عن غطرسة القوة وقوة الصمت

طه العامري

 

قيل إن (الحق فوق القوة)، وقيل إن (السلام بدون قوة تحميه استسلام)، والسلام لا يتحقق من خلال غطرسة القوة أو وحشية استخدامها، ولا تأتي به جرائم حرب الإبادة.. والسلام أيضا لا يأتي من خلال (الصمت) على جرائم عدو داس على كل القيم والقوانين والتشريعات الدولية.
نعم ما يرتكبه الكيان الصهيوني في فلسطين ولبنان والمنطقة منذ أكثر من عام، من جرائم يندى لها جبين الإنسانية، سلوك لن يأتي بالسلام لهذا الكيان، والصمت العربي والإسلامي والدولي لن يحقق الاستقرار لا (للصامتين) الذين يغرسون رؤوسهم في الرمال مقتفين أثر (النعامة) وسلوكها، ولا لأولئك الذين اعتمدوا على غطرسة القوة يحاولون اعتماد إرهاب القوة لتحقيق السلام لأنفسهم، إن السلام يأتي به الحق والعدل والاحترام المتبادل والاعتراف بحقوق الآخر، والسلام مناط بتحقيقه القانون الدولي وعبر المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين..
منذ قرابة قرن من الزمن والشعب العربي في فلسطين يناضل من أجل حريته وحرية وطنه ومن أجل حقوقه العادلة ضد قوة احتلال استيطاني ترتكب أبشع الجرائم وأوحش المجازر بحق شعب مظلوم يدافع عن حقوقه في ظل (صمت) إخوانه وأشقائه وأصدقائه والمجتمع الدولي، بما في ذلك عجز المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، الذين انحازوا مع ( الجلاد) ضد (الضحية)، مع أهل الباطل ضد أهل الحق، وهذا السلوك لن يحقق السلام والأمن، ويتوهم أصحاب غطرسة القوة أن غطرستهم هي الوسيلة لتحقيق امنهم وسلامهم، بالمقابل يتوهم أصحاب (الصمت) أن في صمتهم نجاتهم وسلامتهم.. إن نجاة الجميع وسلامتهم هي في تحقيق السلام العادل الذي يعيد لأصحاب الحق حقوقهم وبدون عودة الحقوق المشروعة الكاملة للشعب العربي في فلسطين فإنه لا سلام ولا أمن يمكن أن يتحقق لا لأصحاب غطرسة القوة ولا لأصحاب (قوة الصمت) الذين لم تهزهم جرائم المتغطرسين الذين اعتمدوا على القوة في تحقيق أمنهم وسلامهم، فالقوة ومن يعتمد عليها لا تولد إلا ردود أفعال مقاومة لغطرستها، تتماهى معها بالبأس والتأثير، وإن كانت المقاومة قد طورت أدواتها مع تطور قدرات العدو وأساليبه فإن جرائم العدو تعطي المقاومة شرعية التعامل مع غطرسة العدو بذات الطريقة والأسلوب، بدليل ما حدث ويحدث في ملحمة (طوفان الأقصى) التي كان يفترض من المجتمع الدولي ومنظماته أن يتخذها نقطة انطلاق نحو تحقيق سلام عادل وإنصاف الشعب العربي في فلسطين ويمنحه حقوقه المشروعة، بدلا من الانحياز لجانب العدو وتبرير غطرسته، بل وتشجيعه على مواصلة هذه الغطرسة والوحشية في حرب إبادة تخجل منها السماء والأرض والشجر والحجر، في المقابل كان يفترض بمن التزموا (قوة الصمت) إزاء هذه الغطرسة ووحشيتها وجرائمها، أن يدركوا بدورهم أن (قوة صمتهم) لن تعفيهم ولن تحمي كياناتهم ولن تحقق لهم الأمن والاستقرار، والأمر ذاته يسحب نفسه على المجتمع الدولي..
نعم تمت إبادة قطاع غزة وقتل أكثر من (مائتي ألف عربي فلسطيني) غالبيتهم أطفال ونساء وشيوخ ومدنيون عزل وتم تدمير كل مقومات الحياة في قطاع يسكنه قرابة (2.5) مليون مواطن عربي، هم اليوم في عداد المشردين والنازحين الذين لم تبق لهم سبل العيش والحياة، فلا مساكن تأويهم ولا خيام تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء، وعدو متغطرس يتوهم أنه بالقوة سوف يحقق أمنه ويفرض السلام الذي يريد، وهذا هو المستحيل، لأنه عاجز عن فرض هذا الخيار منذ ( 75) عاما.
(قوة الصامتين) لن تعفي هي الأخرى أصحابها الذين يحاولون النأي بأنفسهم عن (القضية) أو الاكتفاء بالتضامن مع أصحاب القضية عبر تصريحات إعلامية عابرة أو ببعض الفتات من المساعدات، فكل هذا لن يحقق لهم الأمن في الغد وإن توهموا أنهم اليوم بعيدون عن فلسطين وأنها مسؤولية أهلها، بل هي مسؤوليتهم، لأنهم هم الذين يعتمدون اليوم على (قوة صمتهم) وهم من تسببوا في أزمة فلسطين وليسوا أبناءها.
إن فلسطين قنبلة موقوتة، إذا قرر أبناؤها أن يفجروها فإنها سوف تنفجر أمام الجميع وفي وجوه الجميع وتداعياتها ستطال الجميع وسوف تضرب أوكار الكل، ليس المتغطرسون والصامتون فحسب، بل والمجتمع الدولي المنافق والمنحاز لقوى الغطرسة.. إن فلسطين تقدم اليوم التضحيات غير المسبوقة في ظل أوضاع إقليمية ودولية غير مسبوقة، لكن ليكون الجميع على ثقة أنه لا أمن ولا استقرار ولا سلام يمكن أن يتحقق لا للعدو المتغطرس ولا للصامتين ولا للمجتمع الدولي، في زمن رغم كل مظاهر الغطرسة والتفوق فيه لدى البعض، إلا أن هذا العالم لايزال تحت (رحمة مقاوم) يمكنه وبكل بساطة نقل المعركة لخارج فلسطين، بل إن دعوة من أبطال المقاومة لكل حر في عالم الصامتين وفي العالم الكبير، فعل كفيل بتحويل هذه (العوالم) إلى مسارح غير مستقرة تدفع ثمن غطرستها وانحيازها وصمتها.. وهذا ما سوف تكشفه تداعيات قادم الأيام والأحداث.

قد يعجبك ايضا