والبرلمان معا في تطبيع الاوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية بدليل أن ذلك البرلمان كان قد دعا في وقت سابق بالتدخل الدولي من قبل الأمم المتحدة بدلا من البحث عن حلول ومعالجات صحيحة تنهي حالة الاحتراب القائمة والبحث عن جذور المشكلة ومنبعها والاتفاق على صيغة جديدة كمدخل لإنهاء التدخلات الخارجية ما لم ستبقى الصراعات الداخلية صدى للعامل الدولي التي تؤثر على أمن واستقرار ذلك البلد وتجعله غير قادر على تجاوز أزمته الراهنة خاصة وهناك مخاوف أممية من انتقال داعش إلى شمال افريقيا بحسب ما قاله المسؤول الأممي الأسبوع الماضي ونسي ذلك المسؤول أن ما يحدث حاليا داخل ليبيا أسوأ مما تفعله داعش بكثير حيث تشكل العامل الدولي والصراع الداخلي اخطبوطا ثنائيا يتأسس على الرعب والإرهاب بديلا عن البناء والأمن والاستقرار.
ثمة مفارقات عجيبة تستدعي بالتأكيد اخراج ذلك البلد من محنته الراهنة لا يتجدد ولا يتقرر ذلك إلا من خلال قوة وطنية غير مرتهنة ولا تابعة مثلما كان النظام السابق ذيلا للقوى الدولية لكي تتمكن من انهاء الإشكاليات القائمة والحد من اتساع نطاق الاستنفارات المضادة لكي يعيش الشعب الليبي في سلام ووئام.

قد يعجبك ايضا