مرة أخرى بلاطجة العالم يشنون الغارات على اليمن، ومرة أخرى يجددون التأكيد على شعورهم بالهزيمة والإحباط، فبلد لا يزال متعبا من عدوان الثمان سنوات ينجح في إرباك عصابات مسلحة ظلت تطور عتادها لعقود من أجل حسم لحظات مواجهة مثل هذه التي يعيشونها مع اليمن، ليتبين أن اشتغالهم لم يخلص إلا إلى خيط دخان صاروخ باليستي يسيح في الهواء، أو سراب يحسبونه هدفاً عسكرياً فيتضح أنه برميل قمامة أو كومة مخلفات.
يأتي هذا مع تزايد حالة العمى، وما يقومون بتفعيله من عناصر متاحة لرصد وتحديد أي أهداف، يصطدم بصخرة الأمن، وقبل ذلك حرّم الدفاع الجوي على طائراتهم التجسسية التحليق فوق سماء اليمن، وكم أرعبت آلتهم الإعلامية العالم باسم الموساد الصهيوني والسي آي إيه الأمريكي، وإذا بالفشل المتواصل منذ سنوات يُسمع القاصي والداني.
سنكون بطبيعة الحال بحاجة لأن نسمع من أفراد خلية التجسس التي ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليها خلال الأيام الماضية، لمعرفة مدى التورط في التعاون مع العدو، وتفاصيل عن طبيعة وكيفية حركته لاستقطاب بعض العناصر للعمل لصالحه، هذا الأمر سيضيف بلا شك معرفة إلى الناس، ربما تكون لاحقا عونا لهم في تقييم أي تحركات.
الأجهزة الأمنية أكدت فعلا «أنها ستكشف وسترفع السرية عن بعض المعلومات والتفاصيل للرأي العام» لاحقا، حتى ذاك الحين، فإن عمليات التجسس أو الاشتغال لجهات أجنبية حالة ستبقى تشغل مساحتها في العلاقات بين الدول سواء وقت الحرب أو السلم، ربما منطقتنا العربية فقط متأخرة في هذا الموضوع لأنها ببساطة تجهل ما الذي هي عليه؟ وما الذي تريده؟ وما الذي يمكنها فعله؟.
وطوال سنوات العدوان ظل الكائن الأمريكي يشكو من صعوبة الحصول على المعلومات، لذلك كان عاريا من أي قدرة تمكنه من كسب جولات القصف، ما جعله دائما يفرغ حمولات طائراته من القنابل والصواريخ على الأهداف المدنية في فعل يعبر عن عجز وانعدام الحيلة لا أكثر.
برزت هذه المشكلة أكثر، وصار وقعها أكبر بعد عملية طوفان الأقصى البطولية، وإعلان السيد القائد معركة «الفتح الموعود والجهاد المقدس»، إسنادا للفلسطينيين، إذ ظل الكائن الأمريكي الأحمق طوال الوقت يرسم في البحر مسارات للهروب بقطعه البحرية من حاملات طائرات ومدمرات من الهجمات اليمنية، وحين تضيق عليه الدوائر يقوم بجولة جديدة من قصف الأعيان المدنية.
الاشتغال على خلق الظروف المعيشية الصعبة ثم محاولة استغلال هذه الثغرة لاستقطاب عناصر داخل البلد لتجاوز مشكلة عدم الحصول على المعلومات، ظل دائما الورقة الباقية التي تعطي العدو الأمل في تجاوز هذه الإشكالية، لكن بلادته – كما يبدو – لم تسعفه للتيقن بأن الجهاز الأمني يعيش باستمرار «اللحظة» وكأنه في ذروة المواجهة بأعلى مستويات اليقظة، وربما محاولات العدو الأحمق تأتي من باب الرهان على أن ثمة لحظات ستكون في الساحة أكثر ملاءمة للتحرك بأريحية، وهو الذي دائما ما كان رهانا خاسرا، والشواهد تقود إلى أنه مع تراجع القدرة على الاستقطاب، فإن تحرُك أي عناصر تتعامل معه يبدو صعبا للغاية، لذلك شهدت السنوات الماضية كشف الكثير من المحاولات والخلايا وإحباطها.
إنجازات الجهاز الأمني والاستخباراتي لا تنطلق فقط من قدرات ويقظة كوادره، وإنما أيضا من الرؤية التي وضعها لمحاصرة أي تحركات مشبوهة، إذ جعل فيها المواطن عيناً للأمن، وعنصراً إسهام أساسياً في إحباط الكثير من محاولات الاختراق، وهي ميزة تنُم عن حرفية ومهنية وذكاء، والذكاء هو أكثر ما يحتاجه العمل الاستخباراتي، فتوفره يعني القدرة على تطويع التعقيدات والصعوبات، كما وتوظيف المتاح من الإمكانات لتحقيق أرقى مستويات الأداء.
اليوم.. الكائن الأمريكي يرفع من وتيرة التهديد والوعيد وكأنه قد استوفى جمع ما يريد من المعلومات، وهي واحدة من أساليب الحرب النفسية، ثم إذا ارتكب حماقته بالاعتداء فلا يتجاوز مولدات الكهرباء أو خزانات المياه أو هناجر المصانع، وجميعها لم تسلم من القصف خلال سنوات العدوان، وحفظا لماء الوجه يسوِّق الأكاذيب باستهداف القدرات العسكرية وما شابه من درجة الأهمية، وهي مسألة ظل دائما يعمل عليها، لتصفعه هجمة يمنية جديدة بصاروخ باليستي أو فرط صوتي، أو طائرة مسيرة.