منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” : الأطفال في قطاع غزة يواجهون خطر الموت بسبب التأخير في الإجلاء الطبي
مستشفى كمال عدوان.. هذا ما حدث في آخر حُصون شمال غزة الصحية
الثورة /وكالات
لا يوجد معنى للحصار الإسرائيلي الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي على مستشفى كمال عدوان في شمال قطاع غزة، واعتقال طواقمه الطبية إلا تحقيق جريمة الإبادة التي تمارسها إسرائيل عن سبق إصرار منذ 24 يوماً.
فبعد حصار استمر لخمسة أيام اعتقل جيش الاحتلال 40 طبيباً وممرضاً من الطواقم الطبية العاملة في المستشفى الأساسي الوحيد في شمال قطاع غزة، ولم تبق فيه إلا مديره العام د. حسام أبو صفية، وطبيبا واحدا، تخصص أطفال، ما دفع بوزارة الصحة إلى إطلاق مناشدة للمؤسسات الدولية بسرعة إيفاد فرق طبية جراحية للمستشفى، ومطالبة كل من يملك مهارات جراحية الالتحاق به؛ “لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجرحى والمرضى”.
واعتقل جيش الاحتلال في 26 أكتوبر الجاري عدداً من الجرحى والمرضى والنازحين في المستشفى، في حين أن التغطية الصحافية لهذه التطورات شبه معدومة، في ظل سيطرة الاحتلال على المنطقة بالكامل، ما يمنع معرفة كل ما جرى في المستشفى، حيث جرى في ذلك اليوم احتجاز فتيات من الطاقم الطبي في غرفة منعزلة من دون طعام أو ماء، واقتيد الرجال مجردين من الملابس ومكبلي الأيدي إلى جهة غير معلومة.
ويؤكد مدير عام وزارة الصحة بغزة، منير البرش، أن 30 من الكوادر الطبية لا يزالون رهن الاحتلال، حيث أفرج الاحتلال عن 10 منهم بعد ساعات على اعتقالهم، فيما قال ناشطون إن جيش الاحتلال أفرج عن بعض الأطباء والممرضين المعتقلين، ووصلوا إلى عيادة الشيخ رضوان غربي مدينة غزة.
ولم يكن تخلي جيش الاحتلال عن فكرة اعتقال مدير عام مستشفى كمال عدوان – الذي ظهر في مشهد إتمام حصار المستشفى واعتقال كادره يوم 26 أكتوبر، بعد قصف مدفعي رافعاً يديه برفقة حكيمة، رفعت قماشة بيضاء بإحدى يديها المرتجفتين – لحسن نية بل لأجل حرق قلبه على ابنه إبراهيم (20 عاما) الذي اغتيل برصاصة في الرأس أطلقتها مُسيرة إسرائيلية من نوع “كواد كابتر” في اليوم نفسه.
في المشاهد التوثيقية لعملية الإبادة والتهجير القسري بالقوة النارية عبر قصف المنازل ونسف المربعات السكنية، والتي ما فتأت تخرج من شمال غزة، يبكي د. حسام ولده بحرقة وهو الذي لم يخلع معطفه الأبيض منذ بدء حرب الإبادة قبل أكثر من عام، ليختار أن يدفن ابنه إلى جوار جدار المشفى الذي لم يغادره.
“حرقوا قلوبنا“
ولم يتمالك د. حسام أبو صفية نفسه، وانهمرت دموعه عند تذكُّر ابنه الشهيد، معبّرًا عن الألم العميق الذي يشعر به نتيجة فقدان، وسط الأحداث المؤلمة التي يشهدها شمال قطاع غزة.
ويقول مدير مستشفى كمال عدوان، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل ابنه لأنه يقدم رسالة إنسانية، وأنه دفن ابنه بجوار جدار المستشفى.
ويضيف في مداخلة مع الجزيرة مباشر: “كل شيء فقدناه في هذه المستشفى حتى أبناءنا، حرقوا قلوبنا على المستشفى وقتلوا أطفالنا أمام أعيننا لأننا نحمل رسالة إنسانية، ونقوم بدفنهم بأيدينا”.
ويؤكد أبو صفية أن المستشفى الآن يعمل بطبيبين فقط، قائلا “أنا وزميل آخر نحاول تقديم الخدمات، لكننا نفتقر إلى الكادر الطبي اللازم خصوصا في مجال الجراحة، ما يجعلنا غير قادرين على تقديم العناية المطلوبة”.
ويشير إلى أن عدد الجرحى في تزايد مستمر، إذ يفقد المصابون حياتهم لعدم توفر الإمكانات الطبية اللازمة، مطالبا المجتمع الدولي بفتح ممرات إنسانية لإدخال الطواقم الطبية والمعدات اللازمة لإنقاذ الجرحى.
كما ناشد إدخال سيارات الإسعاف لنقل المرضى بين المستشفيات، قائلا “المنظومة الصحية منهارة تماما، ولا يمكننا وصف الظروف التي شهدناها بعد اقتحام الجيش الإسرائيلي للمستشفى”.
ويؤكد أبو صفية حاجة المستشفى إلى تدخل دولي عاجل، حيث أن جميع الموارد الطبية أصبحت معدومة. كما طالب بالإفراج عن المعتقلين من الطواقم الطبية وتوفير الحماية الدولية، مشيرا إلى أن المستشفى تعرَّض لأضرار كبيرة.
وقصفت المدفعية الإسرائيلية يوم الجمعة 25 أكتوبر، محطة الأوكسجين الخاصة بمستشفى كمال عدوان، ما تسبب بوفاة طفلين من المرضى في غرفة العناية الفائقة. وبعد أقل من ساعة داهمت قوات الاحتلال ساحة المستشفى، وطلبت من جميع المتواجدين من جرحى ومرافقين ونازحين أن يخرجوا إلى ساحة المستشفى واعتدت على عدد منهم قبل أن ينقطع الاتصال بالمستشفى بالكامل، وفق تأكيد مركز الميزان لحقوق الإنسان.
ويوضح المركز أن قوات الاحتلال فتشت المستشفى وأطلقت النار داخل الأقسام المختلفة، مما زاد من حالة الذعر والقلق، مشيرا إلى إصابة 3 ممرضين وعامل نظافة، وتدمير 3 سيارات إسعاف وسيارة نقل، وتدمير منظومة توليد الكهرباء عبر الألواح الشمسية.
كما اعتقل جيش الاحتلال أثناء اقتحامه المستشفى مدير مركز دفاع مدني جباليا سعيد شبير، والإطفائي رمضان الأقرع، وذلك قبل يوم من اعتقال الكوادر الطبية والجرحى والمرضى المتواجدين بداخله، وإحراق سيارات الإسعاف وعدد من المنازل في محيط المستشفى.
3 مستشفيات خارج الخدمة
وقبيل اقتحام مستشفى كمال عدوان أفاد الطبيب محمد عبيد، جراح العظام، بأن قوات الاحتلال لم تتوقف عن استهداف محيط المستشفى منذ اليوم الأول للهجوم العسكري الواسع على شمال غزة في 5 أكتوبر.
ويقول الطبيب عبيد في شهادته للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إن مستشفى كمال عدوان استقبل معظم الإصابات بعد خروج المستشفى الإندونيسي عن الخدمة تماماً، وإطباق الحصار على مستشفى العودة.
ويضيف في شهادة يوم 26 أكتوبر، أن المستشفى اكتظ خلال تلك الأيام بالإصابات دون قدرة الطواقم الطبية المتبقية على تقديم العلاج، فلا أدوية ولا أدوات لإجراء التدخلات الجراحية، مشيرا إلى أن سيارات الإسعاف والدفاع المدني تواجه صعوبة في إخلاء الجرحى، ولا تستطيع الوصول إلى مناطق واسعة من شمال القطاع لإنقاذ حياة العالقين بين أنقاض منازلهم.
ولفت الطبيب عبيد إلى أن عشرات الجثث تكدست داخل أروقة المستشفى بدون القدرة على تكفينها بعد نفاد الكميات المتوفرة من الأقمشة.
وضع مأساوي بلا أفق
وتؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” أن الأطفال في قطاع غزة يواجهون خطر الموت بسبب التأخير في الإجلاء الطبي، فحتى تاريخ 21 أكتوبر، رفض الجيش الصهيوني التنسيق لـ 66 بعثة أممية لإخلاء الجرحى وإدخال مساعدات إنسانية لمحافظة شمال قطاع غزة، ولم تسمح إلا لأربعة من البعثات الإنسانية التي زودت المستشفيات بكميات قليلة من الوقود وأخلت عدداً من الجرحى لمستشفيات مدينة غزة.
وتحذر ستيفاني إيلر نائبة رئيس بعثة الصليب الأحمر في غزة، من تدهور الأوضاع الإنسانية في شمال غزة، والتي وصفتها بأنها “مأساوية للغاية”. وشددت على ضرورة توفير ممر آمن للأشخاص الذين يرغبون في مغادرة أماكنهم.
وقالت في بيان الأحد الماضي، إن “أوامر الإخلاء المستمرة والقيود المتواصلة على إدخال الإمدادات الأساسية تترك بقية السكان المدنيين في شمال غزة في ظل ظروف مروعة”.
من جانبه، يصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الوضع في شمال قطاع غزة بأنه “كارثي”، مؤكداً وجود “نقص خطير في اللوازم الطبية، يضاف إليه وصول محدود للغاية إلى هذه اللوازم، يحرمان أناسا من علاجات حيوية”.
وقال تيدروس إن مهاجمة جيش الاحتلال لآخر مستشفى (كمال عدوان) لا يزال يعمل في شمال قطاع غزة يأتي وسط تعرض النظام الصحي بكامله لهجمات منذ أكثر من عام، مشدداً على “وجوب حماية المستشفيات من النزاعات في كل الأوقات”، مكررا أن أي هجوم على المنشآت الاستشفائية يشكل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي.
غياب القانون الدولي
وتؤكد مؤسسات حقوقية أن استهداف قوات الاحتلال المستمر والمتكرر للمستشفيات الرئيسية الثلاثة في محافظة شمال قطاع غزة، وتعمده إخراجها عن الخدمة نهائياً، وإبقاء المدنيين المحاصرين في تلك المناطق دون خدمات صحية تنقذ حياتهم، “هو جزء من جريمة الإبادة الجماعية التي تنفذها بحق سكان قطاع غزة منذ بدء هجومها العسكري الواسع الذي السابع من أكتوبر 2024”.
وتطالب المؤسسات في بيان صحفي مشترك (المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق)، الدول الأطراف الثالثة الالتزام بمسؤوليتها القانونية ووضع حد لحصانة دولة الاحتلال، ومحاسبة مسؤوليها عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية واتخاذ قرارات فورية بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة.
وتشدد على أن تهجير السكان قسرًا يرقى إلى جريمة حرب حيث تستخدمه سلطات الاحتلال كوسيلة من وسائل الإبادة، مشيرة إلى أن القانون الدولي الإنساني يحظر النقل أو الترحيل القسري للسكان الخاضعين للاحتلال.
وجاء في البيان: “في الحالات الاستثنائية المتعلقة بالضرورة العسكرية الملحة التي يسمح فيها بالإخلاء المؤقت كإجراء أخير، أو بهدف حماية المدنيين، يتطلب من قوات الاحتلال ضمان نقل المدنيين بأمان، وحصولهم على المأوى والغذاء والماء والرعاية الصحية، وهو أمر تمارس قوات الاحتلال نقيضه، وتستخدم تهجير السكان في قطاع غزة كوسيلة من وسائل الإبادة الجماعية في جريمة مكتملة الأركان”.
وبينما يواصل الاحتلال حرب الإبادة على غزة، يفرض حصاراً شاملاً على سكان شمالي القطاع ويمنع وصول الحد الأدنى من المساعدات الإنسانية والصحية إليهم، ويمعن في تدمير النظام الصحي ليضعهم زهاء 200 ألف مواطن تحت ظروف قاتلة ومصيرٍ محتوم: الموت أو النزوح قسراً تحت النار.