
ندين جميعا بالجميل إلى كلمة قديمة سمعناها وغيرت مجرى حياتنا نحو الأفضل أو نحو الأسوأ – غالبا ما تعود هذه الكلمة إلى معلم أحد الصفوف الابتدائية أو شخصا من خارج المدرسة أو أحد أفراد الأسرة وعندما يقولونها لا يعرفون مقدارها تماما وقد تكون من باب المزاح أو التسلية لكن السنوات تجعلها ذات قيمة .ياسر العوامي قال له صديق والده انتبه تتوقف عن الدراسة كما فعل أخواك من قبلك ولم يكن يقصد بها التقليل من شأن أخويه إلا أنه أراد تقوية عزيمة ياسر الذي ظل يتذكرها طوال حياته وكلما أراد أن ينصرف عن التعليم قفزت إليه تلك العبارة القديمة التي لم يتذكر سواها مما سمع في طفولته .
طبيب الكبد منصور العمراني ارتدى ذات مرة في صغره نظارة وسمع كلمات متفرقة من أناس لم يتذكرهم جيدا ” والله شكلك دكتور ” أصر على أن يمضي في هذه الطريق إلى أن أصبح طبيبا متخصصا في أمراض الكبد وكانت تلك الكلمات جزءا من مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه من أحسن الظن به بأن يصبح طبيبا يقول أنها لم تحدد له طريقه لكنها ساعدته على الاختيار السليم الذي يحبه .
صادق أمين العديني أهداه صديق والده دفترا حجم كبير يشبه دفاتر تحضير المعلمين وإلى جانبه كلمات وابتسامة مازال يتذكرها قال له من أهداه الدفتر “اجتهد حتى تصبح أفضل من كل المدرسين” علقت في ذهنه وكافح للوصول إليها لم يفكر في اختيار مجال آخر غير أن يصبح مدرسا لمادة الفيزياء ولكنه لا يدري ما إذا كانت تلك الكلمات ألقت عليه المسؤولية أم أنها توافقت وميوله نحو التدريس ويشعر بالفخر كلما تذكر الدفتر القديم والعبارة التي لا يمكنها أن تصبح قديمة بل هي جديدة دائما ويتمنى أن يحصل كل إنسان على نصيحة وعبارة جميلة تحثه على الاجتهاد والمثابرة ويأسف صادق على الحال الذي وصل إليه أطفالنا من إهمال من قبل الجيل الذي يكبرهم والذي يبخل عليهم حتى بمجرد عبارة يحتفظون بها للزمن وللمستقبل .
الكتابة للمستقبل
هناك عدد كبير حصلوا على عبارات من معلميهم إما كتابة أو شفويا وساهمت في تكوين شخصيتهم أو رأت ما بداخلهم وعبرت عن ما يريدون واحتفظوا بها طوال الرحلة ولا يثق كثير من المعلمين بالأثر الذي تتركه عباراتهم على التلميذ عندما يخاطبونه بصورة مباشرة وشخصية فالتحدث إلى الطالب بصورة خاصة فيها التقدير تخلق عنده أحاسيس بالأهمية فيشعر انه أصبح شخصا مهما وهناك من يفكر لأجله ولأجل مستقبله – وتبقى العبارات التي يختطها المعلمون على دفاتر تلاميذهم طويلا على أذهانهم وإن محيت من الدفتر أو اختفى الدفتر بالكامل فهاهو محمد عبدالحميد يتذكر جيدا أول كلمة كتبها معلمه ” احسنت يابطل ” ما زال يشعر انه بطل رغم مرور عقدين من الزمن ولم ينل أي بطولة إلا أنه مؤمن بقدرته وواثق مما قاله معلم الصف الرابع الأساسي .
وللأسف أن كثيرا من مربي الفصول يهملون الكتابة لتلاميذهم ونادرا ما يفتح معلم دفتر طالب ويكتب له عبارة تقوده نحو المستقبل ويكتفون بكتابة ما هو عمومي كجيد وممتاز وعمل الدرجات بالحبر الأحمر ووفقا لإحدى مربيات الصف الثاني الابتدائي فإنها لا تجد الوقت الكافي لمعرفة شخصية طلابها فكيف بالكتابة لهم .
أصبح عدد من الطلاب الصغار رسامين متقنين لأن معلميهم رأوا موهبتهم وباشروا تشجيعهم ولم يبخلوا عليهم وامتلك عدد آخر منهم موهبة الخط الجميل بفضل التشجيع والقراءة الجيدة للموهبة في صغرها بينما تكسرت مواهب لا تحصى داخل عقول وقلوب أصحابها لأنهم لم يحصلوا على المحفزات أهمها الكلمات الأولى التي تؤيد الطالب وأنه يمضي على الطريق الصحيح .
متخصصو إحباط
وهناك مقابل سيئ لما يحدث وهو وجود معلمين أو غيرهم ممن يجيدون تحطيم النفوس وكبح المواهب فما إن يروا لدى الطفل ميولا نحو أمر معين يواجهونه بالسخرية والكلام غير المسؤول الذي يرافقه طوال عمره ويصبح أداة لتدميره ويلقي البعض كلمات إلى طفل بقصد أو بدون قصد تجعله يغير توجهه وينسى موهبته وربما حلمه فهناك عدد كبير ممن كانوا يمتلكون موهبة لعبة كرة القدم وتعرضوا لسيل من الكلمات والنصائح المعاكسة للموهبة من باب اهتم بتعليمك مالك وللكرة لن تفيدك وهكذا حتى يقلع عن اللعب وعن التفكير فيما يحب وقد تكون تلك الكلمات صادرة من داخل الأسرة نفسها وتظل تلاحقه طوال حياته – إنها الكلمة الأولى إما أن تبني أو تدمر .