حمدي دوبلة

سياسات أمريكا.. عسى أن تكرهوا شيئا!

 

 

رفعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة شعار “العولمة”، وجعلت من انفتاح السوق العالمية سياسة لها وأبرمت الكثير من الاتفاقيات والبروتوكولات مع كثير من دول العالم وأنشأت الهيئات والكيانات الدولية لضمان التجارة الحرة وكانت تشدد على تخفيض الرسوم الجمركية ومراجعة التشريعات المتعلقة بالتجارة بين البلدان بما يضمن تدفق السلع والمنتجات بسلاسة ويسر ودون عوائق وعراقيل.
-جاءت قرارات الرئيس دونالد ترامب في مستهل ولايته الرئاسية الثانية فيما يتعلق بفرض الرسوم الجمركية على معظم بلدان العالم صادمة ومزلزلة ومتناقضة كليا مع الشعارات والقيم التي عملت عليها أمريكا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وأصابت الدول الحليفة قبل غيرها بصدمة كبرى جعلتها غير قادرة على استيعاب هول الصدمة والتعاطي مع تداعيات ذلك على اقتصادها وعلى حياة شعوبها.
-القرارات “الترامبية” – وفق كثير من المراقبين وخبراء السياسة والاقتصاد – كانت ارتجالية وعبثية وغير مدروسة وربما كانت ذات خلفيات ودوافع سياسية على علاقة بجهود إدارته المتصهينة للتغطية على جرائم الإبادة الشاملة والتطهير العرقي المستمر على قدم وساق في قطاع غزة على أيدي أصدقائه في تل أبيب وعلى ما يمارسه هو من جرائم بحق المدنيين والأعيان المدنية في اليمن على غرار الجريمة البشعة بحق منشأة ميناء رأس عيسى النفطية المدنية ومنتسبيها الأبرياء وما ستتركه من تداعيات كارثية على حياة ملايين اليمنيين.
-استطاع ترامب بجدارة وإلى حد كبير، أن يحرف أنظار العالم ويشغل بال شعوب الأرض برسومه وتعريفاته الجمركية عن أبشع جريمة في العصر الحديث وأتاح المجال أمام نتنياهو ليواصل مسلسل القتل والتهجير في غزة لكنه لم يسلم من تبعات سياسته، فلم تتوقف الانهيارات الحادة في أسواق البورصة في العالم فحسب بل شملت الولايات المتحدة انهيارات اقتصادية كبرى دفعته سريعا إلى تعليق الرسوم لتسعين يوما وما زالت دول العالم في حيص بيص تناقش وتبحث الإجراءات والخطوات المطلوبة للحفاظ على استقرار التجارة العالمية اذا أصر الرئيس المغرور على المضي قدما في قراراته بعد انقضاء الثلاثة أشهر (مدة التعليق).
-كيفما كانت حيثيات ودوافع قرارات ترامب ذي الشخصية المثيرة والنزعات الشريرة فإنها لا شك تضع البلد الأعظم في عالم اليوم في دائرة التقزم والانطواء والانكفاء على الذات وهي التي كانت تتباهى بقيادة العالم الحر وتوجيه دفة التجارة العالمية عبر إنشاء وتزعُّم منظمة التجارة العالمية منتصف عقد التسعينيات قبل أن تنسحب منها مؤخرا وتعلق مساهمتها المالية فيها إشباعا لغرور وغطرسة الرئيس، دون النظر الى مكانتها وما تزعمه من مبادئ وقيم.
-كل الشواهد والمعطيات تؤكد أن ترامب – الذي رفع شعار “لنعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى” خلال حملته الانتخابية – يسير بأمريكا إلى الانعزال ومن ثم الزوال المحتوم وقد بدأت معالم شيخوختها في الظهور مثل التجاعيد البارزة في وجه رئيسها الكهل، ورب ضارة نافعة “والله يعلم وأنتم لا تعلمون” صدق الله العظيم.

قد يعجبك ايضا