نبدأ من اليمن، ثم إلى معتقل غزة في خط مستقيم، ثم إلى سوريا في آخر متعرج، ثم نعود إلى حدود النار والدمار في خطٍ متقطع، لا شك أننا نفهم الآن سبب تسمية اليمن السعيد بهذا الاسم التاريخي، ويبدو أيضا أن الموروث لا يغادر وارثه مهما طال الزمان، لم يعد هنالك من شك بأن إطلالة اسم اليمن على شاشات الأخبار وتصدره العناوين أصبح مصدرا لرشفات من السعادة لكل شعوب العرب في سنوات القهر والمكابدة العربية .
كلما هبطت معنوياتنا أو تأرجحت عزيمتنا يعود اليمن ببطولته وتضحياته ليعيد ضبط موازين ومعايير كل الأمـة في الاتجاه الصحيح، لم توجد طيلة الشهور الماضية كلمة تماثل أو تعيد تذخير نفوسنا بمثل ما فعلت كلمة السيد عبد الملك الحوثي وهو يؤكد ثبات اليمن وشعبه البطل على ميثاق الكرامة مهما بلغت التضحيات ومهما اشتد العدوان الغادر، والعظمة في كتاب التاريخ تأتي من تزاوج التضحيات الكبيرة مع استمرار العطـــاء الذي لا ينقطع، وهذا ما يفعله اليمن وشعبه الذي يتصدر اليوم سماء الحرية في سنوات العسرة .
في نفس الوقت الذي تعمل فيه الآلة الإعلامية الأمريكية بشقيها الغربي والعربي على فتح ملفات القتل والتعذيب داخل السجون السورية وتحويلها إلى ترند الموسم لإلهاء وإشغال الوعي العربي والعالمي بما يحاك ضد سوريا والمنطقة، تستمر عمليات القتل الأمريكي داخل غزة غـزة إلى الحد الذي أصبح فيه هذا القتل موضةَ المرحلة وشيئاً مسلما به ولم يعد يثير حتى شفقة المتفرجين أو يستفز إنسانيتهم لأن هذه المشاعر تم نقلها بشاحنات إعلامية إلى مواضع جديدة من الرواية الأمريكية –الصهيونية تستمر عمليات القتل وفصول الإبادة بمسح البيوت ونسف الحياة بكل معالمها على يد أحقر عصابة عرفها العالم المعاصر والماضي
لقد تجاوز العدوان على غزة كل حدود المنطق والعدالة وحتى الأعراف التقليدية للعدوان، لقد دخل إلى نطاق قوننة القتل وترجمته إلى عُرفٍ دولي وإنكار الحياة ومعانيها وإنكار حق الإنسان العربي في الوجود على سجل هذه الحياة، هذه هي الحرب الوحيدة في القرن المعاصر التي يشاهد فيها العالم الكلاب وهي تأكل لحم الموتى لأن جيش القتلة يمنع اقتراب أحد من الشهداء .
لقد تم امتطاء ذريعة هجمات 7 أكتوبر لإطلاق مشروع الشرق الأوسط الإسرائيلي وكسب الزخم الزماني والمكاني لتحقيق هذه الخطط المؤجلة، لقد تحلل الكيان الصهيوني من الاتفاقيات القديمة واخترق كافة العهود والوعود الدولية وفرض الاعتداء دون ردع أو منع، بل على العكس، تتم تغطية هذا التحلل من كل المواثيق بالعبارة الأمريكية الفرط صوتية: حق الدفاع عن النفس! نشاهد هذا الأمر في المطالبة بإسقاط اتفاقية أوسلو والسلطة الفلسطينية على الرغم من خدماتها الجليلة للاحتلال، ونشاهد هذا بالاعتداء على الجولان وجبل الشيخ خلافا لكل الاتفاقيات القديمة الموقعة في العام 1974، ونشاهده في الاعتداء على لبنان وخرق الهدنة بعشرات المرات، لقد أصبح من الواضح أن كل الاتفاقيات من كامب ديفيد إلى وادي عربة واتفاقيات ابراهام صارت مجرد أوراق مستهلكة تنتظر حرقها في التوقيت المناسب، فيما العرب الراكضين وراء أحلام السلام سيحظون في نهاية المطاف بالخسران الكبير.
ما يجب التأكد منه هو أننا أمام مخطط متكامل لا يتوقف ولا يرحم ولا يكتفي، المخطط الذي يجري في المنطقة يحمل في قسطه الأول مرحلة التأديب والتحجيم، وهي المرحلة التي نراها ونعايشها وتتضمن كسر محور المقاومة في مراكزه، يحدث ذلك في غزة ثم لبنان ثم سوريا والدور القادم هو العراق وصولا إلى المركزية الإيرانية، المرحلة الثانية هي مرحلة فرض الشروط الجيوسياسية الجديدة التي ستفضي إلى الترتيب وخلق دويلات جديدة وصناعة أنظمة أشـد بهدلةً من الأنظمة الحالية، المرحلة الثالثة تتمثل في الوصول بكل المنطقة العربية لحالة مشابهة لما تعانيه الضفة الغربية عداً ونقداً، بمعنى ان كل ثروات العرب ستخضع للإشراف الأمريكي -الإسرائيلي، وكل نمط حياتهم سيكون وفقا للمعايير الإسرائيلية لا غير .
إن العقيدة القتالية الأمريكية والصهيونية قائمة على ثلاثة أضلاع أساسية هي : وحشية المبادئ – التضليل الإعلامي – القوة التقنية المستندة إلى الآلة ، هذه التركيبة الحضارية تمثل النموذج الأضعف في سباق البقاء للحضارات والأقصر عمرا في ضمان المستقبل، يمكنها تحقيق إنجازات ولكن ليس انتصارات، لقد حقق الكيان الصهيوني إنجازات ولكن هذه الإنجازات لا يمكنها أن تكون انتصارات وفقا لمسطرة القياس ، بعكس ضربات المقاومة التي حققت إنجازات تتمتع بكونها انتصارات مؤثرة في مستقبل الكيان وداعميه.
ولا زالت ألوية المقاومة تسجل كل يوم ضربات مؤلمة بحق هذه الوحوش .
جميع المشاريع المرسومة للمنطقة ضمن خطة الشرق الأوسط الإسرائيلي هي مجرد أحلام ظرفية مولودة بحالة الموات وغير مضمونة العواقب
مشروع احتلال غزة والتهجير وترحيل سكان الضفة مثلها مثل سائر الأساطير والأوهام الإسرائيلية سيذهب إلى إرشيف المحاولات الفاشلة لأننا أمام شعب من الجبارين، قادة الكيان ومن يقف وراءهم من الغرب والعرب ذاهبون بشكل حتمي إلى المساءلة والمحاكمة والامتهان بين الأمم وهذا ما سيكون عليه الحال حتى لو بعد سنوات طويلة
إن ترامب ووعوده بالتضافر مع تصريحات وأحلام قادة الكيان الصهيوني بإزالة ايران وتغيير نظام الحكم فيها وفرض الهيمنة الصهيونية المطلقة على الإقليم ليس قدرا محتوما للمنطقة، إنها أضغاث أحلام لغزاة جدد مر مثلهم الكثير على بلادنا وشعوبنا، ندرك ان المرحلة القادمة تنطوي على تداعياتٍ هائلة ،لكننا نؤكد بأن إيران ليست دولة مارقة في التاريخ وليست لقمة سائغة، اليمن ليس شعبا يعيش على الحلوى الأمريكية لكي يشعر بالألم أو يطالب بالاستسلام إنه من يقود المرحلة بكل جدارة ، حزب الله لم ينته ولم تطو صفحته من المواجهة، غزة لم ترفع الراية البيضاء وها هي عمليات الأبطال في جباليا تشرق سماء العرب كل يوم، وسترغمون على قبول اتفاقية التبادل استسلاما وخضوعا للمقاومة التي سيخلدها التاريخ، وإن غدا لناظره لقريب .
كاتب فلسطيني