عمليات الخليل الثلاث فاجأت دوائر الكيان وأكدت أن المقاومة في الضفة متماسكة ويمكنها إدارة حرب
معركة شمالي الضفة.. هجمة صهيونية يائسة في وقت ضائع الضفة الغربية معضلة «إسرائيل» الكبرى..
20 عاما من التسليح والبناء المقاوم يجعل التهديد الإسرائيلي بالتهجير كعناون للحسم وراء الظهر
صمود المقاومة شمالي الضفة يعيد العملية الصهيونية إلى حجمها الطبيعي بكونها لا تختلف عن الاقتحامات اليومية
الثورة / تقرير / إبراهيم الوادعي
بشكل مفاجئ أعلن كيان العدو الصهيوني فتح معركة شمالي الضفة للقضاء على المقاومة الفلسطينية وتحييد خطرها المتنامي.
بدا الأمر للوهلة الأولى دعائيا ففي وقت ينتظر الكيان رد المحور الجهاد والمقاومة على اغتيال القائدين هنية وشكر وقصف الحديدة، وغرقه في غزة، ها هو يفتح معركة في الضفة.. وتلك حقيقة ليست كل الأهداف وسنأتي على ذكر أهمها في ختام السطور، تكشف المعركة عن معضلة صهيونية في التعامل مع الضفة الغربية رغم السيطرة الأمنية وتغلغل المستوطنات بعكس الوضع في قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي في 2005م .
دفع الجيش الصهيوني بنحو 4آلاف من حرس الحدود لحصار واقتحام مناطق شمالي الضفة جنين، طوباس، طولكرم، نابلس، قلقيلية، سلفيت والمخيمات المتواجدة بها بما في ذلك منطقة الاغوار، حيث وقعت عملية أخيرة للمقاومة، واغتال فيها أربعة مقاومين في اليوم الأول للعملية العسكرية وشارك سلاح الجو الذي نفذ غارات استهدفت مقاومين ومدنيين خلال أيام العملية وآخرها استهداف 3 مقاومين قرب جنين.
بالنظر إلى واقع العملية الصهيونية بعد ما يقارب 10 أيام على انطلاقها لم تختلف العملية العسكرية الصهيونية الواسعة عن عمليات الأمنية والاقتحامات المحدودة ولن تحقق هدفها بالنظر إلى تفاصيل سير العملية العسكرية ومجريات أيامها، قتل الجيش الصهيوني القيادي في كتيبة سرايا القدس في مخيم نورشمس، محمد جابر ابوشجاع الذي ظل ملاحقا من قبل قوات العدو لما يزيد عن 10 أعوام ، وعدداً من المقاومين ، وذلك امر مخز بالنسبة إلى عملية بهذا الحجم من القوات وهذا المستوى من التعاطي السياسي مع العملية.
فالعملية العسكرية للجيش الصهيوني انطلقت بالتزامن مع حملة تهديد كبيرة على مستوى قيادي رفيع في الحكومة الصهيونية بينها إعادة تهجير الفلسطينيين كما حدث في 67م ويحدث الآن في غزة، كما صرح بذلك وزير الخارجية الصهيوني يسرائيل كاتس، شاهدنا عمليات نزوح من جنين عبر الجبال وساهم الجيش الصهيوني بنقل بعض منها وأمام الكاميرات كما حصل لنساء في جنين أخرجهن الجيش الإسرائيلي لحسين صورته نوعا ولنقل صورة أخرى يريد أن تصل إلى كل المجتمع الفلسطيني لمزيد بث الرعب والترهيب.
ولا يخفى هنا أن قضية التهجير جزء من خطة طرحها سموتريش وزير المالية الصهيوني واحد أبرز قادة اليمين الصهيوني إلى جانب بن غفير.
تعرف الحكومة الإسرائيلية ويعرف نتنياهو خاصة، أن أي معركة في الضفة لن تنتهي بتطهيرها من المقاومة ولن تقضي على وجود الفصائل بها، وهو العاجز عن إنهاء المقاومة في غزة رغم كل القوة التي استخدمها ووسائل العمل الاستخباري والتقني ، والدعم الأمريكي والغربي وخلافه.
لم تفلح الجهود الإسرائيلية منذ الثمانينات مع نهضة العمل الإسلامي لتصدر المشهد المقاوم في فلسطين ، أو عودته بالأصح بعد فترة خفوت عقب النكبة 48م، وتصدر المشهد الحركات القومية واليسارية كالجبهة الشعبية وفتح ، فالقبضة الإسرائيلية على الضفة انطلاقا من أهميتها الجيوسياسية لدولة العدو والخلفية الدينية اليهودية أقوى بكثير وأهم بكثير من قطاع غزة ، والضفة التي تشكلت كبقعة جيوسياسية عقب النكبة 48م تمسك بخاصرة فلسطين وتمثل جسر عبور يجمع كل الجغرافيا الفلسطينية بين يديه أي عمل تحرير ، تدرك ذلك دول محور المقاومة ويدرك قادة العدو ورعاته ولذلك نشاهد التعبيرات عن خيبة الأمل من سلطة عباس تنطلق من واشنطن وعواصم غربية .
وبعيدا عن التهويلات وبالنظر إلى واقعية من يضعون الهدف الدعائي لنتنياهو من فتح معركة في الضفة كهدف ظرفي، تتلخص أهداف الحملة الإسرائيلية في جس قدرات فصائل المقاومة الفلسطينية في ظل اتهامات لإيران ومحور المقاومة بتسليح الضفة وهو أمر لا تخفيه ولا تخجل منه إيران أو محور المقاومة وخاصة حزب الله، ففي العام 2002م القى النظام الأردني القض على شحنة صورايخ كاتيوشا كانت في طريقها إلى الضفة الغربية، وتحدث السيد حسن نصر الله بكل وضوح أن المقاومة الإسلامية في لبنان لن توقف عمليات تزويد الضفة الغربية بالسلاح عبر الأراضي الأردنية ، وقال “لو وصلت الصواريخ إلى الضفة لما جرؤ شارون حينها على تدمير مخيم جنين وارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني حينها، والي اي مستوى وصل هذا التسليح” .
تهدف العملية الصهيونية دفع المجتمع في الضفة ليكون متعاونا، والافادة من مشاهد غزة والتي لم تجف دماء مجازرها بعد ولا تزال عالقة في الذهنية، و دفعه للتحول بعيدا عن مفهوم المجتمع المقاوم بأي مستوى واي نسبة ولو لم تشارك بها أو تتلاقى معها في جميع الأفكار، خاصة الإسلامية منها، وخنق المقاومة فالبيئة الحاضنة أشبه بالرئة لأي حركة مقاومة ، هذا الهدف يجري تحقيقه عبر جعل حياة الفلسطينيين خاصة داخل المخيمات اكثر صعوبة بتدمير البنى التحتية وتجريف الطرقات ، وهي منهجية باتت مألوفة في الاقتحامات المستمرة للضفة ، كان لافتا ومقلقا في أن الالتفاف الشعبي أمام مستشفى طولكرم منع أجهزة السلطة من اعتقال أبوشجاع قائد كتيبة سرايا القدس في مخيم نورشمس.
تكشف العملية العسكرية كذلك عن يأس أمريكي وإسرائيلي تجاه سلطة عباس رغم نشاط الأخير وشن حملات مكثفة لكشف عبوات المقاومة وتأمين عبور القوات الإسرائيلية خلال مداهمة البلدات والمدن والمخيمات الفلسطينية والتي تجري بشكل يومي، ناهيك عن العمل الاستخباري ضد المقاومة واعتقال المقاومين لصالح الموساد والشاباك تحت بند التنسيق الأمني.
في اليوم الرابع للعملية الصهيونية وجهت المقاومة ضربة مؤلمة للكيان بتنفيذ ثلاث عمليات مؤلمة وجريئة جنوب الضفة الغربية في الخليل، بعيدا عن مسرح عمليات الشمال منها عمليتان استشهاديتان جريئتان هاجمتا مجمع مستوطنات عتصيون، أسفرتا عن مقتل وإصابة آخرين بينهم قائد لواء عتصيون.
والثالثة على حاجز ترقوميا، قتل بنتيجتها 3 من شرطة العدو، واعترف إعلام العدو إزائها بأن المنفذين امتلكوا حرفية عالية، وفي مشهد العمليات استشهادية وهجوم منسق محترف صنفان يخشاهما العدو في المواجهات العسكرية، ووعدت كتائب القسام بالمزيد من المفاجآت.
العملية الصهيونية والقيادة العسكرية الصهيونية تواجه معضلة حقيقية في الضفة الغربية برمتها، يحتاج الجيش الصهيوني والقيادة الإسرائيلية إلى تفتيش كل منازل الضفة وما تحتها ، وجبال الضفة وبطونها إذا أرادت الخلاص ، وذلك أمر مستحيل ، ولم تستطع إنجازه على مدى عقود رغم القبضة المزدوجة والقوية من قبلها والعملاء في رام الله.
الأمر الآخر أن انسداد الأفق السياسي والتلاعب الذي اظهرته الحكومات والقيادات الصهيونية منذ مؤتمر مدريد واتفاق غزة اريحا وحتى الآن جعلت المجتمع الفلسطيني بغض النظر عن توجهاته أو اختلافه مع التيار الإسلامي، يتفق معها في أن العمل المقاوم هو سبيل التحرير والتحرر من الاذلال الإسرائيلي للفلسطينيين، وهذا الشعور لوحده أشبه بالقداحة لتشتعل الضفة وهي تفعل ذلك وبشكل متسارع منذ 7 أكتوبر ومع كل مجزرة صهيونية في غزة.
وليس بعيدا.. قدمت غزة للضفة الغربية حبل إنقاذ وخشبة خلاص في ظل العدوان الإسرائيلي، حين بثت القسام نبأ وصور مقتل الأسرى الصهاينة التسعة، رافعة حجم الصدام الداخلي الصهيوني إلى أوجَّه، كما عززت من الأصوات الضاغطة لوقف الحماقة لحكومة نتنياهو واليمين المتطرف شمالي الضفة الغربية، ومن بين أهداف نتنياهو استعادة دعم المجتمع الصهيوني له وخاصة اليمين بفتح معركة الضفة التي دائما ما تلهب حماس اليمين الصهيوني وأطماعهم.
لا يمكن للعملية العسكرية الإسرائيلية أن تستمر، لقد خفتت سريعا بالنظر إلى صعوبة تحقيق أهدافها في ظل المعطيات الداخلية للكيان والحرب الدائرة في غزة وعلى الشمال، وفي جبهات متعددة مع محور المقاومة، ايا كان الأمر وبلغ مستوى لقوة التشعب في المواجهات فإنه يغرق الامبراطوريات، فكيف باسرائيل الكيان المجمع من أصقاع شتى.
يتبقى خطر التهجير الذي تطرحه الدوائر الصهيونية كعنوان للحسم منذ 2017م ، وقد يكون الوقت فات لتحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى ما يقارب عشرين عاما على استمرار التسليح والبناء للعمل المقاوم وتجذره في الضفة. وما يجعله أكثر صعوبة الآن التجربة الفريدة للصمود في غزة على أرضه وتكرارها على الضفة اذا ما ذهب الصهيوني في هذا الخيار، وليس مواقف الحكومات العربية المجاورة والتي يحكمها ترمومتر الضغط الأمريكي والإغراء المالي الخليجي.
اشتعال الضفة مرهون فقط بالتوقيتات المناسبة للمقاومة الفلسطينية ولم يعد بالخيارات “ما أخذ بالقوة عام 48م و67م لا يسترد بغير القوة المقرونة بالإيمان”، الأمر بات محسوما لدى كل أطياف الشعب الفلسطيني في الداخل بما في ذلك الضفة والشتات، هذا الحسم مكن المقاومة في غزة من الصمود ومد المجتمع الغزاوي بطاقة الصبر .
وقد تفاجىء الضفة الجميع بما يتجاوز الطوفان إلى إعصار يزعزع أوتاد الخيمة الصهيونية في المنطقة ويمكن من اقتلاعها، 7 أكتوبر الضفة الغربية قادم لا جدال في ذلك، فلننتظر فلم يعد الأمر بعيداً.