قبل عام من الآن – وبالتحديد في صبيحة السبت السابع من أكتوبر 2023 – كان العالم على موعد مع ملحمة بطولية حمساوية غزاوية فلسطينية عربية إسلامية خارقة للعادة، عملية جهادية محكمة الإعداد والتنظيم، محددة الأهداف والمسار، دقيقة التنفيذ والإنجاز، كوكبة من الصادقين مع الله عهدا، انطلقوا في مهمة جهادية بطولية غير مسبوقة، تقاسموا الأدوار، وتوزعوا فيما بينهم المهام والمسؤوليات، تسلحوا بالإيمان الراسخ بالله، واعتمدوا وتوكلوا على عونه وتأييده وتوفيقه لهم، دقت ساعة الصفر معلنة لحظة انطلاق العملية النوعية التي تستهدف كيان العدو الصهيوني، انطلقوا تحرسهم عناية الله وتحيط بهم ألطافه وتساندهم ملائكته، انطلقوا كالطوفان الجارف يسقون الصهاينة السم الزعاف، ويجرعونهم كؤوس المنايا، بعد أن نجحوا في تدمير كاميرات المراقبة، المنتشرة على امتداد خط سير العملية التي حملت اسم ( طوفان الأقصى ) والتي جاءت للرد على جرائم كيان العدو الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وانتهاكاته السافرة للمقدسات الإسلامية وفي مقدمتها الأقصى الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين .
اختراق للسياج الحديدي الفاصل، وهجوم مسلح بواسطة طائرات شراعية، واقتحامات للمعسكرات والمواقع الصهيونية على متن الدراجات النارية، هجمات مباغتة، واشتباكات من المسافة صفر مع الجنود الصهاينة داخل أوكارهم، واستيلاء على دبابات ومدرعات وآليات وأسلحة وذخائر وأجهزة إلكترونية، سيطرة نارية مطلقة على المواقع المستهدفة، وهجوم على مستوطنات وهم في حالة سكر وعربدة ومجون، هروب جماعي للكثير منهم، المئات من الجنود والمستوطنين بين قتيل وجريح، ومثلهم أسرى لدى أبطال المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، هكذا كان المشهد في السابع من أكتوبر، وهذه كانت تفاصيل عملية طوفان الأقصى، التي شكلت ضربة موجعة وقاسية جدا للكيان الصهيوني، الذي عاش لحظات عصيبة جدا، وهو يستجمع قواه لاستيعاب ما حصل، والشروع في تجميع وحصر القتلى وإسعاف الجرحى، وسط حالة من الذهول لما حصل، وكيف حصل ؟!!
عام مضى على ملحمة طوفان الأقصى البطولية، والتي مثلت صفعة مدوية، وإهانة مخزية ومذلة ومهينة للكيان الصهيوني، عادت بذاكرته إلى الوراء، وبالتحديد إلى السادس من أكتوبر من العام 1973عندما تعرض للهزيمة النكراء على يد القوات المسلحة المصرية، الهزيمة التي أسقطت ( أسطورة الجيش الذي لا يقهر ) وأظهرت للعالم من جديد ضعف وهشاشة هذا الكيان الإجرامي، وتقزمه أمام بأس وشجاعة وإقدام أبطال المقاومة الفلسطينية رغم فارق القدرات والإمكانيات الهائل والبون الشاسع بينهما، والذي لا يجعل هنالك أي شكل للمقارنة على الإطلاق، ملحمة صناعها مجاميع من المجاهدين من أبطال كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكري لحركة حماس – في دقائق معدودة، نجحوا في توجيه ضربة موجعة لهذا ( البعبع ) المسمى ( إسرائيل)، والتي بدت واهنة أوهن من بيت العنكبوت .
تلكم العملية الجهادية، جاءت ردا على جرائم الكيان الصهيوني بحق أبناء فلسطين والتي لم تتوقف، الجرائم المسكوت عنها دوليا وأمميا، والمسنودة والمحمية أمريكيا، الجرائم التي تواصلت بكل صلف ووحشية عقب عملية طوفان الأقصى والتي أظهر من خلالها هذا الكيان توحشه وإجرامه المنقطع النظير وهو يجتاح قطاع غزة ويقصف القطاع ويدمره ويقتل عشرات الآلاف من سكانه غالبيتهم من النساء والأطفال، يجرح مئات الآلاف، ويهجر الملايين من سكان القطاع، بعد أن فرض عليهم حصارا مطبقا برا وبحرا وجوا، ما أدى إلى وفاة العديد من الأطفال جوعا، على مرأى ومسمع العالم المنافق، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها عقب عملية طوفان الأقصى .
ورغم أن جرائم هذا الكيان لم تتوقف حتى قبل عملية طوفان الأقصى، بمعنى أن هذا الكيان الإجرامي الفاشي المتوحش لا يحتاج إلى ذرائع لتبرير جرائمه ومذابحه ومجازره، فالإجرام يجري في داخله، مجرى الدم في العروق، جرائمه بحق إخواننا الفلسطينيين لم تتوقف يوما واحدا منذ العام 1948 وحتى اليوم، ولكنه عقب كل عملية تأديبية يتعرض لها، يزداد إجراما وتوحشا، ولكن كل ذلك لا يفت من عضد المقاومة الفلسطينية، ولا ينال من عزيمة وإرادة أبناء الشعب الفلسطيني، رغم كل التضحيات والخسائر التي يتكبدها، فها هم أبناء قطاع غزة بعد عام من العدوان الهمجي وحرب الإبادة الجماعية والحصار الجائر، يواصلون صمودهم الأسطوري، ثابتون على الأرض الفلسطينية الطاهرة، يقارعون هذا الكيان الإجرامي بكل شجاعة وبسالة، ويوجهون له الضربات الموجعة، والصفعات المؤلمة، الواحدة تلو الأخرى، وما يزال هذا الكيان – بعد كل هذا الصلف والإجرام والتوحش – عاجزا عن إعادة الأسرى والمعتقلين الصهاينة لدى أبطال المقاومة، وما يزال عاجزا عن توقيف العمليات البطولية التي يسطروها المجاهدون الأبطال، ولا يزال جيشه يتعرض لحرب استنزاف كبدته الخسائر الكبيرة في العدة والعتاد، ولا يزال شبح طوفان الأقصى يلاحقهم، ويطاردهم في أرجاء قطاع غزة، وسيظل يلاحقهم ويطاردهم إلى أن يأذن الله بالنصر الموعود، والخلاص من هذه الغدة السرطانية، وتطهير وتنظيف الجسد العربي من خطرها وخلاياها وأدواتها القذرة الرخيصة المنزوعة النخوة والشرف والكرامة .