رمضان المبارك لو فسرناه بشيء من التركيز والاهتمام لوجدناه شهراً يحمل في طياته دروساً جمة قد يصعب سردها، وهذا ما يجعل شهر رمضان أكثر اهتماماً وأكثر حيوية وأكثر ارتباطاً لكل مسلم ومسلمة، لا لشيء ٍ وإنما هكذا يبدو شهر الصوم، فإنه يطلب منك التقيد بزمن معين حتى تأكل وزمن معين حتى تمتنع عن الأكل، فهذا يدل على دروس عملية يجب أن يتلقاها كل من ينتسب للإسلام الحنيف على مدار اليوم والليلة، وأول تلك الدروس وهو أهم درس باعتقادي درس الصبر، فالصبر وما أدراك ما الصبر وردت فيه آيات ليست بالقليلة وكلها تتحدث عن الصبر وعواقبه الحميدة، كقوله تعالى :” وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم” صدق الله العظيم، فالصبر هنا في هذه الآية تقدم على الحظ العظيم ليس الحظ فقط ولكن الحظ العظيم، أي أن الصبر له نتائج إيجابية عجيبة أكثر من أن يكون المؤمن محظوظاً بحظ عظيم وحسن طالع، لذا عندما تتم قراءة رمضان قراءة إيمانية خالصة، فإن الواحد منا يدرك أنه يخرج من رمضان بكم واسع من الأخلاقيات والممارسات الحياتية التي عادة ما نفتقدها ولو إلى حد بسيط في شهور غير رمضان، لكنها تبدو أكثر حضوراً في شهر الخير شهر الصوم، كمساعدة الآخرين والإحساس بمعاناتهم وكذا المسارعة لأداء الصلوات الخمس في أوقاتها جماعة في المسجد وتلاوة القرآن الكريم والتفكر والعمل بمعانيه العظيمة، وغيرها لا يمكن شرحها والواقع أكثر تعبيراً عنها.
لو كلٍ منا راجع نفسه وفكر ملياً، لوجد أن الكثير من الممارسات التي يمارسها اليوم في رمضان أو غير رمضان ولكن رمضان تحديداً لما له من روحانية وخصوصية والتزامات تميزه عن باقي الشهور، لم يكن لها أن تكتسب إلا عبر دروس وعلوم علمها لنا آباؤنا وأمهاتنا والمجتمع من حولنا، فتكونت لدينا كومة من الثقافة الدينية والأخلاقية النموذجية بكل معنى الكلمة والتي لازالت تمارس إلى اليوم وبشكل يعبر عن جمال الإلقاء والتلقي للدروس الحياتية العملية والعلمية والثقافية، كما هو شأن حلقات الذكر وتلاوة القرآن وتفقد المحتاجين من أهل وجيران وكذا بث الابتسامة بقليل من الفكاهات أثناء الحديث والحوارات، وكذا تبادل ربات البيوت مع الأهل والجيران كلٍ بما جادت مائدته، فمن صنعت حلوى رواني أو بسبوسة أو قطايف أو شعوبيات أو أي أكلة جميلة تميز رمضان، فتتعمد أن تكثر منها حتى تهدي الأهل والجيران جزءاً منها، وهكذا كل واحد بما توفر لديه فيهدي للآخرين، وإذا بالموائد الرمضانية مما لذ وطاب في كل بيت “والحمد والشكر لله”، ناهيك عن عادات وممارسات تساعد الصائم على الصيام والامتثال لله، حتى ولو كان أحدهم متقاعساً نوعاً ما والشيطان يغازله، ولكنه يخرج مع الناس ويلتقي بالناس وإذا بالشيطان ييئس والمعنويات الرمضانية ترتفع “فل”، فيصوم يومه بكل أريحية ويسر ويقوم ليله بكل رحابة صدر وانشراح ورجاء، وكل هذه الأمور نعمة من نعم الله، حين توجد أجواء وممارسات تعين المؤمن على الثبات والتشبث بإيمانه، بل وبث الحالة الإيمانية لديه لتنتقل إلى الآخرين من حوله حتى يغدو الكل في جو إيماني ولا أروع.
المدرسة الرمضانية تحتم على كل أب وأم وأخ وأخت أن يستغلوا شهراً كهذا ويعملوا على تعليم وتدريس صغارهم وكبارهم غير الواعين ما أمكنهم من علوم الدين والحياة، فالرجال لا تولد ولكنها تصنع، والأخلاق لا تكتسب وإنما تورث كعلم وتطبيق، والذي لم يعلم ابنه أو ابنته أو أخاه أو أخته فمن ينتظر ليعلمه آية أو حديثاً أو عادةً طيبةً أو بذلاً للمعروف والإحسان إلى آخرين ؟!، نعم، فصغارنا وكبارنا سيكونون يوما ما ثمرة قدمناها للأجيال من بعدنا مثلما كان آباؤنا وكنا ثماراً لهم في مجتمعنا وانعكس حتماً كل ذلك على ما لقنا إياه آباؤنا وما لقنهم آباؤهم وسيكون أبناؤنا من بعدنا ثمرة لما نلقنهم من علوم ومعرفة وحفظ لكتاب الله وتفسيره والعمل به وووووو، فمن لم يستغل أجواء رمضان المبارك المحفزة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحفيظ وتلقين وتثقيف كتاب الله وسنة رسوله، فيا حبذا متى يعمل ذلك خاصة “والسوشل ميديا” لم تعد تفرق ولم يعد من يرتادونها يفرقون بين ما الذي ينفع أو لا ينفع والذي يضر أو لا يضر؟، فثقف وعلم ابنك على يدك واصنعه رجلاً من بعدك خير من أن تلعب عليه الرجال وهو متبلد جراء إهمالك.
،،ولله عاقبة الأمور،،