أحمد ماجد الجمال –
هناك وسائل كثيرة لقياس إشكالية التنمية ومعوقاتها فوفق الأدب الإنمائي تتمحور أساسا في غياب التمويل المالي وعند الدفع بأي هدف في هذا الاتجاه يتطلب أولا إدراك معاييره ومعرفة تفاصيله ثم أخذ القرار بتحمل مسؤوليته وإنجازه ومواجهة الوضع كما هو وبعد توفر عنصر تحمل المسؤولية يأتي التخطيط ورسم ملامحها بدقة من البداية حتى النهاية وحين تعمل جميع مكوناته يصبح تجسيد النظم وتطبيقها متاحاٍ.
التنمية الاقتصادية تقتضي توفير الموارد المالية اللازمة وهنا تلعب السياسة المالية وخاصة في الدول النامية دورا هاما في تعبئة الموارد الرأسمالية اللازمة لتمويلها وزيادة مستوى النشاط الاقتصادي للمجتمع وتستخدم الدولة كل الوسائل والإمكانيات لتوفير المال اللازم للوصول الى هذا الهدف ومن ضمنها الاحتياجات الرأسمالية اللازمة للتنمية إن ضعف الادخار الخاص سواء كان نتيجة لتدني دخول أفراد المجتمع أو سوء استخدامه وتوزيعه وارتفاع الميل الحدي للاستهلاك ونقص درجة الاشباع الاستهلاكي بسبب تدني مستوى المعيشة ومحاكاة بعض فئات المجتمع نماذج الاستهلاك الترفي السائد في الدول الغنية والمتقدمة مايترتب على أثر التقليد من انتقال انماط استهلاكية تشكل عبئاٍ على المجتمع ودون مستوى قدرة القوة الشرائية لغالبية افراده مجاراتها مما يلقي عبئا على منظومة الأنشطة الاقتصادية لذا من اللازم وضع وتنفيذ خطط إنمائية واستثمارية متكاملة وتوفير الموارد المالية لتمويلها وللقيام بمثل هذه المجهودات التنموية يتطلب انتهاج سياسة مالية فعالة لتعبئة الموارد وتنمية المدخرات ورفع القدرة الادخارية سواء للافراد أو القطاعات الاقتصادية وينعكس ذلك تلقائيا في زيادة المقدرة على الادخار وبما أن مصادر التمويل الحكومي متعددة ومتنوعة منها مصادر تمويل داخلية لذا تأتي “القروض الداخلية” ضمن التمويل الداخلي للحكومة وهى محكومة بضوابط كعدم إجازة أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات على نسبة 60% من الناتج المحلي وبالأسعار الجارية وبفوائد غير تجارية بمعنى اقتراض حقيقي ناجم عن الادخار الاختياري لا الادخار الإجباري من خلال إصدار إذون الخزانة أو سندات حكومية او الصكوك الإسلامية والتي “يقصد بها العملية التي تحصل بها الدولة على الأموال التي يكتتب بها المقرضون نظير تعهدها بدفع الفوائد ورد مبلغ القرض طبقا لشروط عقد القرض”, وينبغي استعمال هذه القروض لتمويل اغراض تتراوح من تمويل مشاريع التنمية ذات الأولوية وتوجيهها نحو الخطط المدرجة في البرامج الانمائية ويكون لها عوائد اقتصادية واجتماعية مباشرة وغير مباشرة وكذا تلك المشاريع التي تحقق أربحاٍ في وقت مناسب حتى يمكن استخدام هذه الأرباح لخدمة الدين وفوائده وأيضاٍ تشجيع الادخار المحلي وتوسيع قاعدة الاستثماروتوسيع مصادره ومواجهة تكاليف وأعباء إعادة هيكلة الدين العام وكذلك لمواجهة ظروف مؤقتة كتمويل عجزالموازنة العامة للدولة ودعم ميزان المدفوعات في حالات الضروره القصوى بضوابط شديدة وللميزة النسبية التي تتسم بها القروض الداخلية على عكس القروض الخارجية لاتترتب عليها أعباء حقيقية على الموارد العامة فخدمة الدين لا تتطلب سوى تحويل الدخول من بعض الافراد الى البعض الآخر.
نلاحظ من خلال هذا أهمية وبروز القروض العامة كعنصر مهم للمساهمة في تمويل النفقات العامة مع تطور دور الدولة وتزايد نفقاتها بشكل كبير وعجز الإيرادات العامة الأخرى عن تمويل النفقات العامة ومن المفيد أن يؤخذ بعين الاعتبار أنه لا يمكن أن يتم تحقيق تنمية حقيقية ومستدامة من خلال الاعتماد الدائم على القروض سواء أكانت هذه القروض” محلية أو خارجية” لذلك فإن اللجوء على القروض المحلية من المهم ان يتم ضمن حدود ضيقة وأن يكون لفترات قصيرة وبمعدلات فائدة منخفضة نسبيا وذلك لأن المعدلات المرتفعة تدل على الحالة غير الصحية للأوضاع التي يتم فيها الاقتراض وتدل على غياب الثقة بأذون الخزانة والسندات وغيرها,
أين تكمن المشكلة لدينا الإجابة المباشرة وحتى لا يتم خلط الأوراق والرؤى وتحميل ما لا يحتمل والقفز فوق الحقائق والوقائع واثبات ما لايمكن إثباته وفق هذا الطريق والمنحى فهي تتركز في الفشل الإداري والفني النسبي في إدارة “الاقتراض الداخلي”الأمر الذي أسهم في تفريغ جزء من عناصر الخطة المالية للاقتراض من مضمونه وأهدافه وموضوعيته وانحسار استخدام هذه الأداة الاقتصادية “الاقتراض الداخلي “على مدخرات القطاع الحكومي والقطاع العام والمختلط والقطاع الخاص والاقتراض بغرض تغطية عجزالانفاق الجاري في الموازنة العامة وفي نفس الوقت تتحمل الموازنة العامة عبء الدين وفوائده وهي الحالة من المفترض ان تكون استثنائية اضحت حالة ذات خاصية أولوية.
لما تقدم تأتي أهمية أن تأخذ السياسة النقدية والمالية مساراتها الصحيحة من دون استسهال التمويل المباشر في الاقتراض الداخلي حتى يمكن تجنب تراكم الدين وفوائده وارتخاء القطاع الحكومي فبدلا من الاستثمار المنتج يعتمد هذا القطاع على عوائد الاستثمار في أذون الخزانة أو السندات الحكومية وبدلا من تشغيل أصوله المالية في الأنشطة الاقتصادية تحول الى قطاع طفيلي غيرمنتج يعتمد نشاطه بشكل كبيرعلى إقراض الحكومة ويتعيش من عوائد وفوائد تلك القروض وعوائده الأمر الذي يساهم في خفض حجم الاستثمارات العامة والخاصة في النشاطات الاقتصادية الحقيقية ولابد لمثل هذا التوجه العكسي ان يصبح من دون شك استقطاع من فاعلية أدوات السياسة المالية والنمو فقد ساعد على إرباك الاقتصاد, فمراجعة الواقع على حقيقته يوضح انه على الرغم من حالات الإرباك التي تثير الإشكاليات والصعوبات فإن الموضوع يحتاج الى اتخاذ قرارات جيدة ترقى إلى مستوى مضمون هدف الاقتراض الداخلي للاستفادة القصوى منه ,عبر الجمع بين الاقتراض والاستثمار المربح للطرفين كي يتحول الى مصدر قوة ذات أبعاد تعاضديه كبرى تحافظ على منافع الكل,اذ لا يوجد من حيث المبدأ مانع إطلاق الشراكة بين الاقتراض والاستثمارات في صناعة التنمية والتجارة والاستفادة من مزاياها وفوائدها,ان التفاعل الموضوعي مع معطيات التنمية على نحو صحيح وملائم والإفادة من معطيات التجارب لا يكون الا عبر اطلاع انتقائي شديد الوعي يحفظ للاقتصاد أدواته ونظامه ومكتسباته.
باحث بوزارة المالية