أنصار الله وحزب الله ونصر من الله

طاهر محمد الجنيد

 

 

في خطوة متوقعة وافق الكيان المحتل على هدنة –وقف اطلاق النار –بينه وبين حزب الله وهي استجابة لتوقعات المحللين والخبراء العسكريين الذين أجمعوا على أن مواجهة المقاومة ليست كالحرب التي استطاع الكيان أن يظفر فيها بسبب التفوق العسكري المادي والمعنوي؛ فالمقاومة تتمتع بقدرات مادية محدودة، لكن معنوياتها عالية بالإضافة إلى الخيانات والعمالة التي قدمت الجيوش كهدية لصالح تطبيع علاقات التعاون مع الحلف الصليبي الصهيوني على حساب الدماء المسفوكة ظلما.
جيش الاحتلال كان قد أعد خطة اجتياح غزة ولبنان قبل طوفان الأقصى وبنى استراتيجيته على عنصر المفاجأة مستفيدا ومعتمدا على تفوقه العسكري .
وبحسب ما كشفته القناة الـ 12 الإسرائيلية، فقد تم إعداد خطة رئيس الشاباك رونين بار، في 1 أكتوبر قبل انطلاق طوفان الأقصى واعتمدها رئيس هيئة الأركان هرتس هاليفي ومضمونها توجيه ضربة استباقية واغتيال أكبر 6 قيادات في قطاع غزة أولهم يحيى السنوار ومحمد الضيف وهي ذاتها التي عمل عليها كيان الاحتلال للقضاء على حزب الله ظنا منه أن ذلك كفيل بتحطيم المقاومة والقضاء عليها، كما حدث في عام 1967م حين استطاع أن يواجه أربعة جيوش عربية ويستولي على أكثر من ثلاثة أضعاف المساحة التي استولى عليها بعد قرار التقسيم المشؤوم.
لم يدرك كيان الاحتلال أن حرب المقاومة غير حرب الجيوش ونصر المقاومة هو استمرارها في عملياتها النوعية والجهادية، لأن الاستسلام محذوف من قواميس المجاهدين الذين يبتغون (إحدى الحُسنٓيين)، وهو ما لم يدركه العدو جيدا، محلل صهيوني وصف المجاهدين بقوله:–لديهم إيمان لا نمتلكه، يرابطون لأشهر بلا أكل ولا شيء، لو بقي واحد منهم ولو كان مبتور الأطراف لما استسلم.
فخلال أكثر من 14 شهرا والمقاومة تواجه الحرب الإجرامية رغم الحصار الخانق من قبل صهاينة العرب والغرب، حيث طورت عملياتها النوعية وواجهت أفتك الأسلحة وأقذر الحروب الإجرامية وحققت إنجازات نوعية شهد بها العدو ووصلت إلى ضرب أهداف استراتيجية .
تخلت الأنظمة العربية عن دعم المقاومة ومعها الجيوش وانتقلت إلى مساندة ودعم الإجرام الصهيوني وكان محور المقاومة هو المدد والناصر والمعين لمظلومية الأشقاء في غزة وفلسطين، رغم المخاطر الكبيرة المترتبة على ذلك، لأنه يدرك خطر إجرام الحلف الصهيوني الصليبي ولأنه ينطلق من مرجعيه القرآن الذي أبان حقيقة ضلال اليهود وارتكاسهم بعد أن أنعم الله عليهم، لكنهم بغوا وطغوا ووصل بهم السفه إلى التطاول على رب العزة والجلال سبحانه وتعالى .
ولا يختلف حال الداعمين والمؤيدين لهم، فهناك جملة من الأخلاق الذميمة كقاسم مشترك، منها الغدر والخسة والخيانة والإجرام والاستبداد والطغيان، يستحلون سفك دماء الآخرين وأكل أموالهم قال تعالى((ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ))آل عمران -75-.
الاغتيالات الإجرامية لقيادات محور المقاومة مستمرة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق وإيران وغيرها من البلدان، وهذه المرة أعلنوا نواياهم ونسقوا مع صهاينة العرب والغرب وحسبوا أن هذه الجرائم ستمر بسهولة وستؤدي إلى انهيار محور المقاومة وانكفائه على ذاته، لكن العكس هو الذي كان، حيث سقط القادة شهداء أماجد كراماً وسالت دماؤهم لتنير درب العزة والكرامة وإعلاء كلمة الله ونيل رضوانه.
لقد أغراهم الدعم المادي والمعنوي والعسكري غير المحدود فشنوا غاراتهم الإجرامية ووسعوا مداها لإثبات أنهم ما يزالون قادرين على المواجهة بعد أن عراهم طوفان الأقصى واتجهوا إلى لبنان يستعرضون قدراتهم بعد ما فعلوه في غزة، لكنهم دخلوا صفوفا وخرجوا زحوفا وأشلاء، لذلك أدركوا انه لا مفر من الهدنة لإعادة حساباتهم الخاطئة، فاستسلموا للهدنة بعد الاستقبال الذي بادرهم به حزب الله، ولولا ذلك لاستمروا في ممارسة تفننهم في ارتكاب المذابح الإجرامية، كما يفعلون في غزة .
قوة الردع والتصدي التي يمتلكها حزب الله تمثل سياجا منيعا للأشقاء في لبنان، ولولا ذلك لمارس كيان الاحتلال اجتياحه كل يوم، إضافة إلى الاغتيالات الفردية بالقنابل والصواريخ والجماعية كمذبحة «البيجر».
لقد أسقط محور المقاومة هيبة الصهاينة وقوتهم المزعومة، فالجيش الذي هزم أربعة جيوش عربية في ستة أيام لم يستطع كسر عزيمة المقاومة على مدى اكثر 420 يوما في غزة ودُحر في لبنان وانهالت عليه الصواريخ والمسيّرات من اليمن والعراق وايران، ليتضح انه أوهى من بيت العنكبوت، كما قال سماحه السيد الشهيد القائد حسن نصر الله .
إعلان الهدنة كان مفاجأة كبيرة لصهاينة العرب والعجم، العرب المطبعون والمتصهينون تساءلوا بخبث ما هو النصر الذي حققه حزب الله والذي يتحدث عنه؟ وهم يعلمون يقينا أن رضوخ الكيان للهدنة بعد الدعم غير المحدود يعد نصرا بحد ذاته على القوى الداعمة للإجرام وهم في المقدمة يغالطون أنفسهم وينشرون الأكاذيب.
صهاينة اليهود والصليبيون معلوم عنهم أنهم لا يبرمون أي اتفاق هدنة ما داموا قادرين علي ارتكاب المذابح الإجرامية في حق الأطفال والنساء والشيوخ وأنهم يتخذون الهدنة لممارسة الغدر والخداع على مدى تاريخهم القريب والبعيد والله قد حذرنا من ذلك فقال((اوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل اكثرهم لايؤمنون))البقره-100-
إن وراء اللجوء إلى الهدنة من الكيان الإجرامي قدرات نوعية أثبتها حزب الله في ضرب عمق الأراضي المحتلة وتدمير أهداف حساسة ومهمة وتحطيم القبة الحديدية، بالإضافة إلى القدرات الاستراتيجية في إدارة المعارك والتماسك القوي، حتى بعد استشهاد قيادات الصف الأول وعلى رأسهم الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، فكانت الهدنة خياراً لا مفر منه للعدو .
إن هذه الحرب الإجرامية التي طال أمدها لغياب التكافؤ بين مقاومة تعتمد على ذاتها وإجرام مدعوم بلا حدود، دمر الإجرام غزة ولبنان بالأسلحة المحرمة دوليا، هي أطول حرب للحلف الصهيوني الصليبي العربي والغربي، وهي استراتيجية موفرة للوقت والجهد والإمكانيات، لكنها اليوم خلقت الانهيار لمجتمع «الكيبوتسات» القائم على عسكرة المجتمع في كل المجالات، ولذلك يريد خوضها كآخر حرب، فيستخدم كل أنواع الأسلحة المحرمة ويرتكب جرائم الإبادة الجماعية حتى يرهب الآخرين بعد اتخاذ الحرب وسيلة أو خيارا في علاقاتهم معه.
الجيوش العربية التي يتفاخر العدو بتدميرها في غضون أيام، لم يكن ذلك بفعل قوته وسلاحه، بل حصيلة تكالب القوى الاستعمارية الحديثة والقديمة، مضافا إليها الخيانات والعمالة، لكن الحال اليوم في مواجهة المقاومة مختلف تماما، فهناك مجاهدون لا يخافون الموت ولا يرهبون الإجرام والمجرمين؛ مجاهدون يخافون الله ويتقربون إليه وفي سبيل إعلاء كلمة الله يلتزمون أمره ويوفون بوعودهم معه قال تعالى ((قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين))التوبه-14.
وإذا كان رهان الصهاينة جميعا على تصفية مظلومية الأشقاء في فلسطين ولبنان من خلال صفقة القرن التي ستمول بقيمة النفط العربي ومضامينها واضحة (إضعاف المقاومة الفلسطينية في غزة بشكل جذري وكسر شوكتها بواسطة خيارات وخطوات عنيفة وصادمة –والتطبيع واسع النطاق دون الالتزام بالمرجعية العربية المحددة بالتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية)، فبالقوة سيتم إسقاط المبادرة العربية للسلام وبها سيتم التطبيع وأيضا تدمير المقاومة، وفعلا استجابت الأنظمة العربية وطبعت علاقاتها ووصل الحال بصهاينة العرب إلى أن تقوم الجهات الرسمية بحذف آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن اليهود وتم تصنيف القوى والحركات الإسلامية الجهادية بالإرهاب بخلاف الحركات المتصهينة التي أنشأها الغرب لتشويه الإسلام ولحماية مصالحه وتنفيذ استراتيجيته .
محور المقاومة وعلى رأسه حزب الله وأنصار الله في اليمن والمقاومة الإسلامية في العراق وجمهورية إيران، واجه حلف الصهاينة وكان لمظلومية غزة عونا وسندا، فانهارت المؤامرات وعرف العالم زيف دعاوى الإجرام اليهودي وأعاد طوفان الأقصى مظلومية الشعب الفلسطيني إلى الواجهة بعد أن كاد النسيان يتجاوزها.

قد يعجبك ايضا