التعاون العسكري بين مصر والصومال.. تعزيز للأمن أم محطة جديدة للصراع؟

حقبة جديدة في منطقة تنافس دولي على النفوذ:

 

توقيع الحكومة المصرية بروتوكولاً للتعاون العسكري مع الصومال قبل أيام أثار تساؤلات بشأن طبيعية العلاقة القائمة اليوم بين الصومال وتركيا بعد 8 أشهر من توقيعهما اتفاقية تعاون دفاعي، أرسلت أنقرة بموجبها قوات بحرية إلى السواحل الصومالية لحمايتها من التوغلات الأثيوبية، كما شيدت فيها قاعدة عسكرية بالتزامن مع اطلاقها أكبر مشروع استثماري نفطي في السواحل الصومالية.

الثورة  / أبو بكر عبدالله

منذ إفصاح إثيوبيا وجمهورية ارض الصومال الانفصالية غير المعترف بها دوليا عن إعلان مبادئ يمنح إثيوبيا منفذا بحريا في خليج عدن عبر ميناء بربرة، لم توقف الحكومة الصومالية تحركاتها الدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي في محاولة لإجهاض الاتفاق من خلال توقيعها اتفاقية دفاعية مع تركيا لحماية سواحلها المطلة على خليج عدن، ثم توقيعها قبل أيام بروتوكول تعاون عسكري مع مصر لحماية الداخل الصومالي والمساعدة في مواجهة التهديدات الخارجية.
كل التقديرات تشير إلى أن التحركات الأخيرة للحكومة الصومالية بالتوجه نحو مصر، جاءت في سياق الترتيبات الأمنية الداخلية خصوصا بعد أن شرعت أديس أبابا بتعزيز وجودها العسكري في الجمهورية الانفصالية “صوماليالاند” من خلال برامج التدريب الأمني والشرطي والتأسيس لقاعدة عسكرية، وهي التحركات التي أرسلت إشارات إلى الحكومة الصومالية بأن إثيوبيا ليست بصدد التراجع عن مشروعها الاستراتيجي في الحصول على منفذ بحري عبر الأراضي الصومالية.
ومن جانب آخر فقد جاءت التحركات الصومالية لإشراك مصر في ملف أزمتها مع إثيوبيا، بعد أشهر من شروع تركيا قيادة جهود وساطة لإيجاد حل توافقي مشترك للنزاع والذي تصاعد بعد إعلان الصومال الغاء اتفاق المبادئ المعلن بين جمهورية ارض الصومال وإثيوبيا القاضي بمنح إثيوبيا منفذا بحريا على خليج عدن بمساحة 20 كيلومتراً لمدة 50 سنة مقابل حصول الجمهورية الانفصالية على اعتراف من إثيوبيا.
ورغم الاطمئنان الحذر من جانب مقديشو للدور التركي في حماية سواحلها من التهديدات الإثيوبية إلا أن هواجسها الأمنية على الأرض ظلت قائمة وأثمرت عن توقيع بروتوكول عسكري مع القاهرة قالت مصر أنه يترجم التزاماتها المعلنة بالحفاظ على وحدة وسيادة الأراضي الصومالية.
ومعلوم أن الصومال وخلال الفترة الماضية سعت لإنهاء مهمة البعثة الأفريقية لحفظ السلام والتي تهيمن عليها القوات الأثيوبية وتعويضها بقوات تركية، وهي المساعي التي واجهت انتقادات حادة من الاتحاد الأفريقي وبعض دول المنطقة التي اقترحت على مقديشو الاستعانة بقوات إفريقية عوضاً عن استقدام قوات من خارج القارة السمراء.
هذه الانتقادات دفعت القاهرة للعب دور في إعادة المشهد من خلال توقيعها بروتوكول التعاون العسكري مع الصومال يهدف إلى بسط الأمن والاستقرار في الصومال، وتسهيل عمليات انتقال المهام الشرطية والأمنية إلى الأجهزة الصومالية ضمن خطة تمكين القوات الصومالية من القيام بالمهام الأمنية والعسكرية.
خلط أوراق
التطورات الأخيرة في ملف الأزمة الصومالية مع إثيوبيا كشفت أن لدى القاهرة هواجس من التواجد الأثيوبي في منطقة القرن الأفريقي لا تقل عن هواجس الحكومة الصومالية خصوصا بعد أن بدأت أديس أبابا بتنفيذ برامج تدريب لقوات الجمهورية الانفصالية وبناء قاعدة عسكرية هناك، مع احتفاظها بقواتها بداخل الأراضي الصومالية سواء المعنية بحماية العاصمة من الهجمات الإرهابية أو المشاركة ضمن بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي.
وفي زيارته الأخيرة إلى القاهرة أفلح الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بتوقيع بروتوكول تعاون عسكري بدد -إلى حد- ما المخاوف الصومالية من أمكانية أن تنجح إثيوبيا في الحصول على المنفذ البحري بوسائل القوة الناعمة، خصوصا بعد استجابة أنقرة لطلب أثيوبيا بلعب دور الوسيط بينها والصومال وعقدها جولتي مباحثات لهذا الغرض خلال الشهور الماضية.
وترى مقديشو أن الدعوة الإثيوبية للوساطة التركية لم تكن سوى محاولات التفافية لكسب الوقت من جانب أثيوبيا التي بدأت فعلا بتأسيس قاعدة عسكرية في جمهورية ارض الصومال الانفصالية بما حملته هذه الخطوة من رسائل عن إصرارها المضي بمشروعها للحصول على المنفذ البحري سواء بموافقة الحكومة الصومالية أم رغما عنها.
وصار واضحا أن الحكومة الصومالية القت العبء على القاهرة استنادا إلى التزاماتها تجاه الصومال ومساعيها للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في ظل التنافس الدولي المحموم على المنطقة، والتوافق الحاصل بينها ومقديشو بكون أثيوبيا دولة يصعب الوثوق بها.
أسباب وجيهة
بعد الإطاحة بنظام الديكتاتور محمد سياد بري عام 1990 عانى الصومال لنحو 30 عاما من الاضطرابات والحرب الأهلية وأسفرت عن انشقاق إقليم “أرض الصومال” الشمالي عن الدولة وإعلان جمهورية ارض الصومال التي لم تحظ بأي اعتراف دولي.
ومع انتهاء الحرب الأهلية وعودة الاستقرار التدريجي إلى الصومال وخوض القوى السياسية عدة تجارب انتخابية، تفاجأت الحكومة الصومالية مطلع يناير الماضي بإعلان جمهورية ارض الصومال وإثيوبيا اتفاق مبادئ تحصّل فيه الأخيرة على ميناء بحري في منطقة بربرة المطلة على خليج عدن معززا بقاعدة عسكرية لحماية مصالحها هناك.
ومع إعلان الحكومة الصومالية رفضها لهذا الاتفاق، وإصدارها قرارا عبر البرلمان بإلغائه، سارعت إلى توقيع اتفاق تعاون دفاعي وعسكري واقتصادي مدته 10 سنوات مع تركيا لتأمين سواحلها الممتدة لحوالي 3 آلاف كيلومترا لمنع أي توغلات إثيوبية في أراضيها.
وهذه الخطوة لم تكن كافية لمقديشو التي ذهبت بعد نحو8 أشهر إلى توقيع بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، خصوصا بعد إفصاح تركيا عن ان دور الوساطة الذي تقوم به يستهدف ابرام صفقة تفاهم بين إثيوبيا والصومال تسمح لإثيوبيا الوصول إلى المياه الدولية عبر الصومال دون المساس بسيادتها الإقليمية ما اعتبرته مقديشو معاكسا لمصالحها.
طبقا لذلك سعت مقديشو من خلال توقيعها بروتوكول التعاون العسكري مع مصر إلى توسيع دائرة الشركاء وعدم انفراد تركيا بالقرار، كما سعت إلى توجيه رسالة تطمين لدول المنطقة التي أبدت مخاوف من اتفاقها الدفاعي مع تركيا خصوصا بعد أن تمكنت من بناء أكبر قاعدة عسكرية في الأراضي الصومالية بناء على اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة.
مخاوف مستقبلية
منذ أن بدأت تركيا برعاية مباحثات للوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لم يُخف الصوماليون قلقهم من احتمال أن تقود سياسة القوة الناعمة التي تتبناها تركيا لبناء شراكات متعددة مع دول شرق وشمال إفريقيا، إلى عقد صفقة قد تمنح إثيوبيا منفذا بحريا خصوصا وأن اتفاقية التعاون العسكري الدفاعي منحت أنقرة إلى جانب مسؤولية حماية وتأمين المياه الصومالية- الحق في تطوير الموارد البحرية وإدارة المنطقة الاقتصادية بما في ذلك الميناء الرئيسي ومطار العاصمة مقديشو.
وفي ظل التنافس المحموم على المناطق الاقتصادية الصومالية بين تركيا وروسيا والصين والغرب ودول الخليج، ثمة خشية من أن تركيا التي استثمرت العام الماضي فقط أكثر من مليار دولار على شكل مساعدات قدمتها لمقديشو، لن تضيع استثماراتها المكلفة في القرن الأفريقي بسبب خلافات يمكن حلها بين الصومال وإثيوبيا.
يزيد من ذلك أن الطموحات التركية تبدو أكبر من مسألة استثمار الموارد البحرية الصومالية بعد أن أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار مؤخرا عن خطط بلاده للتنقيب عن النفط والغاز في 3 مناطق قبالة السواحل الصومالية، في خطوة أفصحت عن اهتمام أنقرة المتزايد بالموارد الطبيعية والاستراتيجية في المنطقة بصورة عامة.
وفي حين تحاول مقديشو أن تبدو مطمئنة حيال وجود القوات التركية لكون مهامها بموجب اتفاقية التعاون الدفاعي تختص فقط بحماية السواحل الصومالية، إلا أن ذلك لم يُخف قلقها من انفراد القوات التركية بالقرار في ظل وجود القاعدة العسكرية التركية في البر الصومالي والتي تعتبر من أكبر القواعد العسكرية التركية خارج تركيا.
والمخاوف الصومالية لا تبدو مقتصرة على هذا الجانب وحسب، فهناك مخاوف أخرى على صلة بالفراغ الذي يمكن أن يحدثه انسحاب القوات الأثيوبية في ظل التقديرات التي تتحدث عن مهام محددة للقوات المصرية والجيبوتية التي ينتظر أرسالها إلى الصومال ضمن البعثة الإفريقية الجديدة لحفظ السلام في الصومال.
وهذا الدور قد يتقلص أمام الدور المركزي لأثيوبيا الذي يتعزز بفعل المعطيات الجغرافية والسكانية لصالح إثيوبيا المرتبطة بحدود مشتركة مع الصومال تمتد لنحو 800 كيلومتر فضلا عن امتلاك إثيوبيا الخبرة في التعامل مع تعقيدات المشهد الصومالي استنادا إلى الدور الذي لعبته لسنوات طويلة في ترتيب البيت الصومالي الداخلي ورعايتها توقيع العديد من الاتفاقيات بين الفرقاء الصوماليين.
أزمات جديدة
يصعب التكهن ان توقيع مصر والصومال بروتوكول التعاون العسكري الذي ينتظر أن ترسل فيه مصر قوات عسكرية إلى الصومال تحل محل القوات الأثيوبية ضمن البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام سيمر بصورة سلسلة دون أن يواجه بتحركات إثيوبية قد تزيد من تعقيدات المشهد الأمني في الصومال.
ذلك أن إثيوبيا دفعت خلال العقود الماضية ثمنا باهظا للمساهمة في دعم الاستقرار في الصومال وبناء الدولة الجديدة، كما شاركت بآلاف من جيشها لتأمين العاصمة الصومالية بعد سيطرة مسلحي التنظيمات المتشددة عليها، ناهيك عن دورها في الحرب التي تقودها الحكومة على المنظمات الإرهابية وهي معطيات قد تجعل من انسحابها من الصومال مفتتحا لحقبة جديدة من الاضطرابات المهددة لبناء الدولة الصومالية الحديثة.
وعلى أن إثيوبيا استطاعت تجنب الصدام العسكري مع القوات التركية المتمركزة في المياه والبر الصومالي، فإنه من غير المرجح أن تخطو أديس أبابا الخطوة ذاتها مع مصر في ظل حال التوتر القائم بين البلدين في ظل الاعتقاد السائد لدى الساسة في أديس أبابا أن تواجد القوات المصرية يهدف لمنعها من الحصول على منفذ بحري.
والعزم الأثيوبي في الحصول على منفذ بحري على خليج عدن، يبدو أكبر من مجرد صفقة اقتصادية، فالتصريحات المتكررة للقيادات الأثيوبية ترى في إنجاز هذا المشروع أمرا مصيريا سواء بالحرب أم السلم، وهو أمر يعزز من احتمالات حصول تصادم بين القوات الأثيوبية والمصرية.
وهذا الأمر أعلنه بوضوح رئيس جمهورية ارض الصومال الانفصالية مؤخراَ بتأكيده على توقيع بروتوكول التعاون العسكري المصري الصومالي يمكن أن يقود إلى تصعيد الصراعات القائمة.
ومن غير المستبعد أيضا أن يؤدي بروتوكول التعاون المصري الصومالي إلى تفجر صراع داخلي في الصومال مع استعدادات الحكومة الصومالية في الوقت الراهن لتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، قد تعمل إثيوبيا على أن تؤول نتائجها لحكومة جديدة لها مواقف مختلفة عن المواقف التي يقودها الرئيس الحالي للصومال حسين شيخ محمود، وهو امر متوقع في ظل الحضور الإثيوبي الواسع في المشهد السياسي الصومالي.

قد يعجبك ايضا