كتب /دينا الرميمة
يوم فقط يفصلنا عن الربيع المحمدي المناسبة التي يحييها محبو النبي المصطفى من شعوب العالم العربي والإسلامي وفي المقدمة اليمنيون الذين يستقبلونها بشغف كبير وقلوب تتسامى على جراحات الحرب الرعناء وبكل شوق ولهفة يعدون ويستعدون لاستقبالها، بما يليق بصاحب المناسبة عليه أفضل الصلاة والسلام، فيقضونها وما قبلها وما بعدها من أيام في رحاب النبي الكريم تلبية وصلاة عليه، وبين محطات سيرته وسنته يتنقلون بحثا عما يحيى قلوبهم ويزكي انفسهم ويزيدهم تقى وتقوى وتأوي أفئدتهم في محراب الحمد والشكر لله على الرحمة المهداة وتجديد العهود لنبيهم أنهم على نهجه ماضون وبهديه متمسكون ولآل بيته مناصرون، وتشاركهم أرضهم المتفردة بالعشق المحمدي، فتبدو كماسة خضراء تنير وجه هذا العالم المظلم بخرافات الصهيونية المعادية لله ورسوله وكل قوانين العدالة التي حققها النبي الكريم على الأرض، نالت استحسان الكثير وشعر بعضهم بالخجل وهم يرون اليمن الواقعة تحت نيران الحرب والحصار تباهي الأرض بحبها المحمدي حتى أنه اتجه الكثير من أبناء الأمة لمحاكاة هذه الاحتفالات وإحياء هذا اليوم الذي حاول العدو طمسه من ذاكرة الأمة لأهداف تخدم مخططاتهم العدائية للنبي المصطفى ودينه الذي أظهره الله على الدين كله.
غير أن هذا العام تأتي فيه هذه المناسبة وحجم وجع القلوب قد تضاعف بسبب ما تعيشه غزة من حرب إبادة وتدمير لم تشهدها أرض في سبيل المشروع التوسعي للصهاينة الذي حدوده كامل الأرض العربية في ظل خذلان من قبل الأمة المحمدية التي لم يستفزها نزيف الدم المسلم وانتهاك المساجد وهدمها على رؤوس المصلين وتمزيق القرآن الكريم وإحراقه والتي جميعها أثبتت أن الحرب على غزة هي حرب دينية عقائدية بامتياز، أمامها انكشفت حالة الذل والهوان التي وصلت إليها الأمة التي اكتسحها صمت مخز تجاه كل ما يرتكبه الصهاينة من استهانة بالدين، ما جعل وزير الأمن القومي الصهيوني ايتمار بن غفير يتجرأ للإعلان عن عزمهم بناء كنيس يهودي داخل المسجد الأقصى الذي قد أحاطوه بعشرات الكنائس والمتاحف اليهودية وباتت تقام فيه الصلوات التلمودية!! وقد يكون له ما أراد طالما وأمة محمد قد أصابها مس التطبيع وثقافة التسامح بين الأديان المستوحاة من الإسلام الوهابي الذي صنعته بريطانيا مع صناعتها دولة إسرائيل وحرفت من خلالها أصول الإسلام الحقيقية وقيمه واستبدلتها بسنن تنافي آيات القرآن الكريم كتلك التي تدعي مصالحة النبي لليهود ومهادنتهم واستدانته منهم وأنه عند يهودي رهن درعه لتكون مبرراً للتطبيع ووصفه بالأمي ونعته بالتخلف واتهام دينه بالرجعية والوقوف في وجه الحضارة الغربية بهدف إضعاف شخصية النبي وإبعاد الأمة عن دينها وجعلها لاهثة وراء الهش من منتجات حضارتهم التي تهدف لسلب الروحية الإيمانية الجهادية وإشغالها بالفتاوى الفقهية في أمور الوضوء والصلاة والنكاح وغيبت أمور الجهاد وكل ما يرتقي بها ويزرع فيها روح المسؤولية تجاه دينها وضد أعدائها.
وفي ذات الوقت الذي كانوا هم يبحثون في القرآن الكريم ويدرسون تعاليمه التي أدركوا أنها ترتقي بالعقل البشري وتؤسس لحضارة تجعل صاحبها يمسك زمام هذا العالم.
وإذا ما أتينا لنبحث في تاريخ الحرب الدينية والعداء للإسلام وأمته، سنجد أنها ليست وليدة حرب غزة أو وليدة دولة إسرائيل وإنما بدأت مع بشارة أنبيائهم موسى وعيسى بالرسالة الخالدة ونبوة محمد النبي العربي الخاتم، ومن حينها وهم يتربصون بالنبي كيد المنون ويتتبعون يوم ولادته الذي فيه تحطم إيوان كسرى وانطفأت نار الروم التي لم تنطفئ منذ الف عام وهزم جيش أبرهة الأشرم وفيلهم بطير أبابيل وحفته عناية وحالت بينه وبين معرفة اليهود له، إلى حين بزوغ فجر دعوته التي صدع بها وسط مجتمع متخلف وعلى أرض تعج بالظلم وتسلط الطغاة على المستضعفين وخرافات دفن البنات وعادات القمار وشرب الخمور وأكل الميتة وجاهلية فيها تعددت الآلهة كالوثنية واليهودية والنصرانية المحرفتين! فجاءت دعوته كالغيث المنهمر على أرض عطشى، غيرت واقع الأمة ووحدت الناس تحت عقيدة التوحيد وساوت بينهم، فلا اختلاف قبلي ولا عنصريّ ولا فضل بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى تحت ظل عدالة الدولة الإسلامية.
وعبر القرآن الكريم فضح النبي سلوك اليهود والنصارى في مجادلة ربهم وقتلهم أنبياءهم وتحريف كتبهم وبينت آياته العداء الشديد للإسلام ونبيه وامته وحرمت التولي لهم وكشفت سعيهم الكبير لجعل البشرية وبالذات المسلمين منها يكفرون كما كفروا فيكونون سواء والى اليوم وهم يعملون على ذلك!
وعلى الرغم من أن الدعوة الإسلامية واجهت إرهاصات وتعرضت لحروب ومعاداة وبالذات من قريش واليهود الذين تحركوا ضدها للقضاء عليها ووأدها وحاولوا لمرات قتل النبي الكريم، كما حاولت قريش من قبل وجادلوه لإطفاء نور الله، إلا أنها انتصرت وظهرت للعالم أجمع وأصبحت الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس وواجهت خلال العصور الكثير من التحديات والانحرافات التي أوصلتها إلى ماهي عليه اليوم من التبعية والذل لأعدائها الذين عملوا على تبديع إحياء المناسبات الدينية وعلى رأسها مناسبة المولد النبوي بهدف قطع أواصر العرى الوثقى بين الأمة ونبيها وجعلها هائمة على وجهها مقتدية بشخصيات عملوا على صناعتها لتزداد ضلالا وبعدا عن ربها!!
لذلك اليوم ومع انفضاح اليهود وظهور حقيقتهم العدائية على أنقاض الركام الذي صنعوه بغزة طيلة أحد عشر شهرا منها أربعة حرم، يجب علينا كأمة ومع ظهور معالم الربيع المحمدي في هذه الأثناء أن نجعل من هذه المناسبة محطة للعودة لقيم الإسلام الزاكيات والأخلاق المحمدية وربيعا يحيى قلوبنا ويغسلها من رين الدين الوهابي ونفايات الغزو الفكري ويعزز ارتباطنا بالنبي الذي رفع الله ذكره وفضله على بقية الأنبياء وبه اقسم دونا عنهم قائلا «لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعهمون»، ولم يخاطبه باسمه وإنما بالنبي والرسول ووصفه بالقمر والسراج المنير وصاحب الخلق، نبينا الذي يعز عليه أن يرانا على مانحن عليه، في رسالة للأعداء تعبر عن عظمة نبينا الكريم ورسالته الخالدة حتى قيام الساعة، يومٌ يوحد الأمة ويطغى على كل الاختلافات والشقاق ويدحض المخططات التي عمل الأعداء عليها منذ أربعة عشر قرناً، ومحطة للعودة لسابق عهدنا من العزة والكرامة، لنعد كما تركنا النبي «خير أمة أخرجت للناس» وبذلك فلنفرح.