ما الذي يرسمه هذا التحول الذي تشهده سوريا؟ وإلى أي حد سيأخذ هذا البلد العربي الأصيل ملامح الدول «التابعة» بعد أن كان طرفا عصيا على التطويع والسير في ركب دول الكيان؟.
التقسيمات قائمه وتقطيع الأوصال جار تعميقه بمنهجية ميسرة ومشاهدة عربية وإسلامية، وعشرات المكونات اليوم داخل سوريا تحاول رسم تفاصيل الواقع الجديد والتبشير بمسارات جديدة للمشهد مع خفض الجناح ولين القول بعد عقود من الرفض والمقاومة.
الشرق الجديد يتشكل لكيان بلا حدود، يستبيح فيه المحيط القريب، وينفخ أوساخه على كل المنطقة، مظلته أمريكا والغرب، وسنده الحامي الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومؤشر نجاحه، جمهوره المشجع، حفنة الحداثيين الموالين الذين لا يرون في جرائمه ما يخدش شعاراتهم المستوردة، ولا يتسع جدالهم وانتصارهم للسلام بالمفهوم الأمريكي والإسرائيلي لدماء وصرخات أطفال ونساء فلسطين المستباحة.
توغّل الكيان وأعلن «دمرنا 70%، 80% من القدرات العسكرية ومئات الأهداف الاستراتيجية السورية»، مقدرات عقود من الزمان في سوريا نسفها الكيان الإسرائيلي في أيام، وتهدم جزء أصيل من جدار المقاومة، ولا صوت للفاتحين الجدد، ولا اعتراض لإخوة الدين وشركاء التاريخ والجغرافيا، ولا إدانة لمراقبيّ المنتهكين للقوانين والمبادئ الدولية، إلا من صوت خجول، وفقاعة أسمتها الأمم المتحدة بيان، حذرت فيه الكيان، من تجاوز مظامين اتفاقية فض الاشتباك (1974).
يثير الصمت الذي رافق العدوان الإسرائيلي على سوريا عاصفة من علامات الاستفهام المعَقَّدة، إذ ظهر في المشهد وكان العدو الصهيوني جزءاً من معركة «فتح» للدولة السورية، وعكست تصريحات قادة الكيان وضعية مريحة لتطلعاته.
كما كشف الدخول السريع لإسرائيل في المشهد السوري فداحة ما صارت إليه الأمة، وأكد حقيقة عميقة بأن لا رغبة لإنهاء حالة الارتهان لبريق الغرب، ولا استعداد لحلحلة قيود الخوف أو مغادرة مساحة الخنوع والاستسلام لرغبات الوكيل الإسرائيلي لدول الغطرسة في المنطقة خوفا وطمعا. يحدث هذا رغم علم أنظمتنا الموقرة بأن هذا التدخل الأمريكي الصهيوني أنما هو جزء أصيل من مخطط إعادة صياغة الشرق بما يتوافق والمتغيرات والتحديات العالمية، وتمكين العدو من صدارة المنطقة وتوسيع كيانه، لذلك فالقادم من المؤكد أنه سيكون أكثر خزيا وفظاعة.
أنظمة بائسة تبيع حاضر شعوبها ومستقبلها بثمن بخس مقداره بقاء هذه الأنظمة على كراسي السلطة، والمحصلة مخزية، لا أكثر من سنوات وعقود من الضعف والتهاون وتقليد النعامة في إخباء رأسها من نور الحقائق وشواهد المخاطر تنتهي اليوم إلى مثل هذا الوضع المزري فتجعل الكيان يتجرأ ليعلن بلا خجل انه وبمئات الغارات قد دمر قدرات بلد عربي جديد إضافة إلى دول أخرى، كان من بينها اليمن الذي دمرت المؤامرات قدراته قبل الشروع في تحالف دولي للعدوان والسعي لتدمير ما تبقى.
قبل يومين، وزير خارجية واشنطن يزور دولا في المنطقة، والتحركات الأمريكية في أوجّها للانتهاء من باقي تفاصيل اليوم التالي لهذه الأوضاع المتفجّرة في المنطة، العيون تترقب، وما لم يتم تدارك ما بقي من نخوة وعزة، ورفض لاستراتيجية الاستضعاف التي تمارس ضد الدول العربية والإسلامية عموما، فان امتنا ستتحول رعايا في دولة خلافة على الطريقة الأمريكية الصهيونية.
الصمت في هذا الاختبار لا شك بأنه ستكون له تداعيات كبيرة، خصوصا وأنه فعل معلن ويأتي في سياق تهديد ليس خافياً على أحد وسيطال الجميع، وهو ما يفترض أن يرفع من وتيرة الرفض ويدعو لموقف حازم، يضع نهاية لهذه البلطجة وللضوء الأخضر الممنوح للكيان ليمارس على أساسه ما يشاء، عدا ذلك فلن يدرك أحد من أين ستأتيه رياح القلع.