هايدجر وحذاء فان جوخ

عندما شاهد الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر لوحة الحذاء لفان جوخ قال عنها : “من الفتحة المظلمة للأجزاء الداخلية المهترئة للحذاء تطل خطوات الفلاحة المنهكة. وعبر ثقل الحذاء وتيبس جلده يطالعنا العناد والتشبث المتواصل لخطواتها المجهدة المتباطئة عبر الاخاديد الطويلة والمتشابهة في الحقول التي اجتاحتها الرياح الباردة الجافة. وتحت نعلي الحذاء تمتد المسالك والمجازات الموحشة في الحقل عند هبوط المساء. اما في شكل الحذاء فتتردد النداءات الصامتة للأرض وعطاياها الهادئة من انواع الثمار الناضجة وكذا يتجسد ايثارها وكرمها المتخف في آسى الاخاديد الطويلة في الحقول الشتوية. في هذا الحذاء تعايننا صور القلق الصامت الوجل الذي öيستبد بصاحبه من احتمالات هلاك المحصول والفرح الذي لا يمكن للكلمات التعبير عنه عند تمكن صاحبه من مقاومة العوز والحصول على موسم زراعي جيد. انه يعيد لأذهاننا مشاهد الارتجاف امام مهد الطفل الوليد والخوف من علامات الموت الوشيك. هذا الحذاء ينتمي للأرض وهو محمي في عالم السيدة الفلاحة. ومن هذا الشعور بالانتماء المصان تعلو مكانة هذا الحذاء بوصفه حذاء”.
ويبدو هيدجر هنا كما لو كان يسرد حالة تداعيات بل هي أشبه بقراءة نقدية ثاقبة من فيلسوف عميق ونابه كهايدجر وجد نفسه أمام عمل فني مذهل ومتعدد الدلالات وعالي التقنية مثل لوحة الحذاء للفنان فان جوخ الرسام الهولندي الشهير والذي يصنف كأحد فناني الانطباعية. وتتضمن رسومه بعضا من أكثر القطع شهرة وشعبية وأغلاها سعرا في العالم. عانى من نوبات متكررة من المرض العقلي وأثناء إحدى هذه الحادثات الشهيرة قطع جزء من أذنه اليمنى. كان من أشهر فناني التصوير التشكيلي. اتجه للتصوير التشكيلي للتعبير عن مشاعره وعاطفته. في آخر خمس سنوات من عمره رسم ما يفوق 800 لوحة زيتية. تعد لوحة الحذاء من أشهرها ولقد رسمها بأوضاع مختلفة ووضع فيها كل إمكانياته التقنية وتجاربه في اللون وتماسك الموضوع قال عنه بعض النقاد إنه “حذاء متفرد في خصوصيته ففي الوقت الذي يعبر عن بؤس الإنسان إلا انه مرسوم بإتقان وجمالية عالية لدرجة يمكن مقارنتها مع أية لوحة أخرى عن حياة جامدة رسمها فنان من عصر النهضة يتقن صنعته. لكن هذه اللوحة تثير غضب طبقة المجتمع المسيطر لأنهم يكرهون رؤية الجانب البائس في الحياة لان هذا يعكر صفو أحلامهم الوردية فهم لم يتعودوا أن يعلقوا في صالوناتهم لوحة لحذاء بائس (كطبيعة جامدة) هم ذاتهم خلقوا بؤس محتذية”.

قد يعجبك ايضا